الوثيقة | مشاهدة الموضوع - البعد الآخر لنهاية معركة “صناديق الانتخابات” وبداية معركة اشهار بنادق السلطة باختيار “رئيس الوزراء”؟ صباح البغدادي
تغيير حجم الخط     

البعد الآخر لنهاية معركة “صناديق الانتخابات” وبداية معركة اشهار بنادق السلطة باختيار “رئيس الوزراء”؟ صباح البغدادي

مشاركة » الأربعاء نوفمبر 12, 2025 12:33 am

مع اقتراب الساعة التاسعة والنصف مساءا بتوقيت بغداد , ونحن ما زلنا نتابع عن كثب ما سوف تسفر عنه نتائج صناديق الاقتراع ونسبة المصوتين والتي بلغت لغاية الساعة الثالثة عصرا 23 % حسب التسريبات الاولية من على منصات التواصل الاجتماعي ؟ وكما توقعناه النسبة في مقالنا السابق والتي ستكون بين نسبة 25% إلى 30% باحسن الاحوال وحتى مع التزوير إذا وجد ؟ ولكن ما لاحظناه , فقد بدأ لنا اليوم بمشهد يُشبه الدعاية الانتخابية المباشرة، حيث نقلت القناة الإخبارية العراقية الحكومية – التي تُدار كأداة للنخبة الحاكمة (1) – صورًا حية لرئيس الوزراء “السوداني” وهو يدلي بصوته في مركز اقتراع ، مصطحبًا والدته الكريمة السيدة الفاضلة وهي على كرسي متحرك. هذا الرمز المقدس العائلي ، والذي قد يُقرأ لنا كمحاولة لكسب تعاطف الناخبين في مجتمع يُقدر الروابط الأسرية كقيمة ثقافية واخلاقية عالية المقام ، ولكنه ليس جديدًا في السياسة العراقية. ولكن الخرق الحقيقي جاء عندما سُمح لكاميرات التلفزيون بتصوير “السوداني” داخل الكابينة الانتخابية نفسها، مخالفًا صراحةً تعليمات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والتي تحظر بدورها أي توثيق لعملية التصويت السرية لضمان نزاهتها وحياديتها. فهل هذا كان مجرد “خطأ فني”، أم أنه كان عرض للقوة ولتأكيد أن القانون ينحني أمام السلطة التنفيذية؟ في نظام المحاصصة الطائفي، حيث يُدار الاقتصاد النفطي كغنيمة، ومن غير المرجح أن يُعاقب “السوداني”؛ فهو الرجل الذي يُدار به التوازن الدقيق بين واشنطن وطهران، وأي عقوبة قد تُهدد الاستقرار النسبي الذي حققه بعد احتجاجات تشرين 2019. بدلاً من ذلك، قد يُستخدم هذا المشهد كدليل على “الشفافية”، في حين يُتهم الآخرون بالتزوير إذا لم تُفِد قائمته “الأعمار والتنمية”.
أما الانتهاك الأكثر والذي إثارة للجدل، فهو السماح لمستشار في السفارة الإيرانية (2) وحسب ما بثته قناة الرشيد الفضائية بالتجول بحرية في مراكز الاقتراع، بل والدخول إلى الغرف الخاصة بالتصويت، وكما شاهدناه على منصات التواصل الاجتماعي وهذا التصرف، الذي يُعتبر خرقًا فاضحًا لقوانين الانتخابات التي تحظر أي تدخل أجنبي، يُذكر بالنفوذ الإيراني العميق في العراق منذ 2003، حيث تُدار فصائل الحشد الشعبي كذراع لطهران. فهل يُسمح لمسؤول عراقي بتجول في مراكز اقتراع طهران لـ”مراقبة” الناخبين أو توجيههم؟ بالطبع لا، فهذا سُيُعتبر عدوانًا على السيادة. لكن في بغداد، يبدو أن “الحسن الجوار” مع إيران يعني التنازل عن السيادة، خاصة مع سيطرة “الإطار التنسيقي” الشيعي – المدعوم من طهران – على معظم الكتل الانتخابية. هذا التجول ليس مجرد زيارة؛ إنه إشارة إلى أن الأصوات في المحافظات الشيعية مثل النجف وبابل تُدار عبر شبكات ولائية، حيث يُشترى التصويت بعطايا وتهديدات. ثم جاءت لنا قبل أيام القشة التي كسرت ظهر مصداقية الانتخابات البرلمانية ومن خلال تصريحات المتحدث باسم الخارجية الإيرانية “إسماعيل بقائي” في مؤتمر صحفي، نقلته وسائل إعلام إيرانية رسمية، لتُشعل فتيل التوتر الدبلوماسي: “الانتخابات العراقية تمثل محطة مصيرية لتحديد مستقبل الشعب العراقي”، مشددًا على أن “أي تدخل أجنبي في هذا المسار مرفوض ومُدان من قبل طهران والشعب العراقي والدول المسؤولة في المنطقة”.هذا التصريح، الذي يُقرأ كتحذير للنفوذ الأمريكي (الذي يُتهم يدعم قوائم معارضة للإطار)، أثار ردًا حادًا من وزارة الخارجية العراقية، التي وصفته بـ”التدخل الواضح والمرفوض” في الشؤون الداخلية، مؤكدة أن العملية الانتخابية “شأن وطني خالص يخضع لإرادة الشعب العراقي ومؤسساته الدستورية حصراً”. وهنا تكمن الاستشراقية الحقيقية: حسنآ ولما لا فإيران تُدين “التدخل الأجنبي” بينما تمارسه عمليًا عبر سفارتها ووكلائها، فيما يُجبر العراق على التوازن بين بغداد وطهران، محافظًا على علاقات “متوازنة” مع الجيران او هذا ما يصرحون به لوسائل الاعلام ولكن تبقى الحقيقة كما هي من دون رتوش أو تزويق؟ نعم إيران لديها حصة الاسد من العراق وليس مزاد الدولار للبنك المركزي العراقي عنا ببعيد .
مع إغلاق صناديق الاقتراع عند السادسة مساءً، فقد أفاد “تحالف شبكات مراقبة الانتخابات” عن تسجيل كم هائل من الخروقات والتعدي وحتى حالات توزيع بطاقات انتخابية من قبل مرشحين على الناخبين واجبارهم على التصويت لقوائم ومرشحين دون غيرهم ، وبالإضافة إلى حالات تصويت جماعي، وشجارات داخل بعض المراكز الانتخابية ومحيطها. حيث يبدو لنا وللوهلة الاولى بأن العراق قد أنهى فصلًا آخر من مسرحية (الديمقراطية )المأساوية من حيث يتسارع اليوم الانتظار لإعلان النتائج الرسمية في الساعات القادمة. ,لكن، وكما في كل مرة، الانتخابات ليست نهاية المعركة، بل ستكون مجرد البداية لصراع أعمق وأعقد , وهذا ما لمسناه خلال الانتخابات السابقة وماراثون طريقة اختيار “رئيس الوزراء” والذي قد يمتد لاشهر عديدة بالاضافة الى الصراع على المناصب والامتيازات، ويُترك فيه الشعب العراقي متفرجًا على تقسيم “الكعكة الدسمة”، محتسبًا ما إذا كان سيحظى بفتات يُرمى إليه، أم أنها ستُبتلع كلها قبل أن يمد يده.في جو من اللامبالاة الشعبية الواضحة، يعود جزئيًا إلى مقاطعة التيار الصدري البارزة، مقاطعتهم ليست مجرد رفض، بل ضربة لشرعية أي حكومة قادمة، تُذكر بغزو المنطقة الخضراء في 2022 الذي أودى بحياة 30 شخصًا، وتُنذر بتوترات أمنية قد تعصف بالاستقرار النسبي الذي حققه رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني. ولكن الصراع الحقيقي يبقى بين قائمتي “الأعمار والتنمية” للسوداني وقائمة “دولة القانون” لنوري المالكي، الرجل الذي يسعى لولاية ثالثة بعد فترتين مثيرتين للجدل (2006-2014)، حيث اتهم بتعزيز الطائفية وزرع بذور داعش. التسريبات تشير إلى تفوق محتمل لقائمة السوداني، هنا سوف تبدأ لنا “الحرب” الاستشراقية الحقيقية: اختيار رئيس الوزراء، حيث يتنافس السوداني على ولاية ثانية مقابل طموح المالكي للعودة لولاية ثالثة . القوائم الأخرى – من السنة المتناحرة بين الحلبوسي والمشهداني، إلى الكرد بين الحزب الديمقراطي والتحالف الوطني – تترقب حصتها “الكاملة غير المنقوصة” من الكعكة. ففي نظام المحاصصة، يُخصص الرئيس للكرد، البرلماني للسنة، وكرسي رئاسة الوزراء للشيعة، لكن الامتيازات الحقيقية تكمن في توزيع الوزارات، ومدراء الشركات الحكومية، والصفقات النفطية. هنا يبرز الدور الدولي: هل تدعم واشنطن “السوداني” لضرب قوات الحشد الشعبي والفصائل المسلحة الموالية لإيران، أم تتدخل طهران لفرض “المالكي”؟ ولكن ماذا عن حلاً وسطيًا، مثل شخصية مستقلة من خارج العملية الانتخابية، تحتفظ كل قائمة بمناصبها كما في صفقات سابقة؟ وفي هذا السياق الاستباقي، يُخشى أن تؤدي النتائج إلى تصعيد أمني خطير وحتى الى نشوب صراع مسلح فيما بين القوائم وكما حدث اليوم في مراكز انتخابية حيث استخدم السلاح الحكومي لغرض فض اشتباكات بين فصائل مسلحة تدعم مرشحين دون غيرهم ، وليست سوى واجهة لنظام يُدار بالوراء، حيث يُشترى الصوت ويُدار الاقتصاد كغنيمة حرب. الشباب العراقي، الذي قاد احتجاجات ثورة تشرين 2019، يرى في هذا التمثيل الزائف تعزيزًا للفساد، مما يُنذر باحتجاجات جديدة قد تهز الاستقرار النسبي.أما المواطن العراقي البسيط، فهو الخاسر الأكبر. بينما يتقاسم النخب الشيعية – الذين يُنظر إليهم غربيًا كـ”ورثة الجدد للعراق” – الثروات النفطية والامتيازات، ويُرمى للشعب الفتات هذا اذا بقي لهم فتات من توزيع كعكة الغنائم والامتيازات على القوائم والوعود بالإصلاح تذوب مع كل صفقة . فهل ستكون هذه الانتخابات نهاية عصر، أم مجرد فصل آخر في رواية الاستشراق العراقي اللامتناهية؟ الإجابة تكمن في الساعات القادمة وبعد الإعلان النهائي للنتائج وعدد المقاعد النيابية التي حصلت عليها القوائم الأحزاب وتحالفاتهم … ولكن دروس من التاريخ الانتخابات البرلمانية السابقة تعلمنا بان الكعكة دائمًا ما تُقسم في الخفاء، والشعب يبقى عاريا وجائعًا.
sabahalbaghdadi@gmail.com
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات

cron