تترقب العديد من العواصم العربية، الانتخابات البرلمانية العراقية المقرر إجراؤها الثلاثاء المقبل 11 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، وسط أجواء إقليمية مشحونة بالصراعات والتحولات الجيوسياسية العميقة.
وتأتي هذه الانتخابات، بحسب مراقبين عرب، في لحظة مفصلية من تاريخ العراق والمنطقة، حيث تتقاطع فيها رهانات الداخل العراقي مع حسابات الخارج، في ظل تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل، وتبدل موازين القوى في الشرق الأوسط.
ويرى المراقبون أن الانتخابات العراقية ليست مجرد استحقاق سياسي محلي، بل اختبارا حقيقيا لقدرة العراق على استعادة توازنه الداخلي وترسيخ استقلال قراره السياسي، في وقت تسعى فيه القوى الإقليمية والدولية إلى إعادة رسم خريطة النفوذ في المنطقة.
وبينما يأمل العرب أن تشكل الانتخابات “عرساً ديمقراطياً” يعيد الثقة بالعملية السياسية، يحذر آخرون من محاولات التدخل الخارجي لفرض معادلات جديدة على حساب استقرار العراق وسيادته.
حظوظ الكورد
ومن مصر، يقول أستاذ الفكر الصهيوني بجامعة الإسكندرية، أحمد فؤاد أنور، إن “المنطقة بأسرها تعيش حالة من الانفلات وعدم الاستقرار نتيجة الجرائم الإسرائيلية التي تطال الشرق الأوسط”، مشيراً إلى أن “الانتخابات العراقية المرتقبة تأتي في هذا السياق المعقد كفرصة لترسيخ الاستقرار من خلال مشاركة جماهيرية واسعة”.
ويوضح أنور أن “المشاركة الكثيفة هي الضمانة الحقيقية لمكافحة التزوير، لأن النسبة القليلة هي التي تُستغل لتوجيه الناخبين بشكل خاطئ، أما الأغلبية الواعية فتختار بعقلانية وبعيداً عن المصالح الشخصية”.
ويرى الأكاديمي، أن “البرلمان المقبل يجب أن يكون قادراً على تشريع القوانين ومراقبة الأداء الحكومي وكبح الفساد، فضلاً عن مواجهة التهديدات الخارجية ومحاولات فرض الهيمنة على العراق”.
ويشير أنور إلى أن “هناك توقعات بالمشاركة الكثيفة في كوردستان وارتفاعاً بحظوظ الكورد، مقابل مقاطعة التيار الصدري التي ستؤثر في نسب الإقبال، خصوصاً في العاصمة بغداد، ما سينعكس على تشكيل الحكومة المقبلة”.
ويؤكد أنه “في مصر، نأمل أن تكون هذه الانتخابات نموذجاً ديمقراطياً يحتذى به، بعيداً عن التحريض أو التهديد باستخدام العنف، وأن ينجح العراق في اجتياز هذا الامتحان السياسي بسلام ونضج”.
مفترق طرق
أما الباحث السياسي في الشأن السوري، رضوان الأطرش، فيرى أن العراق يقف اليوم أمام مفترق طرق حاسم بين تعزيز علاقاته مع دول الخليج أو الحفاظ على تحالفاته مع إيران، بعد التحولات الكبرى التي شهدتها المنطقة منذ سقوط النظام السوري – في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024 – وإعادة تشكيل التحالفات الإقليمية.
ويلفت الأطرش إلى أن “الولايات المتحدة تعيد تقييم وجودها العسكري والسياسي في الشرق الأوسط، والعراق سيكون جزءاً من هذه المعادلة، خاصة في ظل المنافسة المتزايدة مع النفوذ الروسي والصيني”.
ويوضح أن “الانتخابات العراقية المقبلة ستحدد ما إذا كانت القوى المدعومة من إيران ستواصل هيمنتها، أم أن القوى الساعية للاستقلال عن هذا النفوذ ستتمكن من تحقيق تقدم ملموس”.
ويعتبر الأطرش أن “هذا الاستحقاق الانتخابي سيكون اختباراً لمصداقية العملية السياسية في العراق”، وقد يفتح الباب أمام تحولات جديدة في علاقاته الإقليمية والدولية إذا أفرز نتائج تميل نحو الانفتاح العربي وتخفيف الارتباط بالمحور الإيراني.
تغيير إقليمي
من جهته، يرى الكاتب السياسي اللبناني، أمين بشير، أن المنطقة تشهد تحولاً جذرياً في توازناتها، قائلاً إن هناك “قراراً دولياً بإنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة عبر تحجيم أدواته، وربما تغيير سلوك النظام الإيراني نفسه إن لم يكن تغييره كلياً”.
ويضيف بشير أن “العراق، مثل لبنان وسواهما من الدول العربية التي كانت تحت النفوذ الإيراني، يعيش مرحلة تحول حقيقي نحو استعادة قراره الوطني، وأن الانتخابات البرلمانية المقبلة ستعكس هذا التغيير الكبير في موازين القوى”.
ويتوقع الكاتب اللبناني “تراجعاً واضحاً للنفوذ الإيراني ليس سياسياً فقط، بل أيضاً في تسلط السلاح داخل العراق، مما يمهد لمرحلة جديدة ترتفع فيها مؤشرات الديمقراطية وتتعزز مكانة الأحزاب المدنية غير المسلحة”.
ضغوط أميركية
أما المحلل السياسي الأردني والباحث في العلاقات الدولية، حازم عياد، فيرى أن الانتخابات المقبلة “لن تحمل مفاجآت كبيرة تخل بموازين القوى داخل العراق”، لكنها تأتي في “مرحلة حساسة من تاريخ البلاد والمنطقة”، بعد أشهر شهدت مواجهات مباشرة بين إيران والكيان الإسرائيلي وتصعيداً واسعاً في سوريا ولبنان واليمن وقطاع غزة.
ويشير عياد إلى أن “الضغوط الأميركية على العراق تتزايد سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وأن الانتخابات تمثل اختباراً للنظام السياسي أمام هذه الضغوط”.
ويرجح أن “تلجأ واشنطن إلى أدوات جديدة بعد إعلان النتائج، قد تشمل العقوبات أو حتى الخيارات العسكرية المحدودة ضد بعض الفصائل العراقية”.
ويحذر عياد في النهاية من أن “الولايات المتحدة قد تسعى لفرض واقع جديد لإرباك التوازن الداخلي وإثارة الفوضى بعد الانتخابات، وبالتالي المرحلة المقبلة ستكون دقيقة وتتطلب من القوى العراقية قدراً كبيراً من الحكمة لتفادي الانزلاق نحو التصعيد”.
هذا ومن المقرر أن تجرى الانتخابات التشريعية في العراق يوم الثلاثاء المقبل (11 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري)، حيث يحق لنحو 30 مليون عراقي من أصل 46 مليون نسمة الإدلاء بأصواتهم لاختيار ممثليهم في مجلس النواب الجديد، غير أن نحو سبعة ملايين منهم سيُحرمون من المشاركة بسبب عدم امتلاكهم بطاقات انتخابية نتيجة عدم تحديث بياناتهم.