رام الله /قيس أبو سمرة/ الأناضول – كشف أسير فلسطيني سابق (50 عاما) عن تعرضه لاغتصاب من “كلب بوليسي” دفعه الجنود لهذا الفعل، خلال اعتقاله في سجن إسرائيلي عام 2024.
بداية المأساة كانت في 14 يناير/ كانون الثاني من ذلك العام، إذ قال الأسير “نهاد” (اسم مستعار لإخفاء هويته الحقيقية) للأناضول إن قوة إسرائيلية داهمت فجرا زنزانته بسجن عوفر الإسرائيلي غربي رام الله.
ولفت إلى أن الحادثة كانت “قبل يوم من (إعلان) اتفاق الهدنة الأولى في غزة (بدأ تنفيذها يوم 19)، في واقعة خلّفت ندوبا وجروحا عميقة على جسدي”.
وتابع: “جنود من الجيش الإسرائيلي أطلقوا النار وألقوا القنابل، ثم جردوني بالكامل من ملابسي”.
وأردف: “تم سحبي إلى حمام حيث، أُدخل رأسي في قاعدة المرحاض وأنا مكبل من الخلف”.
ad
“نهاد” مضى قائلا: “أمسك الجنود بي قبل أن يطلب أحدهم من كلب بوليسي اغتصابي”.
وأردف: “نفذ (الكلب) الفعل بالقوة وأنا أصرخ، وكلما علا صوتي كانوا يضربونني بقسوة”.
وبنبرة حزينة أضاف: “كان الكلب يجامعني وكأني أنثاه، كانت أصعب لحظات حياتي، تمنيت الموت”.
** “وحوش حيوانية”
“لاحقا، أُجبرت على ارتداء ملابس داخلية فقط، ثم أُخرجت مع معتقلين آخرين إلى العراء في البرد الشديد، وظللنا على أرض خرسانية من الرابعة فجرا حتى التاسعة صباحا”، كما أضاف نهاد.
وقال: “في الصباح أحد الجنود تقدّم نحوي مشيرا إلي بأني “أب لـ11 ابنا”، في إشارة إلى تعرضه للاغتصاب من كلب.
وتابع: قبل أن “يدوس بقوة على أعضائي التناسلية، وأنا ملقى على الأرض”.
وأكد أن ما تعرض له ترك “جرحا نفسيا عميقا”.
لكنه استدرك: “لا ينتقص ذلك من قيمتنا، لكنه يزيد الحقد. التعايش مع مَن يرتكبون ذلك مستحيل، هؤلاء وحوش حيوانية وليس بشرية”.
** “القتل مباح”
“نهاد” أفاد أيضا بحرمان المعتقلين الفلسطينيين من النوم والماء والكهرباء.
وقال إنه تجنب سابقا رواية تفاصيل الاعتداءات الجنسية؛ “لأن المؤسسات لا تهتم، ولأن الناس تتحدث بعد فوات الأوان”.
وأردف: “أخشى ما أخشاه أن تصبح تلك الانتهاكات كما بات الحال بعد زوال نظام بشار الأسد في سوريا (2000-2024)، بعد زوال نظامه بدأ الحديث عن تلك الجرائم”.
وأضاف أنه اعتُقل خمس مرات منذ تسعينيات القرن الماضي بمجموع نحو ست سنوات.
وتابع أنه خلال اعتقال سابق في الانتفاضة الأولى (انتفاضة الحجارة بين 1987 و1993) تعرض لتحقيق عسكري أدى إلى “شلل نصفي مؤقت”.
غير أن اعتقاله عام 2024، وفق قوله، كان “الأقسى على الإطلاق.. كل لحظة هي تحقيق عسكري… القتل مباح ولا شيء يحميك”.
** “وضعيات مهينة”
وبشأن ما تعرض له، أكد نهاد أن “الانتهاكات الجنسية لم تكن حادثا فرديا، بل جزءا من إجراءات الاعتقال”.
وتحدث عن إجبار أسرى على التعري وأداء “وضعيات مهينة”، و”العبث بالمناطق الحساسة عبر حراس يرتدون قفازات، وإدخال أصابع”، إلى جانب تهديدات بالعقم.
وأضاف أنه حُرم من الملابس الأساسية لشهور، إذ اعتُقل في يناير و”جُرد بالكامل من ملابسه” في طقس بارد، ولم يحصل سوى على قميص وسروال داخلي “بمقاسات غير مناسبة”.
وزاد بأن الاستحمام كان يُسمح به “خمس دقائق فقط دون أبواب أو ستائر ودون ماء ساخن أو مواد تنظيف”، فيما لا يتجاوز الشامبو المخصص للأسير “12 غراما”.
وبسبب ندرة مواد التنظيف، قال نهاد إنه أصيب بأمراض جلدية “مثل الجرب وتساقط الأظافر وتآكل الجلد”، وفقد السيطرة على يده لفترة “ولولا لطف الله لكنت فقدتها”.
** “دم ولحم محترق”
نهاد قال إن الاعتراض على أي أمر كان يواجه بالشتائم والإهانات.
وأضاف أن وحدات خاصة كانت تقتحم الأقسام وتجرد الأسرى من ملابسهم وتصادر متعلقاتهم القليلة، قبل أن تعتدي عليهم بعنف يؤدي لكسور وإصابات شديدة.
وسرد حوادث عنيفة، بينها اقتحام وقع في 7 سبتمبر/ أيلول 2024، حين دخل وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى سجن عوفر.
وأوضح أن الحراس اقتحموا خمس غرف، وأن جنديا أشار إليه قائلا: “اقتلوا هذا، قبل أن أتعرض لضربات قرب القلب، ومحاولة كسر أضلاعي ورفعي في الهواء ثم إسقاطي على الأرض”.
كما تحدث عن واقعة في 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، حيث أطلقت قوات إسرائيلية “غازا وقنابل داخل الأقسام”، ما تسبب بإصابات بين الأسرى.
وزاد بأن رائحة “الدم واللحم المحترق” كانت واضحة داخل الزنازين.
وقال إن أحد الأسرى من مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة أُصيب بجروح خطيرة في أذنيه “وكان على وشك الموت”.
وختم بالقول: “الخروج من السجن وأنت تمشي على قدميك هو إنجاز”.
وجرى اعتقال نهاد من مدينة قلقيلية شمالي الضفة الغربية المحتلة، وأُفرج عنه بعد انتهاء مدة اعتقال إداري، أي دون توجيه تهمة أو محاكمة.
ولم يتسن للأناضول الحصول على تعقيب من السلطات الإسرائيلية بشأن ما تعرض له نهاد، لكن شهادات أسرى آخرين تؤكد تعرض بعضهم لاعتداءات جنسية.
ففي وقت سابق من العام الجاري وثّق فيديو مسرب من مركز اعتقال “سدي تيمان” التابع للجيش جنوبي إسرائيل تعرض أسير فلسطيني عام 2024 لاعتداءات جنسية وجسدية من جانب عسكريين.
** “ضرب واغتصاب”
بدوره تحدث المحامي الإسرائيلي بن مارماريلي الممثل القانوني لأسير فلسطيني عن أصناف التعذيب التي يتعرض لها موكله في السجون الإسرائيلية.
وقال مارماريلي للأناضول إن موكله أبلغه مباشرة بأن الأوضاع تدهورت واشتد التعذيب منذ تولي وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير منصبه في أواخر 2022.
وأضاف: “في 7 أكتوبر (2023)، دخل الحراس الغرف وصادروا جميع المتعلقات الشخصية ومنتجات النظافة ومواد الحلاقة، والأسِرّة والملابس وكل شيء”.
وتابع: “موكلي يرتدي حتى اليوم الملابس الداخلية نفسها التي كان يرتديها في 7 أكتوبر؛ وهي القطعة الوحيدة التي يملكها”.
وأضاف: “عندما يحتاج الاستحمام، عليه أن يفعل ذلك دون ملابس داخلية. لا يُسمح لهم بالخروج إلى الفناء، ولا يرون ضوء الشمس”.
مارماريلي أفاد أيضا بأن الأسرى الفلسطينيين لا يحصلون على كميات كافية من الطعام.
وأردف: “قبل عام، عندما رأيت موكلي في أبريل/ نيسان 2024، كان يشبه الهياكل العظمية في أفلام الهولوكوست. اليوم ما يزال نحيفا للغاية، لكنه أفضل قليلا مما كان عليه قبل عام”.
وواصفا أساليب التعذيب لإجبار السجناء الفلسطينيين على التخلي عن حقهم في مقابلة محاميهم، قال مارماريلي: “إنهم يضربونه ويغتصبونه وهو معصوب العينين”.
وتابع: “لأنه معصوب العينين، لم يتمكن من رؤية الحارس الذي اعتدى عليه، ولا يعرف اسمه أو ملامحه، ولذلك لم يتمكن من تقديم شكوى”.
وختم مارماريلي بالقول: “التعذيب ليس مجرد اغتصاب، الاغتصاب جزء فقط من الصورة الأكبر، جزء من التعذيب المنهجي”.
ويقبع في سجون إسرائيل أكثر من 10 آلاف أسير فلسطيني، بينهم أطفال ونساء، يتعرضون لتعذيب وتجويع وإهمال طبي، ما أدى لمقتل العديد منهم، وفقا لمنظمات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية ودولية.
وتصاعدت جرائم إسرائيل بحق الأسرى الفلسطينيين بموازاة حرب إبادة جماعية شنتها بدعم أمريكي في قطاع غزة لمدة سنتين منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وتدعي تل أبيب عدم وجود انتهاكات ممنهجة في سجونها، وهو ما تنفي صحته منظمات حقوقية تدعو إلى تحرك دولي عاجل لوقف “الجرائم الممنهجة” بحق الأسرى.