باريس- “القدس العربي”:
تحت عنوان “نتنياهو وخامنئي يلعبان (البوكر) بالحرب”، قالت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية إن التصعيدات الأخيرة، المفاجئة والدامية، في الشرق الأوسط كشفت عن الاستراتيجيات الشخصية لكل من رئيس الوزراء الإسرائيلي والمرشد الأعلى الإيراني لترسيخ سلطتهما ومصداقيتهما داخل بلديهما.
الصحيفة الفرنسية أضافت القول إنه في يوم السّابع من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2024، وعلى بعد ألفي كيلومتر بينهما، توصّل زعيمان مسنّان ومحاصران إلى نفس الاستنتاج: فوز دونالد ترامب غير المتوقع بالانتخابات الرئاسية الأمريكية قد يكون فرصة لحل العديد من المشكلات الداخلية.
بالنسبة لبنيامين نتنياهو – الذي يواجه حدود ائتلافه الهش، ويُحاصر بموجة متصاعدة من الاحتجاجات، ومهدد بمحاكمة فساد، ويخشى أن يُدوَّن في كتب التاريخ كالمسؤول عن أكبر فشل أمني في تاريخ الدولة العبرية – فإنّ عودة صديقه القديم إلى البيت الأبيض قد تتيح له إخراج خطة طموحة من الأدراج؛ تلك الخطة التي رفضها كل الرؤساء الأمريكيين منذ أكثر من عشرين عاماً: القضاء بالقوة على الطموحات النووية للإيرانيين.
في 7 تشرين الثاني عام 2024، وعلى بعد ألفي كيلومتر بينهما، توصّل زعيمان مسنّان ومحاصران إلى نفس الاستنتاج: فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية قد يكون فرصة لحل العديد من المشكلات الداخلية
أما علي خامنئي، المرشد الأعلى لإيران، فيدرك أن الطابع غير المتوقع والخارج عن المألوف لدونالد ترامب قد يدفعه لإبرام صفقة نووية جديدة، رغم أنه (ترامب) هو نفسه من قام بتمزيق الاتفاق السابق الموقع في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عام 2018.
لكنّ الوضع تغيّر – توضّح “ليبراسيون”- حيث إن الإيرانيين استفادوا من السنوات الماضية لتطوير برنامجهم النووي، مما أعاد إليهم ورقة ضغط مهمة، رغم أن أوضاعهم على الجبهات الأخرى أصعب من أي وقت مضى. فبعد أن واجه انتفاضة شعبية كبرى – ربما الأكثر رمزية منذ قيام النظام – اضطر خامنئي إلى التعامل مع الاغتيالات الممنهجة التي طالت قادة مقربين منه على يد إسرائيل، في مقدمتهم ابنه الروحي، حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني.
أما الاقتصاد الإيراني فهو في أسوأ حالاته، ويبدو أن رفع العقوبات هو المخرج الوحيد، تضيف الصحيفة الفرنسية، مُعتبرةً أن خامنئي يعرف أنه أمام ترامب، المعروف بقربه من إسرائيل، لا بد من إبرام صفقة أو دفع الثمن. والمهم هو أن يمتلك أوراق تهديد كافية لتحويل الصفقة لصالحه.
فنّ اللّعب على الحبلين
وتابعت “ليبراسيون” مُذكِّرَةً أن بنيامين نتنياهو أعطى، في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أوامره لرئيس أركانه بإعادة تفعيل خطة الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، بحسب ما كشف عنه في أحد خطاباته المتلفزة. وبعد ذلك بنحو ثلاثة أسابيع (يوم الخامس من ديسمبر/كانون الأول الماضي) أمر خامنئي، بحسب تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتسريع إنتاج اليورانيوم المخصّب بنسبة %60، وهي نسبة تتجاوز أي استخدام مدني منطقي.
ورأت “ليبراسيون” أن الهدف الأول بالنسبة لإيران هو دخول مفاوضات مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، “ملك الصفقات”، وهي تملك أوراقاً قوية لتؤثر على النتائج. وقد تحقق هذا الهدف فعلاً، إذ أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنه بحلول 12 يونيو/حزيران الجاري، كانت طهران قد أنتجت كمية من اليورانيوم المخصّب تكفي لصنع أكثر من تسع قنابل نووية.
أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنه بحلول 12 يونيو/حزيران الجاري، كانت طهران قد أنتجت كمية من اليورانيوم المخصّب تكفي لصنع أكثر من تسع قنابل نووية
فخامنئي، الذي لا يريد أن يُعامل كما عومل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، كان واثقاً من أن ترامب قد يُغرى بعرض يجمع بين التهديد النووي من جهة وحقول الغاز والنفط الرخيصة من جهة أخرى – سياسة العصا والجزرة، تقول “ليبراسيون”، مُعتبرةً أن فنّ اللعب على الحبلين هذا، مكّن النظام الإيراني من الاستمرار طوال 45 عاماً، ونشر سياساته عبر حلفائه في كامل الشرق الأوسط، والحفاظ على مكانته كقوة إقليمية كبرى، رغم الحروب والانتفاضات والعقوبات الدولية المتزايدة.
أما بالنسبة لنتنياهو فلا مجال لقبول صفقة أمريكية – إيرانية، تتابع “ليبراسيون”، مُشيرةً إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي تعرض لوعكة خلال استجوابه في محاكمته بتهم الفساد يوم الجمعة 13 يونيو/حزيران الجاري، وائتلافه مهدّد بالانهيار في الكنيست. كما أن العلميات غير الشرعية التي تنفذها حكومته في غزة والضفة الغربية تلقى معارضة في الرأي العام الإسرائيلي، وينظر إليها على أنها إبادة جماعية من قبل الرأي العام العالمي.
ومضت “ليبراسيون” قائلةً إن نتنياهو رأى في قصف إيران حلاً سحرياً لجميع مشاكله دفعة واحدة، وذلك قبل 48 ساعة فقط من انطلاق الجولة السادسة من محادثات عمان بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، التي كان من المفترض أنا تعقد هذا الأحد وتم إلغاؤها لاحقاً.
فبعد الهجوم على إيران، لن تجرؤ أحزاب اليمين المتطرف الإسرائيلي على مغادرة الائتلاف الحكومي. وقد تفتح الحرب الجديدة الباب أمام مشاركة اليمين المعتدل، ما يمنح نتنياهو هامش مناورة سياسيا أوسع بكثير، تقول الصحيفة الفرنسية، مضيفةً أن الأهم هو أن الحرب مع إيران قد تنشر فوق أوروبا والغرب كله شبح أزمة طاقة عالمية، وموجات لاجئين جديدة، وانهيارات في الأسواق، وحصار بحري، وعدم استقرار سياسي في دول عربية حليفة، وحتى احتمال وقوع حوادث نووية.. وهي جملة أسباب جيوسياسية كافية لتخفيف الضغط عن غزة.
إظهار القوة
واعتبرت “ليبراسيون” أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان بوسعه أن يمنع اندلاع هذه الحرب ليلة الجمعة- السبت، لكنّه لم يفعل، وهنا يكمن سبب عدم فهم الإيرانيين لما حدث! إذ كانوا يعتقدون أنّهم في مأمن، في الوقت الذي كانوا يستعدون فيه لجولة تفاوض حاسمة في سلطنة عمان. وكانوا واثقين من أن ترامب، المتحمّس لعقد “صفقة القرن”، سيكبح جماح نتنياهو، الذي بات يسبّب حرجاً لحلفائه الغربيين بسياساته المتطرفة في غزة.
النّظام الإيراني، شأنه شأن إسرائيل، قد يعتبر الآن أنه يخوض معركة وجودية. وعليه أن يُظهر قوته، لشعبه وللمنطقة بأكملها
لكن خيارات النظام الإيراني تبدو أكثر تنوعاً مما يتخيله نتنياهو، تقول “ليبراسيون”، موضّحةً أن النّظام الإيراني، شأنه شأن إسرائيل، قد يعتبر الآن أنه يخوض معركة وجودية. وعليه أن يُظهر قوته، لشعبه وللمنطقة بأكملها. وقد تميل طهران إلى استهداف قواعد أمريكية في المنطقة ما قد يدفع الرئيس الأمريكي إلى تفضيل صفقة تتضمن وقف الغارات الإسرائيلية. كما تحتفظ إيران بقدرات تخريبية في العراق عبر ميليشيات شيعية، وكذلك في سوريا، حيث لم يترسخ النظام الجديد بعد.
وهنا، أشارت “ليبراسيون” إلى أن دونالد ترامب لوّح – كعادته، بعبارة غامضة يمكن تفسيرها في كل الاتجاهات – إلى أن أيّ تصعيد من هذا النوع سيستدعي مشاركة أمريكية كبرى في النزاع. لذا، قد تفضل إيران خيارات أخرى لا تقل خطورة، مثل محاولة إيقاف تصدير النفط من المنطقة بالقوة.
واعتبرت “ليبراسيون” أن مثل هذه الخطوات قد تؤدي إلى اندلاع نزاع إقليمي يهدد فعلاً السلم العالمي. لكن بالنسبة للاعبين على الطاولة، نتنياهو وخامنئي، فالأمر يتعلق ليس فقط بالأمن القومي، بل أيضاً بالبقاء الشخصي. فكلاهما بحاجة إلى حالة الحرب الدائمة للبقاء في السلطة. ولن يغادرا الطاولة الآن.