الوثيقة | مشاهدة الموضوع - الانسحاب الأمريكي الجزئي من العراق يعيد سيناريو قصف السفارة : مصطفى العبيدي
تغيير حجم الخط     

الانسحاب الأمريكي الجزئي من العراق يعيد سيناريو قصف السفارة : مصطفى العبيدي

مشاركة » الأحد نوفمبر 22, 2020 9:46 am

أنهى تجدد قصف السفارة الأمريكية في بغداد بصوايخ الكاتيوشا، فترة هدنة لمدة شهر تعهدت خلالها الفصائل الموالية لإيران بإيقاف استهداف المنطقة الخضراء ومواقع تتواجد فيها القوات الأمريكية، مقابل انسحابها بشكل كامل من العراق، وسط مخاوف من رد أمريكي متوقع من الرئيس المنتهية ولايته ترامب، عبر توجيه ضربات إلى قادة موالين لإيران في العراق.

وجاء قصف المنطقة الخضراء، بعد ساعات من إعلان وزارة الدفاع الأمريكية قرارها بسحب 500 جندي أمريكي من العراق في بداية العام المقبل مع الابقاء على 2500 آخرين في قاعدتي الأسد وحرير غرب وشمال العراق، حيث سقطت سبعة صواريخ كاتيوشا، في محيط المنطقة الخضراء وقرب السفارة الأمريكية، كما وصلت بعض الصواريخ إلى مدينة الطب ومتنزه الزوراء، فيما ردت السفارة الأمريكية باستخدام منظومة “سي رام” المضادة للجو لإسقاط بعض تلك الصواريخ.

وأعلنت قيادة العمليات المشتركة، مقتل طفلة وإصابة خمسة مدنيين بجروح، جراء القصف الصاروخي على المنطقة الخضراء، مؤكدة انه “لن يمر دون ملاحقة وحساب” وهو التهديد الحكومي المعتاد مع كل عملية قصف من دون اتخاذ إجراءات على أرض الواقع رغم معرفة الجهات المنفذة.

وفي هذا السياق، تبنت ميليشيا “أصحاب الكهف” الموالية لإيران، الهجوم على السفارة الأمريكية بعد ساعات من إعلان واشنطن عدم سحب كامل قواتها. وكانت كتائب حزب الله وفصائل أخرى تدعمها إيران في العراق، أعلنت أنها إذا أصرت القوات الأمريكية على البقاء فإنها ستشن هجمات أشد عنفا من السابق.

وجاء أول رد أمريكي على القصف، من السفارة الأمريكية في العراق، التي أكدت امتلاكها وثائق تفيد “إن ميليشيات مدعومة من إيران نفذت الهجوم الصاروخي الذي طال المنطقة الخضراء” داعية حكومة العراق إلى “اعتقال ومحاسبة أولئك الذين يواصلون ارتكاب أعمال العنف ضد الدولة العراقية”.

ونظرا لإدراك الجميع بعجز حكومة بغداد عن ردع الميليشيات، يبدو ان خيار الرد العسكري الأمريكي ضد إيران أو أذرعها في العراق والمنطقة، غير مستبعد أبدا، وخاصة بعد تجدد الهجمات الصاروخية على السفارة الأمريكية، الذي يعد تحديا للحكومتين العراقية والأمريكية معا. وقد عززت هذه الحقيقة تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مؤخرا، بأن “الولايات المتحدة ما زال لديها المزيد من العمل في الأسابيع المقبلة لتقليل قدرة إيران على تعذيب الشرق الأوسط” حسب تعبيره، مشددا على حرص بلاده على “ان لا يحصل الإيرانيون على الدولارات والموارد التي تمكنهم من تطوير برنامجهم النووي”. وتنسجم تحركات إدارة ترامب ازاء إيران، مع مساعيها لخلق المزيد من العراقيل والأزمات لإدارة الرئيس المنتخب جو بايدن، الذي “تعهد بالعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، طالما عادت إيران أيضا إلى الامتثال لكامل التزاماتها”.

وإذا اضفنا تحذيرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، واتهامها لإيران “بعدم المصداقية” وإن مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب، تجاوز 12 مرة، الحد المسموح به منذ الاتفاق النووي عام 2015 وتوجيه مسؤولين أمريكان تحذيرات لإيران بعدم تجاوز الخطوط المسموح بها في برنامجها النووي، فإن توقعات المراقبين بإجراءات أمريكية منها الرد العسكري على إيران أو أذرعها، تصبح واردة جدا، إضافة إلى احتمال تجدد طرح فكرة سحب السفارة الأمريكية من بغداد، وفرض عقوبات على حكومة العراق أيضا باعتبارها حليفة لطهران وغير راغبة بالخروج من دائرة نفوذها، بل وتساعدها على الالتفاف على العقوبات الأمريكية.

ولعل توقعات الرد الأمريكي، الذي سبق ان هددت واشنطن به الفصائل، كانت وراء تنصل القوى الشيعية من القصف الجديد ونفي صلتها به، بادعاءها أن ميليشيات منفلتة هي المسؤولة عن عمليات القصف واستهداف المتظاهرين والاغتيالات، وهي شماعة تعلق عليها القوى الشيعية مسؤولية كافة الأعمال التي تعبر عن تحدي حكومة بغداد والولايات المتحدة، بهدف التهرب من المسؤولية وتفادي الانتقام الأمريكي.

أما عن عزم واشنطن الإبقاء على عدد محدود من القوات الأمريكية في قواعدها في العراق، فإنه كان متوقعا من الإدارة الأمريكية لأنه سيمكنها عند الضرورة، من إعادة نشر قوات أمريكية جديدة في العراق دون الحاجة إلى تفويض جديد من الكونغرس، حيث وجه العديد من السياسيين الأمريكيين ومنهم زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأمريكي، السناتور ميتش ماكونيل، تحذيرات إلى الرئيس دونالد ترامب، بأن من شأن سحب القوات الأمريكية أن يهدي الحركات المتشددة “نصرا دعائيا عظيما” ويعيد سيناريو ظهور تنظيم “داعش” عام 2014 بعد الانسحاب الأمريكي، كما يفسح آفاقا أوسع لأطماع إيران في العراق.

وفي كل الأحوال، لا يمكن عزل تجدد قصف الميليشيات للسفارة الأمريكية، عن مواصلة تحديها حكومة مصطفى الكاظمي وفرض نفوذها على المشهد العراقي، كما أن القصف يرتبط برغبة إيرانية لممارسة الضغوط على الرئيس الجديد مسبقا، خاصة أن المراقبين ربطوا بين القصف الجديد وتهديدات إيرانية صريحة صدرت قبل أيام لدى زيارة وزير الدفاع العراقي جمعة عناد إلى إيران، حيث شدد جميع المسؤولين الإيرانيين على ضرورة إخراج جميع القوات الأمريكية من العراق مع تهديدات بحتمية الرد الانتقامي لمقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني ومساعده أبو مهدي المهندس في بغداد بطائرة أمريكية مسيرة في الثالث من كانون الثاني/يناير 2019. وسط توقع تصعيد الفصائل عملياتها ضد المصالح الأمريكية في الذكرى الأولى لاغتيال القائدين المذكورين “وفق سيناريو أسوأ مما حصل سابقا” حسب وزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري، ولتستمر الساحة العراقية في كونها ميدان المنازلة الإيرانية الأمريكية، لحين حصول تفاهمات بينهما ترضي الطرفين على حساب مصالح العراق.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات

cron