الوثيقة | مشاهدة الموضوع - هل تسعى تركيا لهيمنة إقليمية تمر عبر غزة؟
تغيير حجم الخط     

هل تسعى تركيا لهيمنة إقليمية تمر عبر غزة؟

مشاركة » الثلاثاء أكتوبر 28, 2025 4:37 pm

2.jpg
 
“نسيطر على أمننا، أوضحنا ذلك للقوى الدولية التي ستقرر إسرائيل أي الدول التي ستقبلها، وهكذا نعمل وهكذا سنواصل”، قال نتنياهو أول أمس. يبدو أنه تصريح قوي يدل على سلطة إسرائيل ومكانتها في تحديد تركيبة القوة متعددة الجنسيات التي ستدخل إلى قطاع غزة. وإذا لم تكن البلاغة كافية لإقناع المتشككين، سارع نتنياهو وأضاف: “هذا بالطبع متفق عليه أيضاً مع الولايات المتحدة، كما عبر عن ذلك ممثلو الإدارة الكبار في الفترة الأخيرة”.

نتنياهو قصد بالأساس أقوال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الذي قال الجمعة الماضي بأن “القوة الدولية يجب تأتي من دول تشعر إسرائيل بسهولة التعامل معها. المشكلة الأساسية في سلسلة هذه التصريحات هو التناقض المنطقي الذي يختفي فيها”.

كيف يتساوق نقل السيطرة في غزة إلى قوة دولية مع قول “نسيطر على أمننا”؟ يجب التذكر أن نتنياهو قال في نيسان بأن إسرائيل هي التي ستسيطر على غزة. وبلغة وزير الدفاع يسرائيل كاتس الأكثر طلاقة، “بعد أن تهزم إسرائيل قوة حماس العسكرية وحكمها في غزة، ستسيطر أمنياً على غزة مع حرية عمل كاملة، بالضبط كما هو الحال في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]”.

حتى الآن، ما زالت قضية القوة متعددة الجنسيات نظرية، ففي ظل غياب تفويض – سواء بالاتفاق أو حسب قرار مجلس الأمن – الذي ستحدد فيه أهداف القوة وصلاحياتها ومرجعيتها وأسلوب عملها، ليس هناك حتى الآن دولة واحدة مستعدة لإرسال جنود إلى قطاع غزة. ولكن خلال هذا النقاش النظري حول صلاحيات إسرائيل لغربلة الدول التي ستشكل القوة متعددة الجنسيات، اندلعت منافسة ساخنة بين إسرائيل وتركيا. يبدو أنها منافسة تتعلق بقطاع غزة فقط، لكنها تشمل أيضاً صراعاً استراتيجياً على الهيمنة في الشرق الأوسط.

في ظروف مختلفة، كان يمكن لتركيا وإسرائيل أن تكونا حليفتين تتشاركان مصالح مشتركة مثلما كان الأمر قبل 15 سنة تقريباً، قبل بدء زعيمي الدولتين بصب كل منهما غضبه على الآخر واستخدام قاموس شتائم بشكل متبادل. مثلاً، رغم العداء القاسي فإن تركيا وإسرائيل هما الصديقتان المقربتان من أذربيجان، فقد ساعدتا أذربيجان في حربها ضد أرمينيا، وتبيعان لها الكثير من السلاح، وتستثمر فيهما أذربيجان مليارات الدولارات وتبيعهما الغاز والنفط. بالمناسبة، لحسن “الحظ القانوني”، يتدفق نفط أذربيجان إلى إسرائيل عبر أنبوب يمر في تركيا، لأنه -حسب الاتفاق بين شركات النفط- فإن شركة كونسيرسيوم خط النفط والدول “المستضيفة” ترسل النفط في أنبوب لا يخضع لقوانين أو تعديلات أو وضع سياسي أو اتفاقات أخرى قد تمس بتطبيق الاتفاق.

تركيا، التي تصفها إسرائيل بـ “الشيطان الجديد” والتهديد الأخطر من إيران، مسؤولة بشكل كبير عن إسقاط نظام الأسد وإبعاد إيران وحزب الله من سوريا. بسبب ذلك، وجهت إيران انتقاداً شديداً لتركيا، وهي متهمة “بتنفيذ مؤامرة مشتركة مع الولايات المتحدة وإسرائيل ضد إيران”.

لكن التقاء المصالح هذا كما يدل عليه الخلاف الصعب حول غزة، يصعب على تأسيس “حلف جديد” بين إسرائيل وتركيا، لأن تركيا تحولت في العقد الأخير إلى دولة إقليمية عظمى، ونشرت أذرعها في كل زاوية في المنطقة، وهي تتنافس مع إسرائيل ليس فقط في الساحة السورية والساحة الفلسطينية، بل في كل أرجاء الشرق الأوسط وما بعده.

في إطار دبلوماسيتها العسكرية، فقد أنشأت عشرات القواعد العسكرية في ليبيا قطر والصومال والعراق، واحتلت مساحات واسعة في شمال سوريا، وأقامت قواعد تدريب لجيش سوريا الجديد. لها وجود عسكري في أذربيجان وجيبوتي، وعشرات من جنودها يخدمون في قوة اليونفيل في لبنان. ولكن هذا التدخل العسكري ليس سوى عنصر واحد في شبكة تأثيرها السياسي. في السنوات الثلاثة الأخيرة، نجحت تركيا في تحسين علاقتها المتضعضعة مع السعودية والإمارات ومصر، والانضمام كضيفة دائمة إلى المؤتمرات العربية الدولية (إضافة إلى عضويتها في منظمة الدول الإسلامية). ومنذ دخول ترامب إلى البيت الأبيض واستمرارية للعلاقات الودية القريبة التي تراكمت في ولايته الأولى رئيساً للولايات المتحدة، تعتبر تركيا من حفنة دول المنطقة التي توجه السياسة الأمريكية. وبسبب أن لدول الخليج أفضلية الثراء الذي يعطيها مكان قريب من أذن ترامب، فإن لتركيا ثروة سياسية، التي حولتها إلى ذخر استراتيجي ولاعبة متعددة الساحات.

في شبكة العلاقات المتناقضة التي تديرها تركيا بنجاح، قد تكون عضوة في الناتو ثم تشتري منظومات دفاع من روسيا من نوع “اس 400″، التي حولتها إلى تهديد على حلفائها، بل أوقعت عليها عقوبات أمريكية، مثل إبعادها عن مشروع طائرة إف 35. ولكن عندما اندلعت الحرب في أوكرانيا، كانت أنقرة هي التي لم تنضم إلى العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا. وتم استدعاؤها لصياغة اتفاق القمح بين روسيا وأوكرانيا، الذي حل أزمة القمح الدولية، التي أضرت بالأساس بدول الشرق الأوسط وإفريقيا. في الوقت نفسه، استمرت تركيا في بيع السلاح، خصوصاً المسيرات القتالية، لأوكرانيا، وهو ما غير مسار الحرب بشكل جوهري. وفي موازاة ذلك، واصلت الحفاظ على علاقات تجارية قوية مع روسيا، التي تشتري منها الغاز والنفط بمليارات الدولارات. وعرفت تركيا أيضاً كيفية استغلال عضويتها في الناتو لوقف ضم السويد وفنلندا للحلف، وإيقاف معارضتها مقابل مكاسب سياسية وعسكرية.

أما مع الاتحاد الأوروبي فقد شهدت علاقات تركيا ارتفاعاً وهبوطاً. سنوات من المفاوضات حول انضمامها للاتحاد الأوروبي انتهت بالإحباط والغضب من العقبات التي وضعها الاتحاد أمامها. المطالبة بتغيير الدستور وتوسيع الديمقراطية ومساواة حقوق الأكراد والإصلاحات الاقتصادية، كلها اعتبرت في تركيا، بدرجة لا بأس بها من الحق، غطاء لتبرير منع ويواصل منع اندماج تركيا في الاتحاد.

“تركيا لا تنتمي للاتحاد الأوروبي، بل لآسيا، وعلينا قول ذلك لها”، أعلن نيكولاي ساركوزي، الرئيس الفرنسي السابق والسجين السياسي الآن، في 2016، وهكذا فإنه عبر عن موقف الكثير من نظرائه الأوروبيين، الذين أصيبوا بالصدمة من مجرد فكرة ضم دولة إسلامية إلى الاتحاد. ولكن في السنة نفسها، اضطر الاتحاد الأوروبي إلى الاعتذار، ووقع مع تركيا على الاتفاق السياسي الذي أوقف تدفق اللاجئين السوريين الذين أغرقوا أوروبا. حصلت تركيا في إطار هذا الاتفاق على ستة مليارات دولار، وتعهد بتسهيلات في تأشيرات دخول مواطنيها وإعادة مناقشة انضمامها للاتحاد. لم يخرج الكثير من البنود الأخيرة، لكن الاتفاق أعطاها سوطاً سياسياً قوياً.

في 2019 هدد اردوغان بأنه إذا لم تؤيد أوروبا وأمريكا إقامة “منطقة آمنة” في سوريا، فسيفتح أبواب بلاده وسيرسل إلى أوروبا ملايين اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا. مبرر إقامة “المنطقة الآمنة” هو الحاجة إلى إعادة استيعاب لاجئين سوريين، وفعلياً إعطاء تركيا “اعتماداً” لاحتلال أراض في سوريا لمحاربة القوات الكردية. بعد تردد وتهديد، وافق الرئيس ترامب على السماح لتركيا ومليشياتها بإقامة “المنطقة الآمنة” التي أصبحت بسرعة “منطقة موت” وساحة للقتل الجماعي.

على خلفية خطط إعادة الإعمار والتطوير الضخمة التي تعرض على سكان غزة، فمن الممتع التذكير بأقوال اردوغان في حينه من أجل إقناع أمريكا بالموافقة على إقامة “المنطقة الآمنة”: “أقول إن علينا إقامة المنطقة الآمنة التي نحن، كتركيا، يمكننا بناء البيوت فيها بدلاً من مدن الخيام… امنحونا المساعدة اللوجستية وسنبني بيوتاً بعمق 20 – 30 كم في سوريا، وهكذا نوفر للاجئين ظروف حياة إنسانية”.

يبدو أن خطة اردوغان المدهشة هي النبع الذي شرب منه ترامب في خطة ريفييرا غزة. ما زالت تركيا “تقع” في شمال سوريا، ومع سقوط نظام الأسد، بمساعدتها الأساسية، هي الآن دولة الحماية في دولة ما زالت تدير فيها جبهة أمام إسرائيل، وهذه المرة عن طريق المفاوضات والترتيبات الأمنية.

إسرائيل التي تحاول إبعاد تركيا عن المشاركة في القوة الدولية في غزة، ترى في ذلك هدفاً أمنياً سيظهر “سيطرتنا على أمننا”، ودليلاً على “استقلالية القرار”. ولكن تركيا متورطة الآن بصورة عميقة في القطاع. إن نشاط منظمات المساعدة التركية مثل آي.اتش.اتش، الجمعية التي بادرت إلى أسطول مرمرة في 2010، وهي تعمل الآن على إخلاء الأنقاض من شوارع غزة، ليست سوى جزء رمزي.

واشنطن تعتبر تركيا صاحبة الفضل بأن حماس تبنت خطة العشرين نقطة، لذلك يحظى اردوغان بفضل كبير لدى ترامب. في قمة الدول المانحة التي تخطط مصر لعقدها في بداية تشرين الثاني، ستكون تركيا لاعبة مركزية، ليس لأنها وقطر، دولة ضامنة لـ “سلوك” حماس، التي تسيطر على نصف القطاع على الأقل، بل بسبب طبيعة علاقاتها مع مصر التي تحولت من علاقات عداء إلى شراكة تجارية.

لكن إضافة إلى ذلك، إذا قرر ترامب أن مشاركة تركيا أمر حيوي لتأسيس القوة متعددة الجنسيات في القطاع، حينئذ يمكن الافتراض أنه سيجد طريقة كي يشرح لإسرائيل حدود “صلاحياتها”، وربما عقد على الطريق أيضاً “اتفاق سلام” بين إسرائيل وتركيا.

هآرتس 28/10/2025
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات