بغداد ـ «القدس العربي»: اتفق مسؤولان إيرانيان (دبلوماسي ورجل دين)، على إن النأي ببلادهم عن الضلوع في أي دور لدعم الفصائل العراقية أو تأسيس أذرعٍ عسكرية بهدف الدفاع عن مصالح النظام الإيراني، مختصرة دور طهران بدعم السلطات الرسمية في حال طلب الأخيرة ذلك، في رسالة ناعمة تتزامن مع سعي أمريكي واضح لإنهاء سيطرة الفصائل في المرحلة المقبلة، وحجز مقعد للعراق فيما بات يعرف بـ«الشرق الأوسط الجديد».
في ندوة بعنوان «حول الدبلوماسية في زمن الحرب ومستقبل المنطقة»، على هامش معرض العراق الدولي للكتاب في بغداد، خرج وزير الخارجية الإيراني الأسبق محمد جواد ظريف، في تصريح أكد فيه أنّ فصائل المقاومة في المنطقة «لا تقاتل لخدمة مصالح إيران»، بل تتحرك انطلاقًا من مصالحها الوطنية في مواجهة الاحتلال، نافيًا أن تكون تلك القوى «عملاء» لطهران.
ظريف أضاف أن «إيران دفعت ثمنًا باهظًا جراء دعمها لهذه الفصائل»، مؤكداً بالقول: «لم تُطلق رصاصة واحدة خلال 45 عامًا لخدمة مصالح إيران من قِبل ما يُسمّى بوكلائنا».
ووفق الدبلوماسي الإيراني فإن دور بلاده يقتصر على «الدعم» ولا يمتد إلى صناعة هذه الفصائل أو القدرة على إلغاءها.
شدد على أنّ بلاده «لا تسعى إلى الهيمنة الإقليمية، بل تدعم قيام منطقة قوية تضم عراقًا قويًا وسعودية قوية وكل دولة قادرة على حماية نفسها».
موقف ظريف جاء متسقاً مع إعلان ممثل المرشد الإيراني في العراق، مجتبى حسيني، إن «لا علاقة مالية» بين بلاده والفصائل المسلحة المنضوية في «الحشد».
ونقلت وكالة «فارس» الإيرانية عن حسيني قوله إن «الحشد الشعبي مؤسسة عراقية رسمية، ورئيس الوزراء هو القائد المباشر لها. القيادة عراقية، والموارد عراقية، ولا تتحمل إيران أي نفقات مالية خاصة بالحشد»، موضحاً أن «العلاقة بين إيران والحشد تقتصر على المشورة العسكرية عند الطلب، أو المساعدة الفنية في الحدود المتاحة».
وبيّن أن «كثيراً من مقاتلي الحشد كانوا من المعارضين لصدام وشاركوا في الحرب العراقية ــ الإيرانية، وهو ما يفسّر تعاطفهم التاريخي مع إيران، لكن ذلك لا يعني تبعيتهم لها»، مشدداً على أن «إيران لا تفرض أي تدخل في القرارات السيادية العراقية، وتتعامل مع العراق عبر مؤسسات الدولة فقط، وبشكل قانوني كامل، وليست مثل الولايات المتحدة التي تدخل من دون إذن وتتحكم في الاقتصاد»، على حد تعبيره.
رجل الدين الإيراني تطرق إلى القرار الذي نُسب مؤخراً إلى البنك المركزي العراقي بشأن إدراج «حزب الله» اللبناني و«الحوثيين» في اليمن، على لائحة المنظمات المرتبطة بأعمال «إرهابية»، قبل أن تقرر الحكومة التراجع عن ذلك.
وحسب رأي حسيني فإن «احتمال تدخّل الولايات المتحدة في هذا الإجراء ليس بعيداً إطلاقاً، خصوصاً أن واشنطن ما تزال تمارس سيطرة مالية واسعة على موارد العراق»، لافتاً إلى أن «إيرادات النفط العراقي تُدار عبر الولايات المتحدة، وأن بغداد تحتاج إلى موافقات مالية أمريكية لتغطية النفقات العامة، بما فيها الرواتب».
تركيز المسؤولين الإيرانيين في الدفاع عن بلادهم أمام تهم دعم الفصائل الشيعية المسلحة، سواء في المنطقة على وجه العموم والعراق خصوصاً، لا يبدو إنه قادر على إقناع نظرائهم الأمريكان الذين يكثفون جهودهم لإبعاد العراق عن أي ارتباط إيراني، خصوصاً إنه مقبل على تشكيل حكومة جديدة لا تريدها واشنطن خاضعة لتأثير الفصائل.
مارك سافايا، مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ذكّر القادة السياسيين والدينيين في العراق بمهامهم في تحديد شكل المرحلة المقبلة، وفيما إذا كانت البلاد ستحافظ على «السيادة والقوّة» أم إنها ستنزلق إلى «التفكك والانحدار».
وقال سافايا في «تدوينة» له، إنه «بعد مرور ثلاثة وعشرين عامًا على سقوط الدكتاتورية، يقف العراق مجددًا أمام لحظة حاسمة. لقد أُتيحت للبلاد فرصة تاريخية لإعادة بناء مؤسساتها وتأمين مستقبل مزدهر. ومع ذلك، لا يمكن لأي أمة أن تنجح في ظل وجود جماعات مسلحة تنافس الدولة وتقوض سلطتها»، مستدركاً: «وقد أدى هذا الانقسام إلى إضعاف مكانة العراق الدولية، وخنق اقتصاده، والحد من قدرته على حماية مصالحه الوطنية».
ورأى المبعوث الأمريكي إنه «على مدى السنوات الثلاث الماضية، أثبت العراق أن الاستقرار الحقيقي ممكنٌ عندما تتبع الحكومة نهجاً واقعياً ومتوازناً يُجنّب البلاد الصراعات الإقليمية ويُعيد التركيز على الأولويات الوطنية»، مؤكدا ضرورة «الحفاظ على هذا المسار الناشئ وعدم عرقلته. يتطلب الاستقرار قيادةً مسؤولة، ووحدةً في الهدف، والتزاماً راسخاً بتعزيز الدولة ومؤسساتها».
وشدد سافايا على أنه «بينما يحتفل العراق بالذكرى السنوية الثامنة لانتصاره على داعش ويختتم بنجاح انتخاباته البرلمانية، تقع المسؤولية كاملةً على عاتق القادة السياسيين والدينيين في البلاد»، منوهاً بأنه «سيحدد قرارهم في الفترة المقبلة ما إذا كان العراق سيتقدم نحو السيادة والقوة أم سينزلق مجدداً إلى التفكك والانحدار».
ولفت إلى أن «اختياراً موحداً وعقلانياً سيرسل إشارة واضحة لا لبس فيها إلى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي مفادها أن العراق مستعد لأخذ مكانته اللائقة كدولة مستقرة ومحترمة في الشرق الأوسط الجديد. أما البديل فهو واضح بنفس القدر: تدهور اقتصادي، واضطراب سياسي، وعزلة دولية».
ووفق مبعوث الرئيس الأمريكي فإنه «في ظل قيادة الرئيس ترامب، تقف الولايات المتحدة على أتم الاستعداد لدعم العراق خلال هذه المرحلة الحاسمة»، مشددا بالقول: «إنني وفريقي من الخبراء ذوي الخبرة العالية ملتزمون بالعمل عن كثب مع القادة العراقيين في الأسابيع والأشهر المقبلة للمساعدة في بناء دولة قوية، ومستقبل مستقر، وعراق ذي سيادة قادر على رسم مصيره في الشرق الأوسط الجديد».
المحلل السياسي العراقي، محمد علي الحكيم، تساءل: «بعد أضعاف حركة حماس إلى 90 في المئة وإضعاف حزب الله اللبناني بنسبة كبيرة، بالتحديد بعد اغتيال زعيمه الأمين العام حسن نصر الله، وانهاء محور سوريا التي كانت تسمى (الحلقة الذهبية)، إذن هل الدور القادم سيكون المحاور الأخرى وبالتحديد العراق؟»، مضيفاً لـ«القدس العربي»: «الرسالة وصلت من قبل الغرب وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية: في المرحلة القادمة أما التجويع أو التطبيع».