كتبه: أليستر ماكدونالد –
أثبتت الطائرات الإيرانية الانتحارية من طراز «شاهد» فعاليتها المدمّرة في الهجمات الروسية على أوكرانيا، ما دفع الولايات المتحدة وحلفاءها إلى سباق محموم لتطوير نسخ مماثلة من هذا السلاح زهيد التكلفة وبعيد المدى.
فعلى مدى عقود، اعتمدت الجيوش المتقدمة على الصواريخ الباهظة للدقة النارية، وعلى المدفعية الرخيصة للقصف الكثيف. لكن حرب أوكرانيا أثبتت أن الطائرات المسيّرة يمكن أن تجمع بين الدقة وانخفاض الكلفة، إذ لا تتجاوز تكلفة الطائرة الواحدة من «شاهد» عشرات الآلاف من الدولارات، وقادرة على الطيران لمسافة تتجاوز ألف ميل وفق تقديرات واسعة.
وقد أثبت هذا الطراز الإيراني فعاليته في إنهاك الدفاعات الجوية. فروسيا تطلق عادة عشرات الطائرات من هذا النوع دفعة واحدة، لتنفجر عند الاصطدام. وفي أحيان أخرى تُطلق صواريخ بالتزامن مع موجات المسيّرات، ما يزيد احتمال اختراق الدفاعات.
وقال الفريق أول أندريه ستور، قائد سلاح الجو والفضاء الملكي الهولندي، إن حرب أوكرانيا كشفت أهمية المسيّرات الرخيصة وبعيدة المدى، مضيفاً: «إذا دخلتَ حرباً، فأنت بحاجة إلى جيوب عميقة جداً».
وتعمل شركات في الولايات المتحدة والصين وفرنسا وبريطانيا ودول أخرى على تطوير نماذجها الخاصة من الطائرات غير المأهولة التي تحاكي «شاهد». كما استخدمت أوكرانيا خلال العامين الماضيين مسيّرات بعيدة المدى لضرب روسيا، وظهرت مؤخراً طائرة ثلاثية الأجنحة تشبه تصميم «شاهد» تماماً.
لكن الغرب – بحسب محللين – متأخر ويواجه تحديات أبرزها ارتفاع الكلفة مقارنة بإيران وروسيا.
البدايات الإيرانية والتوسع الروسي
بدأت إيران تطوير «شاهد» مطلع الألفية، بعد ملاحظة تطور مسيّرات بعيدة المدى في إسرائيل وجنوب أفريقيا. ومنذ ذلك الحين استُخدمت هذه الطائرة في ضرب إسرائيل، كما استخدمتها جماعات حليفة لطهران في الشرق الأوسط.
أما روسيا، فبدأت نشر «شاهد» أواخر 2022 بعد اتفاق مع إيران لشراء المسيّرات وإنتاجها محلياً. ومنذ ذلك الحين، أطلقت عشرات الآلاف من النسخ الروسية – إلى جانب نماذج خداعية – على أهداف داخل أوكرانيا.
سباق التصنيع الأميركي والغربي
وفي مذكرة كتبها وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسِث في يوليو الماضي، دعا إلى تعزيز قاعدة تصنيع المسيّرات الأميركية، وتجهيز الوحدات القتالية بأنواع مختلفة من المسيّرات الأميركية زهيدة السعر.
وخلال فعالية في البنتاغون هذا الصيف، عُرضت 18 نموذجاً أميركياً جديداً، بينها «لوكاس» من شركة SpektreWorks التي تشبه «شاهد» في تصميمها، وتصفها الشركة بأنها منخفضة التكلفة وقليلة المتطلبات اللوجستية.
كما عرضت شركة Griffon Aerospace طائرة «آروهيد» بعيدة المدى، والتي تتشارك نفس الجناح المثلث لطائرة «شاهد»، وتؤكد الشركة أنها مصممة للإنتاج الكثيف ويمكن إطلاقها بطرق متعددة.
وباتت مسيّرات «شاهد» ونسخها شائعة لدرجة أن شركات مثل Griffon وSaab السويدية بدأت تصنيع نماذج تدريبية تحاكي سلوك وتصميم المسيّرة الإيرانية.
لكن الكلفة المرتفعة للعمالة والمواد تشكّل عقبة أمام الشركات الغربية. فقد باعت شركة Anduril Industries الأميركية 291 طائرة «ألتيُس» بعيدة المدى لتايوان العام الماضي، بقيمة تتجاوز مليون دولار للطائرة الواحدة مع التدريب والدعم.
في المقابل، تنتج روسيا نسختها من «شاهد» بتكلفة تتراوح بين 35 و60 ألف دولار فقط، وفق تقديرات محللين.
لماذا «شاهد» رخيصة؟
يقول خبير تصميم المسيّرات ستيف رايت إن الجناح المثلث للطائرة يجعل تصنيعها أسهل وأرخص لأنها لا تحتاج دعائم داخلية معقدة. كما أن هيكل الألياف الزجاجية أو الكربونية واستخدام محرك مروحي بدلاً من محرك نفاث يخفضان الكلفة بشكل كبير.
مزاعم التفوق الغربي
بعض الشركات الغربية تدافع عن كلفة منتجاتها، مؤكدة أنها تقدم أداءً أعلى. فشركة MGI Engineering البريطانية تقول إن مسيّرتها «سكاي شارك» يمكن أن تطير بسرعة 280 ميلاً في الساعة، مقارنة بـ115 ميلاً فقط لطائرة «شاهد-136»، ما يجعل اعتراضها أصعب.
أما شركة MBDA الأوروبية العملاقة، فتقول إن طائرتها الجديدة تجمع بين خصائص الصاروخ والطائرة المسيّرة، وقد طُوّرت بالتعاون مع شركة سيارات فرنسية، ويمكن إطلاقها على شكل رشقات متتالية. وتؤكد الشركة أن السلاح الجديد «يُنتج بكلفة أقل بكثير من الصواريخ التقليدية وسيستنزف دفاعات العدو». ولم تكشف الشركة عن سعره.
خيارات أخرى للغرب
يمتلك الغرب بدائل أخرى، منها برامج أميركية تهدف إلى تطوير ذخائر هجومية رخيصة تُستخدم لمرة واحدة، إضافة إلى وسائل تضليل إلكترونية وبدنية، أو استخدام الطائرات المقاتلة.
لكن خبراء يرون أن استخدام روسيا لمسيّرات «شاهد» بكميات كبيرة أظهر حاجة الغرب إلى بدائل أرخص من الصواريخ التي تتجاوز قيمتها مليون دولار للقطعة وتحتاج أكثر من عام للتصنيع.
ويقول الخبير جيمس باتون روجرز من معهد كورنيل لسياسات التكنولوجيا إن الاستخدام الروسي المكثّف لهذه المسيّرات في إنهاك الدفاعات «غيّر قواعد اللعبة»، مضيفاً: «الضربات الدقيقة والرخيصة بعيدة المدى التي تُغرق الدفاعات تمثل أحد أكبر التهديدات للأمن الدولي».