بغداد/المسلة: ارتفعت نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية العراقية إلى 56.1 في المئة مقارنة بانتخابات 2021، وفق ما أورده موقع أوريان 21 حسب تقرير سيلفان ميركادييه، في مؤشر اعتبره مراقبون انعكاساً لشعور نسبي بالاستقرار وبرامج التنمية التي طبعت حقبة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الأمر الذي أعاد قدراً من الثقة إلى صناديق الاقتراع ورسخ انطباعاً بأن المزاج الشعبي بدأ يتحرر من مقاطعة السنوات الماضية التي قادها التيار الصدري وأثرت بعمق على نتائج 2021.
وأسفرت النتائج عن تقدم لافت للسوداني بحصوله على 46 مقعداً، غير أن هذا التفوق لا يكفي لتشكيل حكومة دون مفاوضات معقدة بين كتل البرلمان البالغ عددها 329 نائباً، ما يضعه أمام معادلة سياسية دقيقة تتراوح بين طموحاته الإصلاحية وحسابات الكتل التقليدية، خصوصاً داخل الإطار التنسيقي الذي تنظر بعض قواه إلى السوداني بوصفه صاحب طموح قد يؤثر على نفوذها وتفضل أن يبقى تكنوقراطياً تابعاً لها وليس زعيماً مستقلاً يمتلك قاعدة شعبية تستند إلى الإنجاز التنموي.
وتكشف معطيات تقرير أوريان 21 عن تحول استراتيجي في أداء الفصائل المسلحة، إذ تراجع ثقلها السياسي المباشر باستثناء تحالف صادقون الذي احتفظ بوجود وازن، بينما أدى غياب التيار الصدري عقب انسحاب مقتدى الصدر من العمل السياسي إلى إعادة خلط الأوراق داخل البيت الشيعي وخلق فراغ وظفته قوى المنافسة لتوسيع تمثيلها، ما انعكس في نتائج أعادت تشكيل التوازن الداخلي بما يجعل مفاوضات تشكيل الحكومة أكثر تعقيداً.
وبذل السوداني خلال ولايته جهوداً لتقديم نفسه كزعيم إصلاحي ذي توجه سيادي، عبر إطلاق مشاريع إعمار وتحقيق اختراقات اقتصادية خصوصاً في قطاع النفط وإعادة التفاوض حول ملفات تصدير الطاقة، وهو ما اعتبره بعض الناشطين عبر منصة اكس محاولة جادة لاستعادة قرار الدولة الاقتصادي، فيما كتب آخر على فيسبوك أن المشاريع التنموية وإن كانت طموحة، فإنها اصطدمت بحدود النفوذ الاقتصادي والأمني لقوى تقليدية داخل الإطار التنسيقي سعت للحفاظ على مصالحها المكتسبة منذ سنوات.
وتشير القراءة الأولية للمشهد إلى أن البرلمان المقبل لن يشهد ولادة حكومة بسهولة في ظل الضرورة الملحة لتشكيل ائتلاف يوازن بين القوى الشيعية والسنية والكردية، بينما يتوقع مراقبون أن تأخذ المفاوضات شهوراً بالنظر إلى تضارب الأولويات بين من يريد استكمال النهج الإصلاحي للسوداني ومن يسعى لتقليص طموحه وإعادته إلى نمط حكم توافقي يضمن استمرار شبكات النفوذ، ما يجعل نجاحه في تجديد ولايته محفوفاً بصعوبات تتجاوز الأرقام الانتخابية لتلامس عمق المعادلة السياسية القائمة منذ 2003.