الوثيقة | مشاهدة الموضوع - هدر الملايين باسم المناخ.. مشاريع الفاو تفشل بإنقاذ الأهوار والمزارعين يواجهون الجفاف والهجرة
تغيير حجم الخط     

هدر الملايين باسم المناخ.. مشاريع الفاو تفشل بإنقاذ الأهوار والمزارعين يواجهون الجفاف والهجرة

مشاركة » الاثنين أكتوبر 20, 2025 10:50 am

6.jpg
 
بغداد/ تبارك عبد المجيد
في ظل التحديات المناخية المتصاعدة التي تهدد الأمنين المائي والغذائي في العراق، أُطلق مؤخرًا مشروع «تعزيز مرونة سبل العيش الزراعية للمجتمعات الريفية الأكثر هشاشة للتغيرات المناخية»، بتمويل من صندوق المناخ الأخضر وتنفيذ منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، مستهدفًا محافظات النجف وكربلاء والمثنى.
ويهدف المشروع، بحسب القائمين عليه، إلى تحسين أوضاع المجتمعات الزراعية الريفية في المناطق التي تواجه آثارًا متزايدة بسبب الجفاف وارتفاع درجات الحرارة وتراجع الموارد المائية، من خلال تطبيق تقنيات حديثة في إدارة المياه والزراعة المستدامة.
لكن على الرغم من هذه الجهود، يبقى جدل واسع حول فعالية الدعم المقدم للسكان المتضررين، حيث يشير مراقبون إلى أن المنح الدولية غالبًا لا تصل إلى المستفيدين الحقيقيين، وأنها تتحول في كثير من الحالات إلى مصدر أرباح للمنظمات والجهاز الحكومي المحلي، بينما يواصل أهالي الأهوار معاناتهم من انقطاع المياه وتجفيف الأراضي، مما يدفع البعض للهجرة بحثًا عن أسباب للبقاء.
هدر مالي!
قال الناشط البيئي من محافظة النجف، محسن عباس، إن مشروع «تعزيز مرونة سبل العيش الزراعية للمجتمعات الريفية الأكثر هشاشة للتغيرات المناخية»، الممول من صندوق المناخ الأخضر والمنفذ من قبل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) في العراق، يُعد خطوة مهمة نحو دعم المجتمعات الزراعية التي تواجه آثار التغير المناخي بشكل مباشر، خصوصًا في محافظات النجف وكربلاء والمثنى.
وأضاف عباس أن المشروع يركز على المناطق الأكثر تضررًا من الجفاف وشح المياه، بهدف تحسين سبل العيش وتعزيز الأمن المائي والزراعي من خلال سلسلة من الدراسات الميدانية التي تنفذها فرق فنية متخصصة تابعة للمنظمة.
وأوضح أن المشروع في محافظة المثنى يتضمن تنفيذ أربعة مشاريع أساسية، أبرزها مدّ أنابيب مائية لتوفير المياه للمناطق التي تعاني من نقص حاد، سواء في مياه الشرب أو مياه الزراعة، إلى جانب تبطين المبازل للحد من هدر المياه وتحسين إدارة الموارد المائية.
وبيّن أن هذه الإجراءات تأتي استجابة للتحديات المائية الكبيرة التي يواجهها العراق، خاصة مع تفاقم ظاهرة شحّ المياه وارتفاع نسب التبخر نتيجة تغير المناخ. وأشار إلى أن مدّ الأنابيب سيقلل من التبخر ويزيد من كفاءة استخدام المياه، كما سيسهم في الحدّ من التجاوزات الزراعية على مجاري الأنهار ويضمن وصول الحصص المائية إلى المناطق الأشد حاجة.
وفي سياق حديثه، لفت عباس إلى أن الهدر المالي في ملف مشاريع المياه يمثل أحد أكبر العوائق أمام تحقيق نتائج حقيقية، قائلاً: «المشكلة لا تكمن في قلة التمويل، بل في طريقة الإنفاق والإدارة. هناك مشاريع تم رصد مبالغ ضخمة لها في السابق لكنها لم تُستكمل أو لم تحقق أهدافها بسبب ضعف المتابعة والرقابة. كثير من الأعمال تبدأ بحماس، ثم تتعطل لأسباب مالية أو إدارية، والنتيجة أن المزارع لا يرى أي تحسن في واقعه المائي».
وأكد أن المشروع الجديد سيكون تحت رقابة مديريات الموارد المائية في المحافظات المستهدفة، مع تشكيل جمعيات محلية لإدارة المياه تضمن الاستمرارية والشفافية.
وتابع عباس حديثه بالقول: «نرحب بأي مشروع يهدف لخدمة المزارعين ودعم المناطق المتأثرة بالجفاف، لكن الأهم هو أن تُنفذ المشاريع بصدق وكفاءة، وأن تُحاط بالرقابة والمحاسبة. فالهدر المالي لا يقل خطورة عن شحّ المياه، لأن الاثنين يهددان حياة الريف العراقي ويقوضان فرص التنمية المستدامة».
وفي حديث لمدير بيئة النجف، جمال عبد زيد، مع (المدى)، أوضح أن «البرنامج الجديد الذي أُطلق بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) لا يزال في بداياته»، مشيرًا إلى أن المنسقين الرئيسيين يتبعون مقر الوزارة، وأن ملامح المشروع لم تتضح بشكل كامل بعد، وأن التفاصيل الفنية والإدارية ما زالت قيد التبلور.
وبيّن عبد زيد أن أبرز ما يتضمنه البرنامج هو تنشيط ودعم الجمعيات الفلاحية والنوادي الزراعية، بهدف المساهمة غير المباشرة في الحدّ من تأثيرات التغيرات المناخية، لاسيما في المناطق الريفية والمناطق الأكثر تضررًا. وأضاف أن المشروع يسعى إلى دعم المبادرات المحلية عبر الصناعات الصغيرة وتطوير أساليب الزراعة، من خلال تقنين استخدام المياه وزيادة الإنتاج باستخدام تقنيات حديثة.
وأشار إلى أن التعاون مع منظمة الفاو ليس جديدًا، إذ سبق أن نُفذت مشاريع مشتركة في مجالات مختلفة، منها المكننة الزراعية وزراعة الشلب.
غياب الدعم الحقيقي!
وعلّق الخبير البيئي مرتضى الجنوبي على هذه الإجراءات بالقول إن الدعم المقدم للأهوار العراقية من قبل المنظمات الدولية لا يصل بشكل فعّال إلى السكان المتضررين، بل يتحول في كثير من الأحيان إلى مصدر أرباح للمنظمات نفسها والجهاز الحكومي المحلي.
وأضاف الجنوبي في حديثه لـ(المدى)، أن «في عام 2021، قدمت منظمة الفاو دعمًا لمربي الجاموس بقيمة 21 مليون دولار، موزعة على محافظات مثل العمارة بـ7 ملايين دولار والبصرة بالقيمة ذاتها. لكن عندما زرت مناطق عدة، حوالي عشرين قرية، وجدت أن الدعم لا يصل إلى السكان كما ينبغي. فالوزارة المعنية تختار نماذج محددة لتسلّم المعونات، وغالبًا ما تكون قيمتها لا تتجاوز 10 ملايين دينار عراقي لكل شخص. على سبيل المثال، في منطقة المشرح، تم توزيع كمية من الأعلاف بقيمة مماثلة، بينما تكلفة المشاريع تصل لملايين الدولارات».
وأشار الجنوبي إلى أن هذه المنح لا تهدف إلى دعم السكان للبقاء في مناطقهم أو تحسين معيشتهم، بل اقتصرت على ورش عمل ومساعدات بسيطة، «فالمشاريع الكبيرة لا تصل للسكان، ولا توجد جهات مانحة تتعامل بعدالة مع المتضررين. المنظمات الناشطة، والحكومات المحلية، ووزارات البيئة والزراعة، كلهم يمررون هذه المعونات دون أن تصل للمعنيين الحقيقيين».
وتابع: «المناطق تعاني منذ أشهر من انقطاع المياه، والأهوار تجفّ شيئًا فشيئًا. السكان يهاجرون بحثًا عن أسباب للبقاء، لكن لا يوجد أي دعم حقيقي سواء من المنظمات أو الحكومة. هذه المنح تمر بالمحاكمة المحلية، ومن ثم تتجه الحكومة المحلية لتوزيعها، وغالبًا ما تكون عملية التوزيع على حساب الحقيقة واحتياجات الناس، ويستفيد منها المقربون من الحكومة أكثر من السكان المتضررين».
وأضاف الجنوبي بالقول إن الوضع الحالي مؤسف: «تحولت معاناة الناس إلى أرباح للمنظمات البيئية والجهاز الحكومي، بينما المتضررون الحقيقيون لا يجدون دعمًا حقيقيًا للبقاء في أرضهم».
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات