بغداد/المسلة: يشتعل الصراع على منصب رئاسة الجمهورية العراقية مجدداً بين قوتين سياسيتين كرديتين كبيرتين وسط توترات سياسية تتجاوز مجرد تنافس حزبي، وتشير البيانات والتصريحات الحالية إلى أن الحزب الديمقراطي الكردستاني المعروف باسم البارتي والاتحاد الوطني الكردستاني المعروف باسم اليكتي قد دخلا مرحلة جديدة من مزاحمة النفوذ على أعلى المنصات الرسمية في بغداد، في وقت يحفّز فيه تقليد التقاسم القديم للمناصب وتوازنات القوى بين الإقليم والمركز خلافات متجددة لا تخلو من مخاطر تفكك التحالفات التقليدية.
وواصل اليكتي التعبير عن تمسكه بالتوازنات التاريخية التي منحت حزبه منذ سنوات موقع رئاسة الجمهورية، وهي تموضعات ترتبط بـاتفاقات غير مكتوبة بين الحزبين منذ عقود، وتظهر في الوقت الحالي في تصريحات قيادية تؤكد أن أي تراجع عن هذا الموقف قد يزعزع استقرار العلاقة بين بغداد وأربيل، خاصة مع اقتراب موعد الجلسة الأولى للبرلمان الجديد والمزمع عقدها يوم 29 ديسمبر المقبل لتحديد هياكل القيادة العليا للدولة.
وارتفع سقف الخطاب بين الطرفين مع استمرار البارتي في طرح حقه السياسي على أساس الأكثرية النيابية التي حصل عليها ، وهي حجة يكررها نواب الحزب في البرلمان العراقي معتبراً أن هذه الغلبة الانتخابية تمنحه الأحقية في ترشيح مرشح لرئاسة الجمهورية، وهو ما يثير ردود فعل حادة من اليكتي الذي يرى في ذلك محاولة لتغيير قواعد التوافق التقليدية التي ساعدت على استقرار الأمور السياسية في العراق لعقود.
ومن جانب آخر يرى مراقبون أن هذا النزاع يعكس عمقاً أوسع في العلاقات بين بغداد وأربيل، حيث يأتي في سياق خلافات حول تشكيل الحكومة الاتحادية الجديدة وتوزيع المناصب، ويزيد من مخاطر انقسام الكرد على مستوى التمثيل السياسي، وقد يؤدي ذلك إلى دخول البرلمان بمرشحين متعددين في جلسة انتخاب الرئيس، تماماً كما جرى في دورات سابقة عندما حسم البرلمان انتخابات 2018 لصالح مرشح اليكتي برهم صالح بعد دخول كلا الحزبين بمرشحين منفصلين.
وأسهمت الاجتماعات المتكررة في أربيل بين قيادات البارتي واليكتي في إبراز صورة مختلطة من التوتر والتعاون، حيث أشار بعض القادة إلى وجود خطوات إيجابية لتقريب وجهات النظر، لكن حتى الآن لم يتضح اسم موحد يُمثّل البيت الكردي في السباق على الرئاسة، مما يفتح الباب لتكهنات حول سيناريوهات لحسم هذا الملف قبل نهاية العام.
ويدل الجمود الحالي على أن الصراع بين البارتي واليكتي لم يعد مجرد ملف داخلي في الإقليم، بل بات يلامس صميم التوازنات السياسية في العراق بأسره، وقد يحمل في طياته آثاراً بعيدة المدى على القدرة على تشكيل حكومة مستقرة وعلى استمرارية التوافق بين بغداد وأربيل إذا ما اشتد التنافس دون آليات واضحة لحسم الاختلافات.