الوثيقة | مشاهدة الموضوع - واشنطن بوست: قتل عقل المشروع: كيف طاردت إسرائيل علماء إيران النوويين؟
تغيير حجم الخط     

واشنطن بوست: قتل عقل المشروع: كيف طاردت إسرائيل علماء إيران النوويين؟

القسم الاخباري

مشاركة » الجمعة ديسمبر 19, 2025 2:28 pm

7.jpg
 
لندن- “القدس العربي”:

كشفت صحيفة واشنطن بوست وبرنامج فرونت لاين في تحقيق مشترك، تفاصيل جديدة عن “عملية نارنيا”، وهي حملة الاغتيالات التي استهدفت علماء البرنامج النووي الإيراني.

ويكشف التحقيق كيف انتقلت إسرائيل من استهداف منشآت البرنامج النووي الإيراني إلى تصفية ما وصفته بـ”عقل المشروع”، عبر حملة اغتيالات مباشرة وعلنية لعلماء نوويين داخل منازلهم ضمن “عملية نارنيا”. ويخلص التحقيق إلى أن الضربات ربما أخّرت البرنامج سنوات، لكنها لم تدمّره، بل أغلقت مسار الدبلوماسية وخلّفت خسائر مدنية كبيرة، فيما تبقى المعرفة النووية نفسها عصيّة على الاغتيال.

الضربات ربما أخّرت البرنامج النووي الإيراني لسنوات، لكنها لم تدمّره، بل أغلقت مسار الدبلوماسية وخلّفت خسائر مدنية كبيرة، فيما تبقى المعرفة النووية نفسها عصيّة على الاغتيال.

كانت الاستعدادات للحرب تقترب من لحظتها الأخيرة. عشرات العملاء المدربين الذين يعملون لصالح إسرائيل كانوا قد انتشروا داخل إيران، مزودين بأسلحة دقيقة ومتطورة. طيارو سلاح الجو الإسرائيلي ينتظرون أوامر ضرب منشآت تخصيب اليورانيوم، ومنصات الصواريخ الباليستية، وأنظمة الدفاع الجوي. وفي خلفية المشهد، كانت إسرائيل والولايات المتحدة -الداعم الأكبر لها- قد توصلتا بعد نقاشات طويلة إلى تقدير مشترك تقريبي: كم بقي لإيران كي تقترب من امتلاك سلاح نووي؟ وفي الوقت ذاته، كانت تُنسَج على خط موازٍ خُدع دبلوماسية لإبقاء طهران مطمئنة… أو غافلة.

لكن في نظر مسؤولين أمنيين إسرائيليين، لم تكن ضرب المنشآت كافية لإحداث أثرٍ يتجاوز الضرر العابر. فالبرنامج واسع، والقدرات قابلة لإعادة البناء. ما يجب استهدافه، بحسب روايتهم، هو “عقل المشروع”: جيل من المهندسين والفيزيائيين الإيرانيين الذين اعتقد مسؤولون استخباريون أمريكيون وإسرائيليون أنهم يعملون على تحويل المعرفة والمواد الانشطارية إلى قنبلة.

عند الساعة 3:21 فجر 13 يونيو/حزيران، وفي الدقائق الأولى من حرب إسرائيل التي استمرت 12 يومًا مع إيران، بدأت الضربات، لا على قواعد عسكرية فحسب، بل على مبانٍ سكنية ومنازل في طهران. هكذا افتُتحت “عملية نارنيا”: حملة اصطياد كبار العلماء النوويين الإيرانيين.

بداية “نارنيا”: ضربات على بيوت، لا على مختبرات

قُتل محمد مهدي طهرانجي، الفيزيائي النظري وخبير المتفجرات الخاضع لعقوبات أمريكية بسبب عمله المرتبط بالأسلحة النووية، داخل شقته في الطابق السادس في طهران، ضمن مبنى يُعرف باسم “مجمع الأساتذة”. وبعد ساعتين، لقي فريدون عباسي، الفيزيائي النووي والرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية والخاضع لعقوبات أمريكية وأممية، حتفه في ضربة أخرى بالعاصمة.

وبحسب إسرائيل، فإن الحملة أودت بحياة 11 عالمًا نوويًا في 13 يونيو/حزيران وما تلاه من أيام.

الهجمات الواسعة والمتعددة المحاور التي نفذتها إسرائيل والولايات المتحدة ضد البرنامج النووي الإيراني هزّت المنطقة، وأطلقت وعودًا إيرانية بالانتقام، وحتى الآن، أغلقت الباب أمام أي مسار دبلوماسي يمكن أن يقيّد البرنامج الإيراني تحت رقابة دولية مشددة.

بحسب إسرائيل، فإن الحملة أودت بحياة 11 عالمًا نوويًا في 13 يونيو/حزيران وما تلاه من أيام.

ما الذي كشفه التحقيق؟

بحسب تحقيق واشنطن بوست وفرونت لاين، بُنيت الرواية على مقابلات مع مسؤولين حاليين وسابقين من إسرائيل وإيران ودول عربية والولايات المتحدة، كثيرون منهم تحدثوا للمرة الأولى، وبشرط عدم كشف هوياتهم، لوصف عمليات سرّية وتقييمات أمنية.

وقال مسؤولون من إسرائيل والولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية إن البرنامج النووي الإيراني ربما تراجع سنوات، لكن ذلك لا يرقى إلى توصيف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه “دُمّر بالكامل وبصورة تامة”.

أما إيران، فتكرر أنها تعمل لأغراض مدنية لا عسكرية، وتصر على أن اغتيال العلماء لن يمحو المعرفة. وقال أمير طهرانجي، شقيق محمد، لفرونت لاين: “مع قتل هؤلاء الأساتذة، قد يرحلون، لكن معرفتهم لا تضيع من بلدنا”.

من الاغتيال المنكَر إلى الاغتيال المُعلَن

سبق لإسرائيل أن اغتالت علماء إيرانيين ضمن عمليات تُبقي هامش الإنكار قائمًا: قنابل مغناطيسية تُلصق بسيارات وسط زحام طهران، أو كمائن بأسلحة تُدار عن بُعد كما حدث مع محسن فخري زاده عام 2020. وكان فريدون عباسي نفسه قد نجا بصعوبة من محاولة اغتيال عام 2010.

لكن في يونيو/ حزيران، وفق التحقيق، خرجت إسرائيل من منطقة الظل. وتقول مصادر إن جرأتها ارتفعت بعدما أضعفت علنًا وكلاء إيران في غزة ولبنان وسوريا. ونقل التحقيق عن جنرال إسرائيلي شارك في التخطيط قوله: “أخيرًا توفرت لدينا فرصة عملياتية للقيام بذلك”.

قائمة “المئة”… ثم تصفية الاثني عشر

ضمن “عملية نارنيا”، جمع محللو الاستخبارات الإسرائيليون قائمة بأهم 100 عالم في إيران، ثم قُلصت الأهداف إلى نحو اثني عشر. وبُنيت ملفات تفصيلية عن عمل كل هدف، وتحركاته، ومكان سكنه، وروتينه اليومي اعتمادًا على سنوات طويلة من التجسس.

لكن العملية لم تخلُ من آثار جانبية ثقيلة. فقد تمكّن صحافيو واشنطن بوست وموقع بيلينغكات من التحقق بشكل مستقل من 71 ضحية مدنية في خمس ضربات استهدفت علماء نوويين، عبر صور أقمار صناعية، وتحديد مواقع الفيديو جغرافيًا، وإعلانات وفاة، وسجلات مقابر، وتغطية جنازات في الإعلام الإيراني.

بُنيت ملفات تفصيلية عن عمل كل عالم نووي إيراني، وتحركاته، ومكان سكنه، وروتينه اليومي اعتمادًا على سنوات طويلة من التجسس.

وأكد التحقيق مقتل 10 مدنيين في ضربة “مجمع الأساتذة” بحي سعادت آباد، بينهم رضيع عمره شهران. وتشير شهادات وصور الأضرار إلى أن قوة الضربة تقارب أثر قنبلة بنحو 500 رطل.

وفي ضربة أخرى، استُهدف العالم محمد رضا صديقي صابر في منزله بطهران خلال الموجة الأولى. لم يكن في البيت، لكن ابنه البالغ 17 عامًا قُتل. ثم قُتل صابر لاحقًا في اليوم الأخير من الحرب، 24 يونيو/ حزيران، داخل منزل قريبٍ له على بعد نحو 200 ميل من العاصمة، في آستانه أشرفيه بمحافظة جيلان، أثناء عودته لحضور عزاء ابنه، وفق شهادة أحد السكان. وتحققت الصحيفة من 15 وفاة مدنية في تلك الضربة، بينهم أربعة قُصّر، مع تدمير منزلين وظهور فُوّهتين في موضعهما.

ورغم ذلك، قال مسؤولون أمنيون إسرائيليون إنهم “فعلوا كل ما يمكن” لتقليل الضحايا المدنيين، معتبرين أن تقليل “الأضرار الجانبية” كان من الاعتبارات المركزية في التخطيط.

أسلحة خاصة وعملاء داخل إيران

سمّت إسرائيل الحملة الأوسع ضد إيران “الأسد الصاعد”. وبحسب التحقيق، شاركت طائرات حربية ومسيّرات، إلى جانب عملاء داخل إيران، في تدمير أكثر من نصف منصات إطلاق الصواريخ الباليستية الإيرانية وإضعاف الدفاعات الجوية. كما استهدفت الضربات قيادة الجيش والحرس الثوري، وضُربت محطات كهرباء وأنظمة تهوية تُعد ضرورية لتشغيل أجهزة الطرد المركزي في نطنز وفوردو. ثم جاءت الضربات الأمريكية الثقيلة: قاذفات الشبح B-2 ووابل من صواريخ توماهوك.

داخل إيران، يقول مسؤول أمني إسرائيلي إن الموساد جنّد أكثر من 100 عميل إيراني، زُوِّد بعضهم بسلاح “خاص” مؤلف من ثلاثة أجزاء لضرب أهداف عسكرية بدقة. ويزعم المصدر أن السلطات الإيرانية عثرت على بعض منصات الإطلاق، لكنها لم تعثر على الصواريخ ولا على “المكوّن الثالث” السري.

ويصف المسؤول العملية بأنها “غير مسبوقة”، إذ جرى بحسب قوله إطلاق عمل بريّ قبل أن يتمكن سلاح الجو الإسرائيلي من العمل بحرية في الأجواء الإيرانية.

الموساد جنّد أكثر من 100 عميل إيراني، زُوِّد بعضهم بسلاح “خاص” مؤلف من ثلاثة أجزاء لضرب أهداف عسكرية بدقة

لماذا الآن؟

يربط التحقيق توقيت العملية بسلسلة تحولات أعقبت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023: إضعاف حماس، تلقي حزب الله ضربات قاسية، مقتل حسن نصر الله في سبتمبر/أيلول 2024، ثم سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024 وما تبعه من فراغ أمني في سوريا استغلته إسرائيل لضرب ما تبقى من قدرات الجيش السوري واحتلال شريط استراتيجي جنوب غرب البلاد.

كما يشير التحقيق إلى تبادل ضربات مباشر بين إيران وإسرائيل في 2024، وإلى تدمير منظومات دفاع جوي من طراز S-300، وهو ما اعتُبر عاملًا خفّف مخاطر الهجوم الكبير.

تعقيدات النووي: أين ينتهي التقدير وأين يبدأ القرار؟

بحسب التحقيق، اتفقت إسرائيل والولايات المتحدة (في عهدي بايدن وترامب) على أن إيران تتحرك في اتجاه القدرة النووية العسكرية، لكنهما اختلفتا أحيانًا في تفسير ما يجري داخل وحدات البحث الإيرانية.

منذ 2023، جمعت CIA معلومات تفيد بأن باحثين ضمن وحدة تُعرف بـSPND كانوا يدرسون مسارات لتسريع صناعة سلاح نووي إذا تغيّر قرار المرشد الأعلى علي خامنئي أو تراجعت فتواه ضد السلاح النووي (2003). وقيّمت CIA أن إيران قد تتمكن من صنع جهاز نووي “بدائي” خلال نحو ستة أشهر باستخدام مخزونها الحالي من اليورانيوم المخصّب، لكن جهازًا كهذا لا يمكن اختباره مسبقًا ولا دمجه بسهولة في منظومة صاروخية.

كما تطرّق التحقيق إلى حديث عن “أسلحة اندماجية” أشد تقدمًا، مع إقرار محللين بأن هذا يتجاوز قدرة إيران حاليًا.

الدبلوماسية كغطاء… والتضليل كجزء من الخطة

يعرض التحقيق صورة دبلوماسية مزدوجة: رغبة ترامب في “إعطاء التفاوض فرصة”، بالتوازي مع استمرار التخطيط العملياتي وتبادل المعلومات مع إسرائيل. وفي منتصف أبريل/ نيسان، منح ترامب إيران مهلة 60 يومًا انتهت يوم 12 يونيو/ حزيران، عشية العملية.

وخلال تلك الفترة، جرى تسريب إشارات عن لقاءات ومحادثات نووية مقبلة، وترويج انطباع عام بوجود خلاف أمريكي- إسرائيلي، قبل أن يتضح، بحسب مصدر مطلع، أن هذا الانطباع كان مفيدًا لتغطية التحضير.

ويذكر التحقيق أن إدارة ترامب قدّمت بعد بدء الضربات محاولة أخيرة عبر اقتراح سري نُقل عبر وساطة قطرية، يتضمن شروطًا قاسية مقابل رفع “جميع العقوبات”، لكن طهران رفضته، فوافق ترامب على الانضمام بضربات أمريكية.

جرى تسريب إشارات عن لقاءات ومحادثات نووية مقبلة، وترويج انطباع عام بوجود خلاف أمريكي- إسرائيلي، قبل أن يتضح أن هذا الانطباع كان مفيدًا لتغطية التحضير

لا يمكنهم انتزاع الاكتشاف

يقول مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون ومسؤولو الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن الضرر الذي أصاب البرنامج كبير، وإنه ربما أعاده سنوات إلى الوراء، مع تدمير أو تعطيل أجزاء حيوية في نطنز وأصفهان وإلحاق أضرار كبيرة بفوردو. لكن الوكالة الدولية تشير إلى أن التقييم يظل جزئيًا ما لم يُسمح للمفتشين بالوصول الميداني، خصوصًا مع بقاء مخزون يُقدّر بنحو 900 رطل من يورانيوم مخصب بنسبة 60%، أي على بعد خطوة من مستوى 90% اللازم للسلاح.

وفي مقابلة نادرة، قال علي لاريجاني لفرونت لاين: “لا يمكن تدمير البرنامج النووي الإيراني أبدًا… لأنك حين تكتشف تقنية ما، لا يمكنهم انتزاع هذا الاكتشاف”.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى الاخبار