كيف أصبح أحمد الشرع الشاب جهادياً؟ حسب شهادته، أدى به اندلاع الانتفاضة الثانية في بداية سنوات الألفين لتبني مذهب فكري إسلامي متطرف، فينتقل من سوريا إلى العراق وينضم إلى صفوف “القاعدة” و”داعش” كي يقاتل القوات الأمريكية التي احتلت تلك الدولة. هؤلاء ألقوا القبض عليه، فقضى بضع سنوات في السجون الأمريكية إلى أن تحرر. عندما عاد إلى سوريا في العام 2012 بعد أن نشبت فيها الحرب الأهلية، أقام تنظيم جبهة النصرة كفرع سوري لتنظيم “داعش”. لكن في السنوات التي تلت ذلك، بدأ يلطف حدة تصريحاته، ففك ارتباطه عن “داعش” و”القاعدة”، وأعلن بأن الولايات المتحدة ليست عدواً، وأن رجاله لن يمسوا بأهداف أمريكية. رجاله الذين سيطروا على هضبة الجولان السورية في حينه، حافظوا على الهدوء على طول الحدود مع إسرائيل. هذه الأقوال لم تترك أثرها على الأمريكيين؛ فقد عرّفوا تنظيم الشرع/الجولاني كتنظيم إرهابي، وقرروا جائزة مالية بمقدار 10 ملايين دولار على رأسه، وبعثوا بطائرات وقوات خاصة للمس به وبرجاله.
غير أنه منذئذ، تدفقت مياه كثيرة في نهر واشنطن، وفي الأسبوع الماضي استقبل الشرع كضيف شرف في البيت الأبيض، فيما رغب الجميع، وبخاصة ترامب، في تكريمه.
دفاعاً عن نفسه، يشرح الشرع بأن ماضيه الجهادي في صفوف “القاعدة” و”داعش” كان بمثابة طيش شباب لشاب في العشرينيات من عمره، وأنه نضج وغير طريقه وآراءه. تعزو الولايات المتحدة في صالحه أنه منذ استولى على الحكم في سوريا كاد لا يرتكب أخطاء، ويحرص على قول وفعل أمور يراها الأمريكيون صحيحة. وبقي حيال إسرائيل، على موقف في الظل، ويكرر رغبته في الوصول معها إلى اتفاق أمني يضمن الهدوء على الحدود التي بين الدولتين.
ومع ذلك، يدور الحديث عن جهاد تنغرس جذوره في “القاعدة” و”داعش”. وفي الوقت الذي يطلق فيه ابتسامات للغرب ولإسرائيل، يحول سوريا إلى دولة إسلامية متزمتة ومضطهدة، وغير مرة ذابحة أيضاً لأبناء طوائف الأقليات، العلويين والدروز بل وحتى المسيحيين؛ دولة تسعى لفرض نمط حياة إسلامي ديني على الأغلبية العلمانية (بتعابير شرق أوسطية) التي تعيش فيها.
كل هذا لا يحرك لدى الرئيس ترامب ساكناً؛ فقد اتخذ قراراً بأن الشرع سيكون رجله في سوريا. ودفاعاً عن موقف ترامب، ربما نقول إن سوريا لا تهمه حقاً، ومذكور تصريحه من العقد الماضي بأن سوريا “رمال وموت” وسكانها غارقون في نزاعات قبلية. وعليه، فقد شرح ترامب في حينه بأن ليس لإدارته أي نية للتدخل في ما يجري في هذه الدولة.
وفضلاً عن ذلك، مرت الأيام التي كان فيها قمع الأقليات أو حريات الإنسان تقلق أحداً ما في واشنطن. يبدو أيضاً أن تلك الأيام التي درج فيها الأمريكيون على التشاور مع إسرائيل وتنسيق خطواتها معها، باتت أياماً من الماضي. أما اليوم لم يعد البيت الأبيض يحصي إسرائيل، واستبدل بها صديقي ترامب المقربين: الرئيس التركي اردوغان الدكتاتور المؤيد والمتحمس لحماس، وإلى جانبه أمير قطر، زعيم متنور آخر لدولة تنشر التطرف، وهذان الاثنان تبنيا الشرع إلى حضنهما، والآن يسير الرئيس الأمريكي في أعقابهما أيضاً.
وفي هذه الأثناء، يسوق الشرع نفسه لترامب أنه سيعمل على إنهاء الحرب الدامية في سوريا، ويقاتل إرهاب “داعش”، ويخدم المصالح الأمريكية، وقد يوقع على اتفاق مع إسرائيل.
رغم تخوف إسرائيل لما بعد 7 أكتوبر، لا يشكل الشرع تهديداً علينا اليوم، فهو يقف في رأس دولة خربة بلا جيش ويرى في “حزب الله” وإيران عدوين مكروهين، وتهديداً مركزياً يقف أمامه.
هذا الأمر يمنح إسرائيل مجال مناورة تجاه الشرع، ولكن حكومة إسرائيل لهذا الغرض تبدو مطالبة ببلورة سياسة في المسألة السورية، الأمر الذي لم تفعله حتى اليوم. وبغياب سياسة إسرائيلية، فترامب هو من يقرر عنا – في الشهر الماضي بشأن غزة، والآن بشأن سوريا أيضاً.
إسرائيل اليوم 16/11/2025