لندن ـ «القدس العربي»: رغم أن «مثلث برمودا» هو أحد أعظم الألغاز في العالم، وهو الظاهرة التي لطالما حيرت العلماء منذ سنين طويلة، إلا أن العلماء اكتشفوا مؤخراً شيئاً أكثر إثارة للحيرة في المنطقة ذاتها، وهو ما ربما يُفاقم من اللغز الأصلي ويزيد من حيرة العلماء.
ويقع «مثلث برمودا» غربي المحيط الأطلسي، وهو منطقة شهيرة على شكل مثلث بين برمودا وفلوريدا وبورتوريكو، واكتسب شهرته بسبب قصص عن اختفاء غامض للسفن والطائرات، رغم أن الإحصاءات الرسمية لا تدعم فكرة كونه أكثر خطورة من مناطق أخرى، وتُعزى الحوادث غالباً إلى عوامل طبيعية كالأمواج المارقة والظواهر الجوية، وليس قوى خارقة كما توحي الأساطير.
وقال تقرير نشرته جريدة «دايلي ميل» البريطانية، واطلعت عليه «القدس العربي»، إن الباحثين رصدوا بنية صخرية ضخمة مخفية تحت مثلث برمودا «لا مثيل لها على وجه الأرض».
وتقع طبقة الصخور، التي يبلغ سمكها 20 كيلومتراً تحت قشرة المحيط أسفل برمودا.
ولم يُعثر من قبل على بنية بهذا السمك، وفقاً للفريق، الذي يقول إن هذا الاكتشاف قد يساعد في الإجابة على أحد أكبر الأسئلة حول هذه الجزيرة الشهيرة.
وتقع برمودا على منطقة مرتفعة من قشرة المحيط تُعرف باسم «الانتفاخ المحيطي»، مما يرفعها فوق المنطقة المحيطة بها. وعادةً ما ترتبط هذه التكوينات بالنشاط البركاني، ولكن لا يوجد دليل يُشير إلى أن بركاناً هو المسؤول عن جيولوجيا برمودا الغريبة.
ولم تشهد الجزيرة أي ثوران بركاني منذ أكثر من 31 مليون سنة، وكان من المفترض أن يهدأ أي انتفاخ بركاني خلال هذه المدة.
ويشير الاكتشاف الجديد إلى أن آخر ثوران بركاني قد قذف صخوراً منصهرة في القشرة الأرضية حيث تجمدت مكونةً طبقة صخرية، مما رفع الجزيرة 500 متر فوق سطح البحر.
وفي ورقة بحثية نُشرت في مجلة «جيوفيزيكال ريسيرش ليترز»، قام الباحثون بتحليل تسجيلات من محطة رصد زلزالي في برمودا. وتتبعوا مسار زلازل قوية ولكنها بعيدة، وهي تشق طريقها عبر الصخور على عمق 50 كيلومتراً تحت الجزيرة.
ومن خلال دراسة المواقع التي غيرت فيها هذه الموجات الزلزالية مسارها بشكل غير متوقع، وجد الباحثون طبقة صخرية سميكة بشكل غريب.
وقال الدكتور ويليام فريزر، عالم الزلازل في مؤسسة كارنيجي للعلوم، لموقع «لايف ساينس»: «عادةً ما تكون الطبقة السفلية من القشرة المحيطية هي الطبقة التي يُتوقع أن تكون الطبقة التالية هي طبقة الوشاح».
لكن في برمودا، توجد طبقة أخرى تقع أسفل القشرة الأرضية، ضمن الصفيحة التكتونية التي تقع عليها الجزيرة. وبالنسبة للجيولوجيين، قد يُمثل هذا خطوةً هامةً نحو حلّ أكبر لغزٍ يُحيط ببرمودا.
وبينما تشتهر برمودا بسجلّها الحافل بحالات اختفاء السفن والطائرات الغامضة، يبقى اللغز الأكبر الذي يُحيّر العلماء هو سبب وجود هذه الأمواج المحيطية.
وتتشكل سلاسل الجزر، مثل هاواي، عادةً نتيجةً للنشاط البركاني فوق بؤر ساخنة في الوشاح الأرضي، وهي مناطق ترتفع فيها الصخور المنصهرة الساخنة من الوشاح نحو السطح.
وعندما تشقّ هذه المواد الساخنة طريقها عبر القشرة الأرضية لتكوين الجزر، فإنها ترفع الصفيحة التكتونية إلى الأعلى مُسببةً هذه الأمواج المحيطية. وعندما تبتعد الصفيحة التكتونية عن البؤرة الساخنة، تهدأ هذه الأمواج تدريجياً مع مرور الوقت.
وبما أن برمودا خالية من أي دليل على نشاط بركاني خلال الـ31 مليون سنة الماضية، لم يتمكن العلماء من تفسير سبب استمرار ارتفاع أمواجها. لكن، ولأن هذه الطبقة المكتشفة حديثاً أقل كثافة من الصخور المحيطة بها، فإنها تعمل على صد الموجات الزلزالية ودفع الجزيرة إلى الأعلى.
وقد وجدت أبحاث سابقة أن الحمم البركانية القديمة في برمودا منخفضة في معدن السيليكون، مما يشير إلى أنها أتت من طبقة أرضية منخفضة الكربون.
ويُرجح أن هذا الكربون قد انبثق من أعماق وشاح الأرض عندما انفتحت قارة بانجيا العظمى لتشكل المحيط الأطلسي قبل 900 إلى 300 مليون سنة.
وقد يكون هذا ما يميز برمودا عن جزر النقاط الساخنة في المحيطين الهادئ والهندي، وهما محيطان أقدم بكثير.
ويقوم الباحثون الآن بدراسة جزر أخرى حول العالم لمعرفة ما إذا كانت هناك طبقات مماثلة، أو ما إذا كانت برمودا فريدة من نوعها حقاً.
ويقول الدكتور فريزر: «إن فهم مكان مثل برمودا، وهو موقع متطرف، أمرٌ بالغ الأهمية لفهم الأماكن الأقل تطرفًا، ويعطينا فكرة عن العمليات الطبيعية التي تحدث على الأرض، والعمليات المتطرفة التي تحدث فيها».
أما اللغز الأكثر شهرة في برمودا فهو سبب اختفاء العديد من السفن دون أثر في المنطقة المعروفة باسم مثلث برمودا.
يقع مثلث برمودا بين فلوريدا وبورتوريكو وبرمودا، وقد أثار تاريخه الطويل من حوادث غرق السفن المميتة تكهنات لا حصر لها حول ظواهر خارقة للطبيعة، لكن العلماء يقولون الآن إن هذا قد يكون له تفسير علمي طبيعي بالكامل.
ويقول الدكتور سيمون بوكسال، عالم المحيطات بجامعة ساوثهامبتون، إن سجل حالات الاختفاء في مثلث برمودا يعود إلى «الأمواج العاتية».
وتُعرف هذه الأمواج أيضاً باسم أمواج العواصف الشديدة، وهي عبارة عن جدران مائية غير متوقعة يمكن أن يصل ارتفاعها إلى ضعف ارتفاع الأمواج المحيطة بها.
وترتفع الأمواج العاتية إلى 30 متراً في الهواء، وهي شديدة الانحدار بشكل غير طبيعي، وقد تضرب فجأة من اتجاهات غير اتجاه الرياح السائدة. ووفقًا للدكتور بوكسال، فإن سفينة كبيرة تحاصرها إحدى هذه الأمواج القاتلة قد تغرق في غضون دقيقتين أو ثلاث دقائق.