بغداد ـ «القدس العربي»: تصدّرت الأحزاب والتحالفات السياسية الشيعية نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة 2025، بحصولها على أكثر من 170 مقعداً في البرلمان الجديد، الأمر الذي يمنحها فرصة لتشكيل الحكومة الجديدة في حال التزمت بوحدتها ضمن تحالف «الإطار التنسيقي»، الممثل السياسي للشيعة، باستثناء التيار الصدري، وتجاوز خلافات عميقة لا سيما بين رئيس الوزراء زعيم ائتلاف «الإعمار والتنمية» محمد شياع السوداني، الطامح لولاية ثانية، وبين رئيس ائتلاف «دولة القانون» نوري المالكي، أشدّ المعترضين على ذلك الطموح.
ورغم كشف نتائج الانتخابات التشريعية «شبه النهائية» أوزان الأحزاب والتحالفات السياسية، غير أن المشهد لا يزال ضبابياً أمام تحديد شكل الرئاسات الثلاث في المرحلة المقبلة، إذ لا يزال الأمر مرهوناً بجولات من المفاوضات والتوافقات بين المكوّنات (شيعة، سنة، أكراد) وبين المكوّن نفسه.
دستورياً، من المنتظر إعلان المفوضية النتائج النهائية للانتخابات التشريعية 2025، قبل أن تتم المصادقة عليها من قبل المحكمة الاتحادية، ليصار بعدها إلى دعوة رئيس الجمهورية الحالي أعضاء البرلمان الجُدد إلى عقد أولى جلسات المجلس الجديد، برئاسة رئيس السنّ «أكبر أعضاء مجلس النواب الجدّد سنّاً»، خلال 15 يوماً من المصادقة على نتائج الانتخابات.
ويختار أعضاء مجلس النواب الجدد رئيساً جديداً للبرلمان ونائبيه، قبل أن ينتخب رئيساً للجمهورية خلال مدّة 30 يوماً من أول انعقاد للبرلمان الجديد، الذي بدوره سيكلف مرشح «الكتلة البرلمانية الأكبر» بتشكيل الحكومة الجديدة.
المهمة الأبرز لدى الشيعة هي تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر أولاً، ثم التوافق على مرشحي رئاسة الوزراء، الذي يحتاج إلى تصويت «ثلثي» أعضاء مجلس النواب (مجموع النواب 329 نائباً) خلافاً لمنصبي رئاسة الجمهورية والبرلمان – يحتاجان إلى أغلبية بسيطة (نصف + 1).
بعد الانتخابات النيابية… و«الكتلة الأكبر» مرهونة بوحدة «الإطار»
وفي حال توصّل «الإطار» إلى اتفاق «المضيّ بالاتحاد» وتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر، فإن ذلك يعني قطعه نصف مسافة الطريق نحو اختيار رئيس وزراء جديد، أما السيناريو الآخر المطروح فيذهب في اتجاه انقسام «الإطار» إلى فريقين؛ الأول برئاسة السوداني والآخر يقوده المالكي، ما يحتم عليهما خوض سلسلة مفاوضات مع بقية القوى السياسية خارج أسوار «الإطار» من السنّة والأكراد لتأليف «الكتلة الأكبر».
في هذا السيناريو يمكن أن تشهد مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة عودة دور «الثلث المعطّل»، الذي يمكن أن يلجأ له الفريق الآخر لعرقلة التصويت «بأغلبية الثلثين» على مرشح رئاسة الوزراء.
حوار وتفاوض
وفور إعلان النتائج ظهر السوداني معلناً انفتاح ائتلافه على جميع القوى السياسية الوطنية «دون استثناء»، وأن المرحلة المقبلة ستشهد «حواراً وتفاوضاً» لتشكيل الحكومة الجديدة.
وفي كلمة له مساء أول أمس، وخلفه أعضاء ائتلافه، قال السوداني، إن حكومته «تثمن دور الدول الشقيقة والصديقة والمراقبين الدوليين على إسهامهم في إظهار شفافية العملية الانتخابية ودقتها»، معتبرًا أن «نسبة المشاركة التي تجاوزت 56.11٪ هي دلالة أكيدة على نجاح آخر تمثل في استعادة الثقة بالنظام السياسي، وأن العراقيين اختاروا طريق الإصلاح والبناء الذي رسمه البرنامج التنفيذي لحكومتهم».
وأشار إلى أن «العراق انطلق في ضوء النهضة الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية التي يشهدها نحو ترصين مؤسساته الدستورية وتقوية مسار الدولة»، مؤكدًا أن «منهج عمل الائتلاف في المرحلة القادمة سيراعي إرادة كل الناخبين ومصلحة جميع أبناء الشعب، ومن ضمنهم من اختار المقاطعة. العراق للجميع أولاً وأخيراً».
ووجّه التحية إلى «كل القوى السياسية الفائزة والمشاركة في هذه الانتخابات»، مشددًا على أن «المنافسة انتهت، وقرار شعبنا صار هو الحكم في اختيار ممثليه في مجلس النواب»، داعيًا الجميع إلى «جعل المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، وأن يكون الحوار والتعاون الميدان الوطني المستدام لخدمة العراقيين بما يحترم إرادة الناخبين ويجعل صوتهم أساس المرحلة المقبلة ومسارها السياسي».
وأوضح أن «المرحلة المقبلة ستشتمل على التفاوض انطلاقًا من روح وطنية جامعة ومسؤولة، تهدف إلى بلورة شكل الحكومة الجديدة، حكومة كفوءة قادرة على تنفيذ البرامج والالتزامات»، مبيناً أن «المضي في تقديم الخدمة وحماية مصالح البلد العليا هو أمر لا يحتمل المجاملات، بل يتطلب وضوحًا وشجاعة في اتخاذ القرار».
بناء تفاهمات رصينة
وأكد أن «ائتلاف الإعمار والتنمية منفتح على جميع القوى الوطنية دون استثناء»، منوهاً بأن الائتلاف «سيتعامل بروح المسؤولية الموضوعية والقانونية التي تليق بتضحيات العراقيين، وبالثقة التي وضعها أبناء شعبنا في منجزات حكومتهم وخططها»، مشددًا على أن الهدف هو «بناء تفاهمات رصينة تحترم الدستور وتضمن المشاركة الحقيقية للجميع في القرار».
واختتم كلمته بالتأكيد على أن شعار الائتلاف سيبقى «العراق أولاً»، قائلاً: «كان ولا يزال شعارنا العراق أولاً، وهو شعار يرفعه ائتلاف الإعمار والتنمية ولا يملكه، بل ندعو الجميع إلى تبنيه واتخاذه نبراساً لرسم خطوط المستقبل وتحقيق مصالح شعبنا العراقي بكل أطيافه وشرائحه، وفي كل مكان من أرض الفراتين الطيبة. حفظ الله العراق والعراقيين، والمجد والرفعة لتضحيات شهداء العراق».
خريطة النتائج بالأرقام
وفق النتائج «شبه النهائية» للانتخابات العراقية، فإن ائتلاف «الإعمار والتنمية» بزعامة محمد شياع السوداني، حصل على نحو 46 مقعداً في البرلمان الجديد، بعد تصدّره في محافظات بغداد، والبصرة، وكربلاء، والنجف، والقادسية، وبابل، وواسط، وذي قار، والمثنى.
وحسب إيضاح أورده الخبير القانوني جمال الأسدي للقوى السياسية الشيعية، فإن ائتلاف «دولة القانون»، حقق نحو 29 مقعداً، وحركة «الصادقون» التابعة لحركة «عصائب أهل الحق» بزعامة قيس الخزعلي، نحو 27 مقعداً، ومنظمة «بدر» نحو 18 مقعداً، وتحالف «قوى الدولة الوطنية» نحو 18 مقعداً أيضاً، وتحالف «الأساس الوطني»، نحو 8 مقاعد، وحركة «حقوق» 6مقاعد، و«إشراقة كانون» 6 مقاعد أيضاً، وتحالف «خدمات» 66 مقاعد، وتحالف «أبشر يا عراق» 4 مقاعد.
سنّياً، وفقاً لتحليلات الأسدي فإن تحالف «تقدم» حصل على 28 مقعداً، متصدراً المحافظات الغربية (الأنبار، بغداد، نينوى، صلاح الدين، كركوك) ويُعد الكتلة السنية الأولى من حيث عدد المقاعد، فيما احتل المرتبة الثانية على المستوى الوطني، تلاه تحالف «عزم العراق»، لمثنى السامرائي، بـ15 مقعداً، متمركزًا في نينوى وصلاح الدين والأنبار، ويشكل ثاني أكبر الكتل السنية تمثيلًا، ثم تحالف «السيادة الوطني» لخميس الخنجر، بـ9 مقاعد.
وعلى المستوى الكردي، تشير بيانات الأسدي إلى تصدّر الحزب «الديمقراطي الكردستاني» برئاسة مسعود بارزاني النتائج بـ18 مقعداً، متصدراً محافظات أربيل ودهوك وله تمثيل واسع في نينوى، يليه «الاتحاد الوطني» الكردستاني، بزعامة بافل طالباني، بـ14 مقعداً، متمركزًا في السليمانية وكركوك، ويحتفظ بمكانته كثاني أكبر حزب كردي، فحراك «الجيل الجديد» بزعامة ساشوار عبد الواحد، بـ6 مقاعد نيابية.
ورغم ذك، فإن تلك الإحصائيات خاضعة لإجراءات المفوضية والهيئة القضائية، لذلك فإنها تعدّ غير نهائية خصوصاً فيما يتعلق بعدد المقاعد، لكن ترتيب التحالفات والأحزاب يعدّ ثابتاً إلى حدٍّ شبه نهائي.