الرياض: في مقهى في وسط الرياض، ترفع سيدتان سعوديتان نقابهما الأسود لاحتساء جعة مثلجة، فيما يسأل زبون آخر النادل، وهو ينظر بتوتر إلى كأسه: “هل به كحول؟”.
رؤية نساء منتقبات يحملن كؤوساً في مقهى يرفع صورة كبيرة لكأس جعة على نافذته، يبقى مشهدًا غير مألوف في المملكة
هذه الجعة، بالطبع، خالية من الكحول، بما يتوافق مع الحظر المعمول به في السعودية. لكن رؤية نساء منتقبات يحملن كؤوسًا في مقهى يرفع صورة كبيرة لكأس جعة على نافذته، يبقى مشهدًا غير مألوف في المملكة، وهو مؤشر على التغييرات الجارية فيها في السنوات الماضية.
يقع هذا المقهى، “أيه 12″، في شارع التحلية، أكثر شوارع الرياض ازدحامًا، ويقول المسؤولون فيه إنه مكتظ منذ أن بدأ بتقديم جعة البرميل، وهي جعة فارشتاينر ألمانية خالية تمامًا من الكحول، تُسكب في أكواب كبيرة وتُقدَّم مع الفول السوداني، كما هو الحال في الحانات حول العالم.
حول الطاولات، يجلس شبان بالثوب السعودي التقليدي الأبيض، يصوّرون أنفسهم وهم يحتسون مشروباتهم، أو يشاهدون مباراة لكرة القدم، بينما في الداخل، يقف نادل خلف بار أسود لامع.
يقول مدير المقهى عبد الله إسلام: “الفكرة هي تقديم تجربة مميزة للزبائن يمكنهم مشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي” في البلد الذي يشكل فيه الشباب دون 35 عامًا قرابة 70 بالمئة من السكان.
حظر الكحول
شهدت السعودية في السنوات الماضية انفتاحًا كبيرًا في المشهد الثقافي والفني والاجتماعي، إذ أُعيد فتح دور السينما، وسُمح للنساء بقيادة السيارات، ورُحّب بالسياح الأجانب. لكن الكحول ما زالت محظورة.
ويعود حظر الخمور في المملكة إلى العام 1952، حين سَكِر أحد أبناء الملك عبد العزيز آل سعود وقتل دبلوماسيًا بريطانيًا في نوبة غضب. منذ ذلك الحين صار الحصول على زجاجة خمر يتطلب البحث في السوق السوداء ودفع مبالغ كبيرة.
في كانون الثاني/يناير 2024، افتتحت المملكة أول متجر لبيع الخمور في الحي الدبلوماسي بالرياض، لكنه ظل مخصصًا حصريًا للدبلوماسيين غير المسلمين.
وفي أواخر العام 2024، أثير الجدل مجددًا حول المسألة، مع حصول السعودية على حق استضافة كأس العالم لكرة القدم للرجال في 2034.
لكن المشروبات الكحولية لن تُقدَّم خلال كأس العالم 2034، على ما أكّد السفير السعودي في المملكة المتحدة في مقابلة مع إذاعة بريطانية، في وقت سابق من هذا العام.
ويرى سيباستيان سونز، من مركز الأبحاث الألماني CARPO، أنه “يجب على المملكة أن تتعامل بحذر مع أي إمكانية تشريع للكحول، لأنه سيتعارض مع صورتها كقائدة للعالم الإسلامي”.
يعود حظر الخمور في المملكة إلى العام 1952، حين سَكِر أحد أبناء الملك عبد العزيز آل سعود وقتل دبلوماسياً بريطانياً في نوبة غضب
والسعودية والكويت هما الدولتان الخليجيتان الوحيدتان اللتان تحظران الكحول.
الخوف من الجعة
حول المقهى، ينظر المارة لمعرفة سبب هذه الضجة.
تقول شيخة (18 عامًا): “مظهره مخيف. يبدو كمشروب كحولي”.
وتضيف ضاحكة: “كلمة جعة وحدها مخيفة، لكنني تجاوزت خوفي، وبصراحة، إنه شراب منعش”.
قررت الشابة، برفقة صديقتها، تجربة هذا المكان بعد مشاهدة مقاطع فيديو على تطبيق تيك توك واسع الانتشار في السعودية.
ويرى مدير المقهى أن الهدف هو تقديم تجربة بار “مع مراعاة القيم المحلية”.
ويبدو أن الكثيرين في هذا البلد يحرصون على تجربة كل جديد من دون تجاوز الخطوط الحمراء.
ويقول أحمد محمد (18 عامًا) وهو يضع كوبه الفارغ: “في بلدنا، لا توجد مشروبات كحولية، ولا نريدها أن توجد”.
(أ ف ب)