دمشق ـ «القدس العربي»: للمرة الأولى منذ أكثر من سبعة أشهر، باتت أجواء التفاؤل هي الحالة المسيطرة على المفاوضات الجارية لتنفيذ اتفاق العاشر من آذار/مارس بين الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع و«قائد قوات سوريا الديمقراطية- قسد» مظلوم عبدي، وذلك بعد تجاوز عقدة ضم هذه القوات إلى صفوف الجيش السوري ككتلة وليس كأفراد، ليشكلوا أكثر من فرقة عسكرية وباختصاصات مختلفة تساعد في استقرار الأوضاع على مستوى عموم البلاد إن في مجال محاربة تنظيم الدولة الإرهابي «داعش» أو لتخفيف الاحتقان والتوتر وتهدئة الأوضاع في مناطق مثل الساحل السوري ومحافظة السويداء، على أن يتم دمج هذه القوات بطريقة مشابهة لما حصل حين تم الإعلان عن «حل جميع الفصائل العسكرية، والأجسام الثورية السياسية والمدنية، ودمجها في مؤسسات الدولة»، كما تضمن نص بيان إعلان انتصار الثورة السورية الصادر نهاية كانون الثاني/ديسمبر الماضي والذي تضمن أيضاً تولية القائد أحمد الشرع رئاسة البلاد في المرحلة الانتقالية وأن يقوم بمهام رئاسة الجمهورية العربية السورية.
الوساطة الأمريكية
حلحلة العقدة الكأداء المتمثلة بـ«دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز» كما تضمن اتفاق الشرع-عبدي، بدأت بعد زيارة وفد رفيع المستوى من قيادات «قسد» و«وحدات حماية الشعب- الأسايش» يتقدمهم مظلوم عبدي إلى دمشق، في السابع من الشهر الجاري، يصحبهم السفير الأمريكي في تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا توماس براك وقائد القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط «سينتكوم» براد كوبر.
ولم تعلن دمشق عن حصول لقاء بين الشرع وعبدي بحضور الوسطاء الأمريكيين، واكتفى الخبر الرسمي بالإشارة إلى اللقاء بين الشرع والوفد الأمريكي بحضور وزيري الخارجية أسعد الشيباني والدفاع مرهف أبو قصرة ورئيس جهاز الاستخبارات العامة حسين السلامة، لكن مصادر أكدت لـ«القدس العربي» حينها حصول اللقاء الأول من نوعه منذ العاشر من آذار/مارس الماضي.
الأجواء الإيجابية لنتيجة محادثات وفد شمال وشرق سوريا في دمشق تجلت بإعلان وزير الدفاع أبو قصرة وقف إطلاق النار لمعارك كانت تدور في محيط حيي الأشرفية والشيخ مقصود في حلب وفي منطقة دير حافر بالرقة، وإعلان أكثر من قيادي من شمال شرق سوريا موافقة دمشق على دمج «قسد» و«الأسايش» في وزارتي الدفاع والداخلية ككتلة وليس كأفراد، على أن تبحث التفاصيل الفنية لعملية الدمج لجان مختصة من الجانبين.
وفي أحدث تصريح له بعد لقاءاته في دمشق بداية الشهر، جدد عبدي الإثنين الماضي، التزامه «بمحاربة الإرهاب وتعزيز الأمن والاستقرار من أجل سوريا موحدة وآمنة»، ومبيناً أن قوات سوريا الديمقراطية «ملتزمون بمحاربة الإرهاب وتعزيز الأمن والاستقرار من أجل سوريا موحدة وآمنة لجميع أبنائها».
الدمج بفرق وألوية
تفاصيل عملية الدمج وآلياته ما زالت قيد البحث بين اللجان الفنية المختصة، لكن بنود الاتفاق المبدئي وما تبحثه اللجان خلال المفاوضات عادة ما يتم الإفصاح عن تفاصيلها عبر قيادات من شمال شرق سوريا، بينما تواصل دمشق الرسمية صمتها تجاه هذه المفاوضات وسط حملة إعلامية من نشطاء مؤيدين لها يحمّلون من خلالها الإدارة الذاتية مسؤولية عرقلة الاندماج وتهديد وحدة البلاد.
وفي هذا الخصوص أعلن قائد لواء الشمال الديمقراطي التابع لقوات سوريا الديمقراطية، أبو عمر الإدلبي، في تصريح لـ«شبكة رووداو الإعلامية» الكردية منتصف الشهر الجاري أن «قسد» ستكون ضمن تشكيلات الجيش السوري الجديد، على صعيد ثلاث فرق عسكرية وعدة ألوية مستقلة بينها لواء لوحدات حماية المرأة، مشيراً إلى أن هذه التفاصيل ما تزال ضمن جولات التفاوض التي ستعقد تباعاً، وأن اتفاق العاشر من آذار حدد جدولا زمنيا لتنفيذ بنوده حتى نهاية العام الحالي لكنه ليس موعدا مقدسا، بل يمكن أن يتم تعديل الجدول الزمني بما يحقق نتائج حقيقية، مبنية على توافقات صحيحة ودقيقة.
الدور التركي
التبدل في الموقف التركي والليونة الواضحة تجاه امكان التعاطي مع «قسد» التي أظهرتها أنقرة أخيراً، هي التي حركت المياه الساكنة، وفي تصريح سابق لـ«القدس العربي» تحدث نائب الرئاسة المشتركة لـ«مجلس سوريا الديمقراطية- مسد» علي رحمون عن مستوى التنسيق السوري التركي في معالجة ملف إعادة دمج مناطق شمال وشرق سوريا ضمن مؤسسات الدولة السورية، وقال معلقاً على الزيارة التي قام بها وزير الخارجية أسعد الشيباني برفقة وزير الدفاع مرهف أبو قصرة ورئيس جهاز الاستخبارات العامة حسين السلامة، بعد يوم واحد فقط من لقاء الشرع-عبدي في دمشق، إن تركيا تمتلك نفوذا كبيرا على الفصائل التي انضوت في الجيش السوري، والوفد السوري الرفيع توجه إليها ليطلب منها أن تدعم التفاهمات المتوقعة والمرتقبة بين «قسد» ودمشق عبر ممارسة نفوذها على الفصائل في شمال سوريا.
وحسب تقديره اعتبر رحمون أنه في رأس الهرم بدمشق يرون أن تفعيل اتفاق الشرع-عبدي، هو عامل محوري لتحقيق الاستقرار في سوريا وأصبح ضرورة باعتبار أنه سيشكل منعطفا على المسار السوري كله، والفشل في إنجاز الاتفاقية يعني الفشل في ثلاث مناطق هي الساحل والسويداء إضافة إلى الفشل في أبرز ملف، وهو المرتبط بشمال وشرق البلاد.
وشرح رحمون آلية الدمج المرتقبة وقال: إن الجيش السوري تم تشكيله بقرار من مؤتمر النصر لكن الفصائل حافظت على نفسها بمسميات أخرى كالفرقة 62 برئاسة محمد الجاسم (أبو عمشة) والفرقة 80 بقيادة أحمد الهايس الملقب بـ«أبو حاتم شقرا»، وحتى الأجانب تم ضمهم كفرقة، وبالتالي كيف يتم استيعاب فصائل مصنفة على قوائم الإرهاب، وتجري الموافقة على ضمها كما هي وتشكل لها فرقاً عسكرية ضمن الجيش على حين يتم الطلب من «قسد» التي هي قوة منظمة وأثبتت جدارتها ومصداقيتها في مواجهة الإرهاب وبدعم دولي، أن توافق على حلها لتنضم لاحقا إلى العمشات وغيرها بشكل افرادي؟
واعتبر رحمون أن المرونة والتقدم والمبادرة مطلوبة من السلطة العليا وليست من السلطة الأدنى، خصوصاً وأن المطالب لتقديم التنازلات من «قسد» تأتي بعد ما حصل في الساحل والسويداء، من خلال عملية تهدف إلى نزع الأوراق التفاوضية من يد الإدارة في شمال شرق سوريا للاستفراد لاحقا بنا.
محادثات الطبقة
وفي دليل جديد عن محاولات بات يقدم عليها الطرفان للتوصل إلى تفاهمات وحلول سياسية تحقن الدماء، استقبلت مدينة الطبقة بالقرب من سد الفرات في الـ22 من الشهر الجاري، وفداً عسكرياً وأمنياً قادماً من دمشق، وقال بيان صحافي صادر عن المركز الإعلامي لـ«قسد» إن لجنة عسكرية من قواتنا، استقبلت وفداً من حكومة دمشق في مدينة الطبقة، وجرى خلال الاجتماع، التباحث حول التوترات الحاصلة بمحيط أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب، وسبل معالجتها بالطرق السلمية بما يضمن أمن واستقرار الأهالي ويحول دون أي تصعيد ميداني.
واعتبرت المتحدثة باسم الوفد التفاوضي لشمال وشرق سوريا مريم إبراهيم زيارة الوفد العسكري من العاصمة السورية إلى مدينة الطبقة دليلا عمليا على المساعي الجادة لإنجاح المفاوضات، وقالت في تصريح لـ«القدس العربي» إن الطرفين يحاولان التوصل إلى تفاهمات وحلول سياسية بعيدة عن زعزعة الأمن والاستقرار وحقن الدماء، لكن هناك أياد تتلاعب بهذه المفاوضات ولا تريد أن يكون هناك حل سوري سوري ينهي الأزمة بشكل عام.
وقالت إن اللقاء ترك انعكاساً إيجابياً بين المدنيين وخصوصاً بعد قيام «قسد» وكبادرة حسن نية بالإفراج عن المعتقلين الذين كانوا قد هاجموا حيي الشيخ مقصود والأشرفية أخيراً، وهذا مؤشر على حصول تقدم بالمفاوضات وإن كان بطيئا جدا.
وعبرت إبراهيم عن استعداد الإدارة الذاتية والوفد التفاوضي لشمال وشرق سوريا لاستكمال المفاوضات وهي جاهزة لتلبية أي دعوة، موضحة أن التفاوض بدأ عبر الملف العسكري والأمني رغم أنه الأصعب والأعقد كبادرة حسن نية من قبلنا، أما فيما يتعلق وعودة مؤسسات الدولة للعمل في شمال شرق سوريا إضافة إلى التفاوض على تقاسم النفط والغاز فإنه لا جديد تجاه هذه الملفات لأن التفاوض حولها لم يبدأ بعد وقد نستطيع الحديث عن تفاصيل المفاوضات حين تجري خلال الأيام المقبلة.
ديمقراطية لا مركزية
وعادت إبراهيم وكررت مواقف الإدارة الذاتية ورؤيتها تجاه مستقبل العلاقة مع دمشق، مشيرة إلى أنها واضحة فنحن نقول إنه وخلال الثورة السورية التي امتدت لـ14 عاماً، ظلت مطالب الشعب في مناطق شمال وشرق سوريا كمطالب جميع السوريين الذين شاركوا في الثورة، ويمكن اختصارها في إزالة فكر حزب البعث الذي قام على الظلم والاستبداد وأن يكون الحل البديل في حكم ديمقراطي لا مركزي، معتبرة أن هذا ليس فقط مطلبنا وإنما هو طموح وآمال كافة السوريين.
وتابعت نريد أن يكون هذا الشكل السياسي والإداري محفوظاً في دستور البلاد ومجسداً في البرلمان الجديد، وأن يعيش السوريون في بيئة مختلفة ومعاكسة لتلك التي عاشوها في عهد النظام السابق.
طريق الطبقة-إثريا
المفاوضات بين دمشق و«قسد» ليست موضع ترحيب من الجميع، والقوى المتضررة تمرر سياساتها على الأرض عبر ضغوط تمارسها من قبيل قطع الطريق الواصل بين مناطق شمال شرق سوريا التي تسيطر عليها «قسد» ومناطق الحكومة السورية وصولا إلى دمشق.
والأربعاء وبعد يومين فقط من فتح الطريق عادت قوات محسوبة على الحكومة السورية بإغلاق الطريق بسواتر ترابية، وانتشرت صور ومقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي والصفحات الإخبارية تؤكد قطع الطريق ما خلق أزمة كبيرة وتجمع أعداد كبيرة من السيارات الخاصة والعامة خلف الحاجز على الطريق الدولي.
حالات إنسانية
الشيخ فرج حمود الفرج السلامة، أحد شيوخ قبيلة البوشعبان، وأبرز قيادات الفصائل الثورية في مدينة الرقة أوضح لـ«القدس العربي» أن الطريق الواصل بين الطبقة وإثريا مغلق من الطرفين كفعل ورد الفعل، ولكن المتضررين هم المواطنون من مرضى السرطان وغيرهم ممن يقصد العاصمة دمشق بهدف العلاج باعتبار أن لا مشافي مختصة بالسرطان في مناطق سيطرة «قسد» إضافة إلى طلاب الجامعات السورية.
واعتبر السلامة أن ما يحصل هو تضييق على المواطنين حتى من قبل حواجز الحكومة السورية، لكن يبدو أنهم قد رضخوا لإرادة المواطنين وتم إعادة فتح الطريق منذ يومين قبل إغلاقه ثانية، بهدف ممارسة الضغوط على «قسد».
وبين السلامة أن القوات التابعة للحكومة السورية قامت قبل أسبوعين تقريباً بوضع سواتر ترابية وأغلقت الطريق الدولي، وكذلك فعلت في الطرق المؤدية إلى حيي الشيخ مقصود والأشرفية بحلب، مشيراً إلى أن إغلاق الطريق يترك آثاره السلبية على حركة طلاب الجامعات وأصحاب الأمراض المزمنة، وأهالي الرقة يتساءلون عن الذنب الذي اقترفوه ليعاقبوا هكذا وهل نتركهم للموت من دون أي مراعاة لحالاتهم الإنسانية؟
خلافات بينية
وتطرق السلامة في تصريحه إلى الوفد العسكري الذي زار مدينة الطبقة الإثنين، وقال إن وفدا وصل إلى سد الفرات في مدينة الطبقة لكن ما حصل لا يمكن اعتباره بادرة حسن نية لاستمرار المفاوضات ونجاحها على اعتبار أن «قسد» إلى اليوم لم تلتزم بالاتفاق الذي تم توقيعه بين الشرع وعبدي في العاشر من آذار/مارس.
وأضاف: نتمنى منهم الالتزام لكني مقتنع بأنهم ليسوا بصادقين وما زالوا على ذات السياسة في عدم الصدق، ويبدو أننا في النهاية نتجه نحو الحرب، وإن قاموا بخطوة بسيطة لكنهم لن يستمروا بها بسبب الخلافات والانقسامات الداخلية فيما بينهم والتي تدل عليها تصريحات مظلوم عبدي المختلفة عن تصريحات (الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية) إلهام أحمد، وعن تصريحات (عضو الهيئة الرئاسية لحزب الاتحاد الديمقراطي) فوزة يوسف، وهذه الخلافات البينية ضمن صفوفهم ستجر المنطقة إلى الحرب.