تمثّل «الجولة التفقدية» التي قام بها بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة إسرائيل، في «المنطقة العازلة» داخل سوريا، الأربعاء الماضي، توغلا سياسيا استراتيجيا من نوع مختلف عما يقوم به جيشه، من انتهاكات وحواجز واعتقالات لمواطنين، بشكل شبه يوميّ في الأراضي السورية.
حرص نتنياهو على إظهار المعنى الخطير لجولته، عبر إحضاره كبار مسؤولي الحرب والمخابرات والدبلوماسية معه بحيث ضمت الجولة وزير الدفاع يسرائيل كاتس، ورئيس الأركان الفريق إيال زامير، ورئيس جهاز الشاباك دافيد زيني، ورئيس مجلس الأمن القومي غيل رايخ، وقائد الجبهة الشمالية رافي ميلو، وقائد فرقة 210 يائير فلاي، كما ضمّت وزير الخارجية جدعون ساعر، وسفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة يحيئيل لايتر… و«منسّق أعمال الحكومة في المناطق»، اللواء غسان عليّان (وهو ضابط درزي كان يقود لواء جولاني إلى أن أصيب في كمين نفّذته «كتائب القسام» عام 2014).
أكمل نتنياهو إعلان الرسائل المتوخاة بإجرائه، حسب تصريح لمكتب الصحافة الحكومي، «تقييما ميدانيا» لموقع لـ«جيش الدفاع»، وتلقى إحاطة أمنية حول «تطوّرات الجبهة الشمالية»، وعقد اجتماعا أمنيا لكبار القادة «لبحث جاهزية القوات»، وألقى خطابا في جنود عبّر فيه عن إيلاء أهمية كبرى لقدرات جيشه الهجومية والدفاعية، «من أجل حماية حلفائنا الدروز، وقبل كل شيء حماية دولة إسرائيل»، مبلغا إياهم أن مهمتهم «يمكن أن تتغير في أي لحظة»، وتابعت زيارة نتنياهو الاستفزازية رسائلها في اليوم التالي حين اخترق سرب من 8 مقاتلات إسرائيلية الأجواء السورية، محلقا في أجواء الجنوب ومحافظتي حمص وحماة وسط البلاد وصولا إلى الساحل السوري، قرب الحدود التركية.
تزامنت الزيارة مع غارات عنيفة على غزة، وأخرى على لبنان كانت قد سبقتها غارة على مخيم عين الحلوة قرب مدينة صيدا، أدت إلى مجزرة لسكان المخيم الفلسطينيين، في توسيع لضرباتها خارج حدود نهر الليطاني، من دون أن يكون لهذا التصعيد الإقليمي الموسّع ما يمكن أن يوازنه على الصعد العربية ـ الدولية، أو حتى بين السوريين واللبنانيين والفلسطينيين، اللهم باستثناء تصريحين مهمين لفرنسا، التي دعت خارجيتها إسرائيل للانسحاب من الجولان واحترام سيادة الأراضي السورية، وأعلنت قلقها من تكثيف الهجمات الإسرائيلية على لبنان، ولقطر، التي نددت بالاعتداء الوحشي على مخيم عين الحلوة، وعلى سيادة لبنان، واعتبرته خرقا صارخا للمواثيق والقوانين الدولية، وكذلك ما نما عن بحث ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، سبل حلحلة الملفين السوري واللبناني مع إسرائيل، خلال لقائه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
جاء توغّل نتنياهو ومسؤوليه الكبار في الأراضي السورية بعد يوم واحد من إعلان هيئة البث الإسرائيلية أن المفاوضات مع السلطات السورية وصلت طريقا مسدودا، بعد خلاف حول الانسحاب من الجنوب السوري، حيث رفضت تل أبيب توقيع «اتفاق أمني»، واشترطت توقيع «اتفاق سلام» مقابل الانسحاب من المواقع التي تحتلها.
يشير تصريح الرئيس السوري أحمد الشرع، الأسبوع الماضي، إنه لـ«الوصول إلى اتفاق نهائي، يجب على إسرائيل الانسحاب الى حدود ما قبل 8 كانون أول/ ديسمبر 2024 (تاريخ تحرير دمشق من سلطة نظام بشار الأسد)» إلى أن ما تريده إسرائيل فعلا يتجاوز «اتفاق سلام»، ولا يتضمن انسحابا كاملا من المواقع المحتلة. اللافت هنا قول الشرع إن «الولايات المتحدة، والعديد من الأطراف الدولية، معنا في هذه المفاوضات»، وإن «الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يدعم وجهة نظرنا أيضا»، وأنه «سيدفع بأسرع ما يمكن من أجل التوصّل إلى حل لهذا الأمر».
واضح أن دمشق تحرص على أن تكون روسيا، وليس الاتحاد الأوروبي فحسب، ضمن «الأطراف الدولية» المذكورة، وهو ما يفسّره خبر قيام روسيا بخطوات «لإعادة تموضع قواتها في جنوبي سوريا»، وذلك بعد جولة ميدانية واسعة أجراها وفد عسكري رفيع في 17 من الشهر الجاري، والأغلب أن تكون هذه الخطوة بالتنسيق مع الأمريكيين.
وهو ما يمكن أن يعني أن التصعيد الإسرائيلي الكبير، في سوريا على الأقل، هو نوع من التحدّي الشخصيّ لنتنياهو، وحكومته الغارقة لأقدامها في الدماء، لهذه الآلية الدولية – الإقليمية التي تتحرّك بعكس ما يطمح إليه؟