الوثيقة | مشاهدة الموضوع - الانسحاب الأميركي من العراق والتحول التكتيكي للسياسة الخارجية :محمد حسن الساعدي
تغيير حجم الخط     

الانسحاب الأميركي من العراق والتحول التكتيكي للسياسة الخارجية :محمد حسن الساعدي

مشاركة » الجمعة نوفمبر 14, 2025 2:09 am

يمثل قرار الرئيس دونالد ترامب بسحب القوات الأميركية المتمركزة منذ أكثر من عشرين عاماً من قاعدة فيكتوريا في بغداد وعين الأسد في الأنبار، وإعادة نشرها في أربيل، وربما الانسحاب من بعض الدول العربية، تحولاً وتغييراً في الموقف السياسي والعسكري لواشنطن تجاه الشرق الأوسط، خصوصاً في ظل المتغيرات الخطيرة والكبيرة التي تشهدها المنطقة عموماً.

السيناريوهات المحتملة لهذا الانسحاب متعددة إذا ما قرأناه على أنه فعلاً انسحاب. فالعراق أجرى اتفاقية استراتيجية مع التحالف الدولي، وتم التصويت عليها في مجلس النواب، وتعد الوحيدة التي أُقرّت بثلثي أعضائه، وأجرت الحكومات المتعاقبة العديد من الحوارات بشأن إنهاء مهمة التحالف الدولي، الذي يمثل وجود 84 دولة في هذا التحالف، وتكللت هذه الحوارات بانسحاب آخر القوات من العراق.

السيناريو الآخر يرى أن الانسحاب يأتي في ظل التوترات والتهديدات المتصاعدة ضد الجمهورية الإسلامية، والتي بحسب المعطيات ربما تتعرض لضربة من قبل إسرائيل، وأن الانسحاب الأميركي إلى أربيل ربما يأتي في إطار إبعاد قواعدها العسكرية عن أي استهداف داخلي أو خارجي، وهو ما تخشاه الولايات المتحدة وتعمل على تجنب مخاطره.

السيناريو الثالث، وهو الأقرب إلى الواقع، يتمثل في أن عقلية الرئيس الأميركي تقوم على النفوذ المالي، إذ ينظر إلى العالم على أنه منجم من المال، وأن وجود أي قوات له في دول العالم، ومنها العراق، ينبغي أن يقابله ثمن. وعلى الدول التي تتواجد فيها القواعد الأميركية دفع ثمن وجود هذه القواعد على أراضيها وأن تكون ملكاً لواشنطن مع دفع تكاليف وجود هذه القوات، ما دفع دولاً تتواجد فيها القوات الأميركية إلى الرضوخ لقرارات ترامب في دفع تكاليف وجود قواته في بلدانها، مثل كوريا الجنوبية واليابان وألمانيا. ولأن العراق لا يملك مالاً يمكن أن يسدد به ثمن وجود هذه القوات، فقد قررت واشنطن سحبها من العراق لتتحول إلى أربيل ومن ثم الانسحاب النهائي.

هناك من يرى أن الخطوة الأميركية تمثل إعادة توجيه دقيقة تهدف إلى تحقيق توازن جديد بين المتطلبات الأمنية للحفاظ على النفوذ الاستراتيجي والمخاطر العملياتية في السياسة الداخلية والتوترات الإقليمية، لأن فهم الأهداف والدوافع والنتائج المتوقعة لهذا التغيير يمكن أن يسهم في تسليط الضوء على الإطار الأوسع لاستراتيجية الدفاع الأميركية في الشرق الأوسط مستقبلاً. ويتمثل الهدف الرئيسي لواشنطن في الحفاظ على نفوذها في العراق مع توفير حماية لقواتها من المخاطر الجيوسياسية المتصاعدة في الشرق الأوسط.

تسعى واشنطن إلى تخفيف التكلفة السياسية لهذا التواجد في العراق، خصوصاً إذا حصل صراع في المنطقة قد تُستهدف فيه هذه القواعد، ما يؤدي إلى حصول خسائر بشرية في قواتها المتواجدة في قاعدتي فيكتوريا وعين الأسد، وهو ما قد يورط واشنطن في صراعات جديدة هي في غنى عنها. ومن خلال هذا الانسحاب تقلل واشنطن من تصاعد الشعور السائد في الشرق الأوسط بأن طهران قادرة على استهداف القواعد الأميركية، وأن الجندي الأميركي بات في دائرة الاستهداف.

العراق من جهته يواجه ضغوطاً كبيرة من أجل التغيير الجيوسياسي المتمثل بضرورة حل الفصائل المسلحة ودمج الحشد الشعبي في القوات الأمنية والعسكرية، وهو الأمر الذي ترفضه بغداد وتعده تدخلاً في شؤونها الداخلية، ويعطي مسوغاً واضحاً لإعادة التهديد المباشر لعصابات داعش في العراق والمنطقة عموماً. كما أن حكومة السيد السوداني تتعرض لضغوط شعبية لإنهاء الوجود العسكري الأميركي نهائياً من العراق، وبالتالي فإن انسحاب هذه القوات سيخفف الضغط عليه ويجعله يعمل باستقلالية أكبر.

ومهما تعددت الأسباب وراء انسحاب القوات الأميركية، يبقى شيء مهم، وهو أن المنطقة تتعرض لاستهداف مباشر من قبل إسرائيل وبرعاية أميركية، لذلك تسعى واشنطن إلى أن تبعد نفسها عن دائرة الاستهداف، وهذا يعكس واقعاً جديداً مفروضاً على المنطقة وعلى العالم أجمع، ويعطي فسحة جيدة في قراءة المشهد من زاوية أخرى، وهي أن منطقة الشرق الأوسط ليست سهلة المنال لإسرائيل أو واشنطن، وأن التدخلات مهما تصاعدت في إيجاد متغيرات جيوسياسية، إلا أن الواقع يتحدث عن مواجهة جديدة مقبلة يدخل الجميع فيها.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات