وصل نتنياهو إلى البيت الأبيض مرتدياً بدلة وربطة عنق، ولم تمر هناك سلسلة الإهانات التي تلقاها زيلينسكي قبل بضعة أسابيع. ولكن ما شاهده رئيس الحكومة في واشنطن، لا يبدو بعيداً في جوهره عن المعاملة التي حصل عليها ضيف ترامب؛ لنقل نصف زيلينسكي. هذا في النهاية هو القاسم المشترك لكل زيارة إلى واشنطن: العرض عرض لترامب؛ فهو كاتب السيناريو والمخرج والممثل الرئيسي، أما الضيوف فهم على أبعد تقدير لاعبون ثانويون.
قبل شهرين، فرح المعجبون بنتنياهو بزيارته السابقة لدى ترامب. لم يبخل الرئيس بتقديم لفتة ودية لضيفه وبالغ في الإبحار على أجنحة خياله بخطة لإخلاء قطاع غزة “بشكل طوعي” من سكانه، للسماح بأن يصبح القطاع ريفيرا عقارية جذابة. في لقاء أول أمس، لم يكن هناك أي أثر للخطة باستثناء تصميم نتنياهو على طرحه للحظة. يبدو أن ترامب في مكان آخر؛ فهو منشغل بسياسته الجديدة المتعلقة بتعرفة الجمارك الجديدة التي تسبب قلقاً اقتصادياً هائلاً في أرجاء العالم. ولكن حتى مع المواقف التي عبر عنها الرئيس بشأن التطورات في الشرق الأوسط، لم يشعر رئيس الوزراء بالرضا.
استدعي نتنياهو إلى الولايات المتحدة في اللحظة الأخيرة أثناء زيارته إلى هنغاريا. مشكوك فيه إذا كان اللقاء مع ترامب قد أعد وفق المطلوب. قبل اللقاء، نشرت أبواقه التنبؤات: الرئيس سيعفي إسرائيل من رسوم الجمارك، أو على الأقل سيخفض نسبة الجمارك المفروضة عليها. وهناك من اعتقدوا أنه سيدعم نتنياهو في الصراع المشترك بينهما ضد الدولة العميقة المتخيلة في دولتيهما، أو سيعود إلى تهديد إيران. لم يحدث شيء من ذلك.
باختصار، هاكم البشرى التي قالها ترامب للصحافيين (من يعرف ما الذي قيل أيضاً في اللقاء المغلق). الرئيس أعلن، بحضور نتنياهو، عن استئناف المحادثات النووية مع إيران. وقد أكثر من مدح صديقه رئيس تركيا رجب طيب أردوغان، الذي هو في توتر متزايد مع إسرائيل إزاء نشاطات الدولتين العسكرية في سوريا. وقد عبر عن أمله في انتهاء الحرب في غزة قريباً، وأكد على ضائقة المخطوفين الشديدة. رفض إمكانية إعطاء تسهيلات جمركية لإسرائيل، بل وذكر بأن إسرائيل تحصل على مساعدات أمنية أمريكية بمبلغ 7 مليارات دولار سنوياً. عملياً، بالمناسبة، الرقم هو 3.8 مليار دولار، وسينتهي الاتفاق في 2028. هل هناك أحد مقتنع بأن هذه الأموال ستواصل التدفق بعد ذلك، مع الأخذ في الحسبان مواقف ترامب في قضية المساعدات الخارجية؟
لقد استُدعي نتنياهو إلى واشنطن على عجالة لتوفير زينة لتصريحات الرئيس حول سياسة الجمارك والموافقة بالصمت على بيان ترامب بشأن العودة إلى مسار المفاوضات المباشرة مع إيران. هذه الأمور مناقضة لمقاربة رئيس الحكومة القائلة بأن الضغط العسكري سينتزع تنازلات من طهران. حتى الآن، ما زال هناك خطر في أن يتبنى ترامب لاحقاً اتفاقاً معيباً مع إيران وعرضه كصفقة قرن جديدة. هذا ما حدث تقريباً في قضية كوريا الشمالية في ولايته الأولى. فترامب بدأ بتهديد مباشر بهجوم عسكري وانتهى وهو عاشق للديكتاتور، وتوقف عن التحدث عن خطر بيونغ يانغ النووي. مع ذلك، يجب عدم استبعاد احتمالية عودة ترامب إلى سيناريو مهاجمة إسرائيلية في المستقبل إذا فشلت المفاوضات مع إيران كلياً.
ربما نتخيل كيف كان نتنياهو سيتصرف إزاء خطوات مشابهة من جانب سلفي ترامب، أوباما أو بايدن، لكن لا أحد يلعب مع ترامب. عندما أعلن المستضيف عن استئناف المحادثات، اضطر نتنياهو لهز رأسه. بشأن الجمارك، وعد بالعمل على تقليص العجز في الميزان التجاري في الدولتين. كانت أقواله مقنعة تقريباً مثل تعهد نظري بتقليص نفقات عائلة نتنياهو على حساب الدولة.
منذ استئناف نتنياهو للحرب في غزة في 18 آذار، تولد انطباع بأن عملية إسرائيل هناك تحصل على دعم أمريكي كامل. ولكن الجيش الإسرائيلي لم يرجع لاحتلال القطاع كما توقع اليمين المتطرف، بل اكتفى باستعراض قوة محدود في هوامشها. أقوال ترامب، أمس، رسمت سلم الأولويات الحالي للإدارة الأمريكية المناسب بالضبط لسياسة السعودية: صفقة كبيرة بين واشنطن والرياض (قد تشمل أيضاً التطبيع بين إسرائيل والسعودية) وإنهاء الحرب في غزة، واتفاق سيتفاخر بأنه حل لمشكلة النووي الإيراني، ووحدة مشتركة.
بقي أن نرى إذا كانت أقوال الرئيس ستترجم إلى سياسة عملياتية للمضي بصفقة التبادل. المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، ظهر مرة أخرى متفائلاً أثناء لقائه مع عائلات المخطوفين. فهو يعتقد بوجود احتمالية لتطبيق اقتراح مصر الذي يتحدث عن تحرير ثمانية مخطوفين في المرحلة الأولى، مقابل وقف لإطلاق نار لبضعة أسابيع، وستتم خلال ذلك محاولة التوصل إلى اتفاق نهائي على إنهاء الحرب. ولكن ينتظر ويتكوف جدول زمني مكتظ، حيث تبين بأنه المبعوث عن إدارة المفاوضات المتجددة مع إيران. مع ذلك، قد يتبين بأثر رجعي، وجود انعطافة في صفقة المخطوفين هذا الأسبوع.
عاموس هرئيل
هآرتس 9/4/2025