لندن ـ « القدس العربي»: استحضرت الحكومة البريطانية برئاسة كير ستارمر أقوى أدوات الضغط للسيطرة على ملف الهجرة غير النظامية، فاستنسخت التجربة الدنماركية وإجراءات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وذلك من أجل تقليص هامش الحماية الذي يتمتّع به اللاجئون على نحو كبير، والحد من التقديمات الاجتماعية التي يستفيد منها تلقائيا طالبو اللجوء.
ولم يتم الإعلان عن تاريخ البدء بتطبيق الإجراءات الجديدة، وما إذا كانت ستطبق فقط على القادمين الجدد، مع ترجيح كثير من المصادر الحقوقية ألا يتم تطبيق القوانين الجديدة بمفعول رجعي.
وذهبت وزير الداخلية شبانة محمود إلى اعتبار أن قضية اللجوء والهجرة تثير انقساما داخل المجتمع البريطاني، وأن هناك هدفا أخلاقيا يتجسد في حل معضلة هذا الانقسام. ومهدت شبانة محمود لذلك بالقول إنها تعود بجذورها إلى عائلة مهاجرة لكنها جاءت إلى بريطانيا بطريقة قانونية.
التجربة الدنماركية
أبرز التغييرات التي تحدثت عنها وزيرة الداخلية امام البرلمان البريطاني تتمثل في جعل وضع اللاجئ مؤقتا وغير مستقر، بحيث ستزيد مدة انتظار الحصول على إقامة دائمة إلى أربعة أمثالها لتصبح 20 عاماً بدلا من خمسة أعوام.
وأوضحت الحكومة أن الإصلاحات ستكون مستوحاة من نهج الدنمارك، الذي يعد من أكثر السياسات صرامة في أوروبا وتعرض لانتقادات واسعة من جماعات حقوق الإنسان.
وبناء عليه سيتم إلغاء الواجب القانوني المتمثل في تقديم الدعم لبعض طالبي اللجوء، بما في ذلك السكن والإعانات الأسبوعية. وأضافت الوزارة أن هذه الإجراءات ستطبق على طالبي اللجوء القادرين على العمل لكنهم يختارون عدم القيام بذلك وعلى من يخالفون القانون. وذكرت أن الأولوية في الحصول على الدعم الممول من دافعي الضرائب ستكون لمن يساهمون في الاقتصاد والمجتمعات المحلية.
سهولة الترحيل
وستُجري بريطانيا تعديلات شاملة على نهجها تجاه قوانين حقوق الإنسان لتسهيل ترحيل المهاجرين الذين يصلون إلى البلاد بشكل غير قانوني
وقال رئيس الوزراء كير ستارمر في بيان: “ستمنع هذه الإصلاحات الطعون التي لا نهاية لها، وتُوقف طلبات اللحظة الأخيرة، وتزيد من عمليات ترحيل من لا يملكون الحق في البقاء هنا”.
وقالت الحكومة إن المهاجرين يسيئون استخدام المادة الثامنة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، التي تُعنى بالحق في حياة أسرية، لتأخير ترحيلهم من بريطانيا. وأوضحت الحكومة أنه ستكون هناك أيضا إصلاحات لتبسيط نظام الاستئناف وتسريع وتيرة ترحيل المجرمين ومنع إساءة استخدام قوانين العبودية الحديثة لعرقلة عمليات الترحيل
وتريد الحكومة قوانين جديدة تُوضح أن الصلة الأسرية تعني صلة القرابة المباشرة، مثل أحد الوالدين أو الطفل، مما يمنع الأشخاص من “استخدام علاقات مشبوهة للبقاء في المملكة المتحدة”.
وأبدت الحكومة رغبتها في البقاء ضمن الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وسط دعوات من حزب الإصلاح المعارض وبعض أعضاء حزب المحافظين لبريطانيا بالانسحاب منها نهائيا.
ويمكن اختصار أبرز معالم الخطة الجديدة بالتالي :
– تحويل وضع اللجوء إلى حماية مؤقتة بحيث لن تُمنح الإقامة الدائمة تلقائياً.
– سيتم تقييم حالة اللاجئ كل عدة سنوات لمعرفة ما إذا كان بالإمكان عودته لبلده.
– قد يتم إرسال بعض طالبي اللجوء إلى دول شريكة للنظر في ملفاتهم، على غرار النموذج الدنماركي.
– تقليص بعض امتيازات السكن والدعم المالي.
– التركيز على قدرة اللاجئين على العمل والاكتفاء الذاتي.
استخدام تقنيات حديثة لتحديد عمر مقدمي الطلبات، لتحديد الأطفال منهم بشكل دقيق وتعزيز الفحص الأمني خاصة للواصلين عبر قنوات غير شرعية. فتح قنوات قانونية محددة للأشخاص الأكثر عرضة للخطر، لتقليل الاعتماد على العبور غير المشروع.
واجهت السياسات الجديدة انتقادات وخاصة من الجمعيات الخيرية التي اعتبرت أن موقف الحكومة متشدد بشأن الهجرة، وأنه يدفع اليائسين إلى مزيد من الفقر. ووجّهت أكثر من 100 جمعية خيرية بريطانية رسائل إلى وزيرة الداخلية تحثها فيها على “التوقف عن استخدام المهاجرين كبش فداء وعن السياسات الاستعراضية التي لا تسبب سوى الضرر”، معتبرة أن هذه الخطوات تغذي العنصرية والعنف.
كما صدرت انتقادات من بعض نواب حزب العمال خاصة لجهة عمليات الترحيل المرتقبة، وبالمقابل شككت أوساط حزب المحافظين في مدى إمكانية تطبيق الإصلاحات كاملة، معتبرين أن بعض المقترحات “لن تُنفّذ عملياً رغم وصفهم الخطة بأنها جوهرية .
أما أوساط حزب الإصلاح اليميني المتطرف فاعتبر الإصلاحات بأنها قريبة جدا إلى ما يطالب به لكنه في نفس الوقت شكك في إمكانية تطبيق بعض الإصلاحات بسبب القوانين الأوروبية (مثل الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان).
كذلك أعربت مجموعات مدافعة عن حقوق الانسان عن قلقها من أن الإصلاحات ستعاقب أشخاصًا فرّوا من العنف أو الاضطهاد وأن “هذه التغييرات ستعاقب أشخاصًا فقدوا كل شيء.
يأتي الإعلان عن الخطوة في حين يواجه رئيس الوزراء العمّالي كير ستارمر ضغوطا متزايدة لكبح الهجرة غير النظامية مع تزايد التأييد لليمين المتطرف.
وتقدم 109,343 شخصا بطلبات لجوء في المملكة المتحدة في العام المنتهي في مارس آذار 2025، بزيادة قدرها 17 في المئة عن العام السابق، وستة في المئة فوق الذروة المسجلة عام 2002 والتي بلغت 103081 طلب لجوء.
وصل منذ مطلع العام أكثر من 39 ألف شخص بشكل غير قانوني عبر القناة الإنكليزية على متن قوارب غير آمنة، وهو رقم يتخطى ما سجّل على هذا الصعيد في العام 2024 لكنه يبقى أقل من العدد القياسي المسجّل في العام 2022.
نموذج ترامب
وفي إطار الضغط لترحيل لاجئين من بريطانيا إلى بلدانهم، ستمنع وزيرة الداخلية البريطانية شبانة محمود ثلاث دول من الحصول على تأشيرات دخول المملكة المتحدة إذا فشلت في استعادة المهاجرين غير القانونيين .
وستواجه ثلاث دول أفريقية، أنجولا وناميبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، عقوبات على التأشيرات، مما يمنع السياح وكبار الشخصيات ورجال الأعمال التابعين لها من السفر إلى بريطانيا إذا لم تتعاون بشكل أكبر في ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، بحسب وكالة بي إيه ميديا البريطانية. وأفادت صحيفة “التايمز” أن هذه الخطوة مستوحاة من وزيرة الأمن الداخلي في إدارة ترامب، كريستي نويم.
وقالت وزير الداخلية البريطانية بهذا الصدد: “رسالتي إلى الحكومات الأجنبية اليوم واضحة: اقبلوا عودة مواطنيكم أو اخسروا امتياز دخول بلدنا”.