بغداد / تميم الحسن
يُقدَّر أن النواب تقاضوا أكثر من 122 مليار دينار في هذه الدورة الحالية ـ أجور ورواتب وخدمات ـ "بلا عمل" بسبب توقف الجلسات.
وأخفق البرلمان في الدورة الخامسة في عقد أكثر من 100 جلسة، من بينها 12 جلسة فقط خلال الـ 11 شهرًا الأخيرة.
وبحسب هذا الأداء الضعيف، فمن المرجَّح أن يكون شهر أيلول الحالي آخر أيام ولاية البرلمان، الذي يُفترض أن يمتد عمله إلى مطلع 2026.
يوم الثلاثاء الماضي، أخفق البرلمان للمرة الثانية في الأسبوع نفسه في عقد جلسته بسبب عدم اكتمال النصاب.
يقول ياسر الحسيني، النائب المستقل، لـ"المدى": "خلافات سياسية حول قوانين مهمة أدت إلى التعطيل"، من بينها قانون يتعلق بالاستثمارات السعودية في العراق.
ويؤكد الحسيني أن "أغلب النواب منشغلون بالترتيب للانتخابات" التي يُفترض أن تُجرى في 11 تشرين الثاني المقبل.
وصف بيان صادر عن اجتماع رئاسي في البرلمان يوم الثلاثاء الماضي حضور النواب للجلسات بأنه "واجب وطني لا يقبل التأجيل"، وذلك عقب فشل الجلستين الأخيرتين.
وأكد البيان، بعد اجتماع رئيس البرلمان محمود المشهداني ونائبيه محسن المندلاوي وشاخوان عبد الله، "أهمية حضور رؤساء الكتل النيابية والسيدات والسادة النواب للجلسات المقبلة والمشاركة الفاعلة في التصويت على القوانين الحيوية".
وكان البرلمان قد نشر مطلع الأسبوع الحالي جدول أعمال جلستي الاثنين والثلاثاء الماضيين، وتضمّن جملة من القوانين التي وُصفت بالمهمة.
وعبّر نائب رئيس المجلس شاخوان عبد الله في كلمة مصوّرة عن أسفه لعدم اكتمال النصاب القانوني لعقد جلسة مجلس النواب يوم الثلاثاء الماضي، رغم وجود قوانين وتشريعات مهمة على جدول الأعمال.
وأضاف أن الحضور لم يتجاوز 50 نائبًا، رغم أن الموقعين على قائمة الحضور يبلغ عددهم 130 نائبًا، مبينًا أن هذا الأمر غير مقبول، كون العديد من النواب يأتون من خارج بغداد لحضور الجلسات.
رواتب كاملة بلا قطع!
فرض البرلمان في آب الماضي غرامات على النواب الذين يتغيبون عن الجلسات، حيث يُخصم مليون دينار من راتب كل نائب غائب عن الجلسة الواحدة، ويتراوح عدد الغائبين بين 100 و150 نائبًا في كل جلسة.
لكن يبدو أن النواب وجدوا مخرجًا لهذه العقوبة، حيث باتوا يجلسون في "كافتيريا البرلمان" دون دخول الجلسات، وبذلك يتجنبون قطع الراتب.
يقول محمد الزيادي، نائب عن كتلة "منتصرون" التابعة لزعيم "كتائب سيد الشهداء" أبو آلاء الولائي، لـ"المدى": "نحن لسنا طلاب مدرسة.. البرلماني يمكن أن يعبر عن رأيه بالمقاطعة وعدم دخول الجلسات، لكن المهم أن يحضر للبرلمان".
في مرات سابقة، تردد المشهداني، وهو آخر رئيس برلمان، في قطع رواتب النواب المتغيبين، رغم أنه قال في آذار 2025 إنه يبحث عن "فتوى من مرجعية النجف" بشأن حضور النواب للجلسات، ووصف الدورة الحالية بأنها "الأسوأ".
ويعتقد نواب مثل ياسر الحسيني أن "فصل النائب المتغيب"، وليس الاكتفاء بقطع راتبه، سيمنع البقية من التغيب، مبينًا أن "دستوريًا يُفترض أن تنتهي ولاية البرلمان في 8 كانون الثاني 2026".
وتتكون الدورة البرلمانية من 4 سنوات تشريعية، كل سنة تنقسم إلى فصلين اثنين تمددان لـ 8 أشهر، مقابل عطلة 4 أشهر.
وقد تعطّل هذا البرلمان 3 أشهر بعد انتهاء الانتخابات، وصار له رئيسان بعد إبعاد الرئيس السابق محمد الحلبوسي نهاية 2023.
حتى الآن، لم يستطع البرلمان الحالي ـ منذ أول جلسة في 9 كانون الثاني 2022 ـ عقد سوى 149 جلسة من أصل نحو 265 جلسة.
وهذا يعني أن البرلمان لم يعمل 14 شهرًا، لكنه بالمقابل حصل خلال تلك الفترة على رواتب ونفقات كاملة بأكثر من "122 مليارًا و500 مليون دينار".
وبحسب بعض التقارير، فإن النائب الواحد يتقاضى راتبًا شهريًا مقداره 8 ملايين دينار، بالإضافة إلى 16 مليونًا كمخصصات حماية، و3 ملايين بدل إيجار للنواب غير المقيمين في بغداد، ليصل إجمالي ما يتقاضاه النائب الواحد شهريًا إلى 27 مليون دينار.
وتصل الكلفة السنوية الإجمالية للرواتب والمخصصات لجميع النواب البالغ عددهم 329 نائبًا إلى أكثر من 426 مليار دينار.
"وقت السبات"
يقول غالب الدعمي، باحث في الشأن السياسي، إن "البرلمان الآن دخل مرحلة السبات الشتوي".
ويضيف الدعمي لـ"المدى": "أغلب النواب مرشحون ومنشغلون بالدعاية الانتخابية في المحافظات"، متوقعًا أن يكون شهر أيلول الحالي "آخر أيام البرلمان".
ويظهر أسوأ أداء للجلسات في هذه الدورة في فترة رئيسه الحالي المشهداني، حيث لم يستطع عقد سوى 12 جلسة في 11 شهرًا، بمعدل "جلسة واحدة" لكل شهر بدلًا من 8 جلسات.
من جهته، يقول زياد العرار، أكاديمي وباحث، إن "الخلافات السياسية بين قادة الكتل من كل الأطراف أوصلت العمل البرلماني إلى حالة الانغلاق تقريبًا".
وأضاف لـ"المدى": "هناك خلافات واضحة بين الرئيس المشهداني ونائبه المندلاوي، وبين القوى السنية، وعدم ثقة بين زعماء المشهد السياسي".
وأشار العرار إلى أن رؤساء الكتل في البرلمان بسبب تلك الخلافات "زعلانين واحد على الآخر ولا يحضرون الجلسات".
ويجد الباحث أن أصل الخلاف كان يوم اختيار المشهداني (نهاية تشرين الأول 2024)، بسبب وجود اعتراضات على توليه المنصب، وانتخابه كان بمثابة "رد جميل" على مواقف سابقة لرئيس البرلمان مع بعض الأطراف السياسية.