الوثيقة | مشاهدة الموضوع - التبرعات الإنسانية كغطاء محتمل لتهريب الدولار.. مسارات خفية خارج القنوات الرسمية!
تغيير حجم الخط     

التبرعات الإنسانية كغطاء محتمل لتهريب الدولار.. مسارات خفية خارج القنوات الرسمية!

مشاركة » السبت ديسمبر 20, 2025 9:31 pm

3.jpg
 
بغداد/ عبدالله علي العارضي

رغم تشديد الرقابة المصرفية، وتكثيف البيانات الحكومية التي تتحدث عن ضبط حركة الدولار وملاحقة شبكات تهريب العملة، فإن طرقاً أكثر تعقيداً ما تزال تجد سبيلاً للالتفاف على القيود. أحدث هذه الطرق لا تمر عبر المنافذ أو السوق الموازية مباشرة، بل تتخفّى خلف واجهة يصعب الاعتراض عليها، وهي الحالات الإنسانية والمرضية.
وباسم إنقاذ المرضى، وتحت ضغط التعاطف مع الحالات الحرجة، تنشط مبادرات وجمع تبرعات تدّعي العمل الإنساني، لتتحول في بعض المسارات إلى قناة غير مباشرة لنقل العملة الصعبة إلى خارج البلاد، وتحديداً إلى إيران، في وقت يؤكد فيه مختصون وجود مؤسسات طبية عراقية قادرة على تقديم العلاج ذاته بكلفة أقل ونتائج مماثلة.
يؤكد منتظر العصامي، وهو مراقب للملف الصحي، أن العراق لم يعد يفتقر إلى مراكز متخصصة بزراعة الكلى، ويقول لـ«المدى»: «توجد مستشفيات لزراعة الكلى في العراق، خاصة في بغداد وكربلاء. أبرزها مستشفى الكرامة التعليمي، الذي أُجريت فيه عشرات العمليات، ومستشفى الكفيل التخصصي الذي يستخدم تقنيات متطورة، إضافة إلى مستشفى الإمام زين العابدين في النجف، حيث أُجريت أكثر من 150 عملية ناجحة، إلى جانب مركز في مستشفى الشرق الأوسط ببغداد، ومركز جديد في النجف يُجري عمليات أسبوعية. هذه المراكز تقدّم العلاج مجاناً أو بتكاليف أقل بكثير من الخارج، لكن لا أعلم لماذا يصرّ البعض على الذهاب إلى إيران أو دول أخرى، رغم أن الكلفة أعلى ونسبة النجاح هي نفسها داخل العراق».
هذا الإصرار، وفق مختصين، لا يكون دائماً قراراً حراً من المريض، بل نتيجة ضغط نفسي، أو جهل بالتفاصيل، أو ثقة مطلقة بحملات إنسانية لا يملك المواطن أدوات مساءلتها. من جانبه، يعبّر حسن فاضل، وهو مواطن تابع عدداً من هذه الحملات، عن تساؤلاته قائلاً لـ«المدى»: «لا أعلم لماذا الإصرار من قبل بعض أرباب الحملات الإنسانية على السفر إلى إيران وأخذ العملة الصعبة معهم، مع العلم أن المستشفيات في العراق أعلى جودة وأقل كلفة بكثير مما هو موجود في الخارج. هذا الملف غامض ويحتاج إلى تدقيق كبير، وتوعية المواطنين بأهمية تقوية الاقتصاد المحلي بدلاً من استنزافه». الخبير الاقتصادي جليل اللامي يضع المسألة في إطارها القانوني والاقتصادي، محذراً من خطورة ما يجري، ويقول لـ«المدى»: «أي تحويل للعلاج في الخارج يجب أن يتم حصراً عبر القنوات البنكية، وبعد تقديم تقرير طبي وفاتورة إلى حساب المستشفى. أي جمع تبرعات نقدية وتحويلها خارج القنوات الرسمية يُعد تهريباً ومخالفة صريحة، وسيُتابع قضائياً استناداً إلى لوائح البنك المركزي».
ويضيف اللامي: «تعليمات بنك العراق واضحة جداً. التحويلات الشخصية المصرّح بها، ومنها العلاج في الخارج، يجب أن تكون من حساب المريض أو أقاربه من الدرجة الأولى أو الثانية إلى حساب المستشفى مباشرة، مع تطبيق إجراءات اعرف عميلك ومكافحة غسل الأموال من قبل البنوك. أما جمع الأموال نقداً ثم بيعها بالدولار في السوق الموازية أو تهريبها مادياً عبر مسافرين أو شبكات صيرفة وهمية، فهو تحايل وجريمة مالية».
ويحذّر من التأثيرات الأوسع لهذه الظاهرة قائلاً: «استمرار تهريب الدولار بهذه الطرق يؤدي إلى استنزاف الاحتياطي، وتعميق السوق الموازية، والضغط على سعر صرف الدينار، وإضعاف السياسة النقدية، فضلاً عن مخاطر دولية وعقوبات محتملة، وتشجيع الفساد واستغلال القضايا الإنسانية الحقيقية».
في قراءة أمنية سياسية أوسع، يرى المحلل محمد زانجين أن المشكلة أعمق من مجرد ثغرات إجرائية، ويقول لـ«المدى»: «ملف تهريب العملة، مهما كانت الأوضاع ومهما كانت الدولة مستقرة أو غير مستقرة، سيستمر، لكنه يتأثر بوجود قيود أمنية أو بحالة انفلات تترك الباب مفتوحاً أمام العصابات للدخول والخروج دون أي تدخل». ويضيف: «اليوم في العراق هذا الملف لم يُغلق أبداً. هناك كثافة واضحة في تهريب العملة، ومافيات داخل الأحزاب وداخل الحكومة تشرف على هذا الموضوع، لذلك الحكومة مكبّلة ولا تستطيع حتى إصدار قرارات محدودة للحد منه».
وحول استغلال التبرعات، يوضح زانجين: «التبرع ثقافة راسخة لدى المجتمع العراقي، لكن هناك استغلالاً واضحاً لطيبة الناس في تجارة الأعضاء وتهريب العملة وحتى القتل المنظم بحجة التبرعات. هذه الملفات تُدار ضمن شبكات تبييض أموال واتفاقات سياسية. نعم، هناك مستشفيات كثيرة وكبيرة في العراق، ولكن عندما تكون هناك إغراءات للمريض بأنه سيتلقى أفضل علاج وبسعر أحسن وأقل من داخل العراق، سواء في إيران أو في أي دولة أخرى، فإن المواطن سيلجأ إلى هذا الحل، وهذه المسألة قد تسهّل العملية التي تؤدي في النهاية إلى جمع هذه الأموال وتحويلها إلى الدولار أو إلى أي عملة أخرى، وتهريبها إلى خارج العراق، سواء إلى إيران أو إلى غيرها».
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى تقارير

cron