قبل أيام قليلة، ألقت تغريدة السيد مقتدى الصدر – عبر صفحته الشخصية في منصة X – أشبه ما تكون بقنبلة سياسية لا تبشر بخير ولا حتى للذين فازو بالانتخابات البرلمانية , من شدة اللغة الحادة الواضحة والصريحة والتي عنونها : “السلاح عاد منفلتاً، والمليشيات عادت تتقاسم السلطة، والجميع عاد ليشارك في حماية الفساد والفاسدين”هذه العبارة وما تخللتها من مفردات دامغة، ليست مجرَّد شكوى بل إنها تحذير إستباقي شديد اللهجة والى من يهمه الأمر من حدوث كارثة قادمة . وفي ظل النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية السادسة وبنسبة وصلت الى (56.11%)، تغريدة “الصدر” قد تعيد معها إحياء شبح ثورة تشرين ثانية ولكن بنكهة ” التيار الوطني الشيعي ” والقادرة على إسقاط اي حكومة مقبلة بقوة الشارع الجماهيرية التي يمتلكها ومحذرا في الوقت نفسه وقد تكون بصورة مبطنة من أي تهميش للتيار الصدري – الذي قاطع الانتخابات – في معادلة السلطة . فهل هي مجرَّد تهديد عابر ، أم ستكون بداية لتصعيد يُشعِل فتيل مواجهات مسلحة بين “سرايا السلام” و الفصائل الولائية بالحشد الشعبي؟ لاي محاولة مفتعلة أو يكون حادث عرضي أو حادث مدبر عن سبق إصرار وترصد ؟ حاليآ يتم تسريب وبصورة متعمدة ومن خلال وسائل الإعلام وكذلك الصفحات الشخصية لقادة الأحزاب بمختلف منصات التواصل الاجتماعي سيناريوهات محتملة حول أسماء وشخصيات سياسية ونيابية سابقة ولاحقة مرشحة لمنصب رئيس الوزراء القادم . القراءة المسبقة والفرضيات التي طرحتها قيادات التيار الصدري حول النتيجة النهائية للمقاطعة، ومُعتقِداً أن نسبة مشاركة ستكون أقل من 25 % مما ستُجعَل الدورة الانتخابية البرلمانية “غير دستورية”، مُمكِّناً الطعن في شرعيتها أمام المحكمة الاتحادية العليا . ولكن الرياح جاءت عكسية لهم ومن حيث بلغ الإقبال 56.11% – وهو الأعلى منذ 2005 – مُعطِياً الشرعية للفائزين، هذا الفوز يُعزِّز مطالب الميليشيات والفصائل الولائية المسلحة المدعومة إيرانياً بحصة كبيرة من المناصب الوزارية السيادية تحديدا ( بما في ذلك دفاع أو داخلية) واهم الاجهزة الامنية إلا وهو رئاسة جهاز المخابرات ، وبينما يُهمِّش الصدريين تماماً. ولكن هذا التهميش يبقى ليس كاملاً ولان بعض قيادات التيار ما زالت تحتفظ بمناصب في الحكومة السودانية ، وسرايا السلام – الجناح العسكري الصدري – لا تزال جزءاً حيوياً وفاعلا في مؤسسة من الحشد الشعبي وهذه “الوجودية المُعلَّقة” بدورها تُحوِّل “سرايا السلام” إلى قنبلة موقوتة ، في انتظار “إشارة البدء” من الصدر، والذي ما يزال يراه الجميع كـ”الزعيم الروحي” لملايين الشيعة الفقراء والمهمشين في الوسط والجنوب. وسيناريوهات هذه الديناميكيات تُشْبِهُ الى حد بعيد اعادة سيناريو 2019 : ثورة تشرين أطاحت برئيس الوزراء السابق ” عادل عبد المهدي ” ولكن ستكون الآن و إذا حدثت فسوف يتصدرها التيار الصدري . وفي سياق استعراضنا لتغريدة السيد مقتدى الصدر – تلك الصرخة الدامغة التي وصفت فيها صراحة لا لبس فيها او تاويل “السلاح المنفلت” و”المليشيات تتقاسم السلطة” وحماية “الفساد والفاسدين” – نجد انفسنا امام لغة انفعالية ليست مجرَّد تعبير عن غضب شخصي، بل إشارة إلى عاصفة قادمة.
الساعة الثامنة مساءا بتوقيت بغداد من يوم الاثنين 17 ت2 وما نزال نتابع المؤتمر الصحفي الإعلامي والذي كان من المفترض أن يعقد بالساعة السادسة مساءا “المفوضية العليا المستقلة للانتخابات” إعلان موعد النتائج النهائية لانتخابات “مجلس النواب” السادس، وهي لم تتغير بصورة جذرية وتكون ملفت للنظر بعد اعلان النتائج الاولية وحصة كل تحالف انتخابي من عدد المقاعد التي حصل عليها المهم لنا بأن تغريدة السيد “الصدر” المتقلبة والمثيرة للجدل قد اجبرت قادة “الاطار التنسيقي” على تعجيل منظومة الاحتواء قدر الامكان وانقاذ ما يمكن انقاذه ولكي لا تتطور الامور في الايام القادمة وتخرج عن نطاق السيطرة، مدركين جيدآ في الوقت عينه بأن أي تراخ قد يحول “شكوى تغريدة الحنانة ” الى عاصفة تعطل كل مسار الشكل الحكومي وفي هذه اللحظات الحرجة، وبعد ختام إعلان النتائج النهائية سوف يتجه ممثل الإطار الى “الحنانة” وفي هذا المشهد يُختزل كل معنى “للديمقراطية” إلى مجرد ورقة مساومة تُعرض على ” الصدر” للحصول على “البركة” والشرعية الدينية وهذه الرحلة إلى “الحنانة” هي اعتراف صريح بأن اللعبة السياسية في العراق لا تزال تدور في فلك الولاءات والوصايات، وأن “الإرادة الشعبية” مجرد تذكرة دخول إلى قاعة المساومة الكبرى، حيث تُباع وزارات ودوائر ومقدرات بلد بأكمله خلف ستار التحالفات , وكذلك لفهم أكثر الى الآلية التي يرغب بها “الصدر” في تشكيل الحكومة، والاستقصاء الاقتراحات والمطالب التي يطرحها على مبعوثهم . لانهم يعرفون جيدآ أنهم – بهذه المقابلة – لا يريدون فتح جبهة اخرى تعرقل بشكل قاطع ومؤثر اختيار رئيس الوزراء وتركيب الكابينة الوزارية، وما هي المناصب التي يرغب “الصدر” بان يحصل عليها اتباعه او من يرشحهم – هذا اذا جرى اجتماع “الحنانة” كما تشتهي سفن قادة الاطار التنسيقي . ولكن اذا هبت رياح “الحنانة” العاصفة الرعدية، فإنها ستغير هذا المسار وتتحطم على صخرة الحنانة ب عدم المقبولية، اذ أن شبح ” ثورة تشرين ” اخرى قد يلوح في الافق لاسقاط اي حكومة قادمة لا تتماشى مع رغبات زعيم “التيار الصدري”. الايام القادمة ستكون حبلى بالمفاجات، لان الرقم الاصعب في هذه المعادلة لم يشارك في الانتخابات البرلمانية السادسة، وهنا يكمن خطر بيت القصيد.في نهاية , يبقى السؤال الحاسم: هل ستكون “الحنانة” بابا للتوازن الوطني، ام فتيل الفوضى لتعيد اشباح الماضي؟ العراق ينتظر – والايام القادمة ستكشف ان كانت رياح “الصدر” ستكون ” نسيما ” على قادة الاطار التنسيقي أم أنها ” تسونامي” تحمل معها نهاية وتمنياتي لتسهيل الموافقة على تشكيل الكابينة الوزارية والاهم مقبولية الشخصية السياسية التي سوف تستلم زمام الامور؟ ولان التجارب السابقة كانت معظمها لا تبشر باي خير فهل سيكون القادم يتفقون عليه داخليآ وخارجيآ , والخلاصة التي تفرضها تغريدة ” الحنانة” وتحوي للمتابع بأنها أشبه بالبيان “رقم واحد” وأن العراق على حافة الهاوية والمشهد القادم ليس مشهد تشكيل حكومة ، بل مشهد إعادة ترتيب تحالفات القوى تحت تهديد السلاح . والصراع القادم لن يكون بين مشاريع وطنية وتنمية اقتصادية وبشرية شاملة ، ولكن ينظر اليها حاليا بأنها صراع بين أطماع شخصية وفصائلية تتبارى في نهش ما تبقى من جسد الدولة العراقية ولان اللعبة السياسية لم تعد مقصورة على توزيع المناصب والامتيازات ، بل أصبحت رهينة بتوازن داخلي وخارجي أكثر قسوة من ذي قبل . ولان إي تهميش متعمد لطرف يمتلك القوة المؤثرة والجماهيرية الشعبية ، وتحت غطاء نتائج انتخابات والمستقبل القريب سيكشف إن كانت الأطراف تتعلم من دروس الماضي، أم أن العراق مقبل على فصل جديد من العنف، قد يكون الأقسى والاوجع في تاريخه الحديث؟.