الوثيقة | مشاهدة الموضوع - العراق: الداخل ينتخب والخارج يقرر؟ : القدس العربي
تغيير حجم الخط     

العراق: الداخل ينتخب والخارج يقرر؟ : القدس العربي

مشاركة » الاثنين نوفمبر 10, 2025 3:28 pm

2.jpg
 
في يوم «التصويت الخاص» فتحت مقرات صناديق الاقتراع في عموم العراق بواباتها أمام أكثر من مليون وثلاثمئة ألف ناخب يمثّلون سبع مؤسسات تشكّل منظومة الدفاع والأمن في الجمهورية، وتصدّرت وزارة الداخلية قمة الكتلة الناخبة بين هؤلاء بما يقارب 600 ألف منتسب، لتليها وزارة الدفاع بما يقارب 300 ألف ناخب، وفي الشمال، تقدم قرابة 146 ألف ناخب هم عديد وزارتي البيشمركه والداخلية في إقليم كردستان، وأخيرا «هيئة الحشد الشعبي» التي يبلغ تعداد عناصرها 128 ألف ناخب، يتبعها جهاز مكافحة الإرهاب وهيئة المنافذ الحدودية اللذين يمثّلان قرابة 20 ألف ناخب.
يفترض بتصويت هذه الكتلة الناخبة الكبيرة أن تعطي مؤشرات لاتجاه الجمهور العام والمزاج الشعبي في الانتخابات العامة المقبلة في البلاد، وغالبا ما تعتبره الأحزاب والقوى السياسية نوعا من الاستطلاع الأولي لما ستتكشف عنه نتائج الانتخابات.
من جهة أخرى، يمكن عزو نسبة التصويت العالية ضمن هذه الكتلة الناخبة الكبيرة، والتي بلغت أكثر من 60في المئة، إلى أسباب قد لا تنطبق على العموم، وهو ما لن يؤهلها لتكون المؤشّر الحقيقي للتعبير عن مشاعر الخيبة لدى نسبة كبرى من العراقيين من التجربة الديمقراطية التي بدأت عام 2005 إثر الغزو الأمريكي الذي أطاح بالرئيس الأسبق صدام حسين. لم تتمكن هذه الديمقراطية، حسب مجمل الآراء، من حل قضايا مؤرقة كالفساد والبطالة وسوء الخدمات العامة، والتي يعتقد كثير من العراقيين أنها مجرّد آلية لتقاسم غنائم ثروات البلاد بين الجماعات المسلّحة والأحزاب، وهو ما يرجّح أن تكون نسبة المقاطعة هذه المرة أعلى من الانتخابات السابقة.
يلفت النظر، بداية، في الاقتراع العام الذي سيبدأ غدا، أن الناخبين الذين يبلغ عددهم نحو 21 مليون ناخب سيصوّتون لانتخاب 329 يشكّل الرجال المرشحون منهم قرابة 58٪، أي أن هناك نسبة وازنة من المرشحات (حوالي 42٪) يضمن قانون التمييز الإيجابي 25٪ من المقاعد لهن كما يضمن 9 مقاعد للأقليات الدينية.
أهم الأحزاب المتنافسة تتضمن قوى الأغلبية الشيعية الحالية في البرلمان، وهي «ائتلاف الإعمار والتنمية» الذي يقوده رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، و«ائتلاف دولة القانون» الذي يقوده رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، ثم الفصائل المرتبطة بإيران مثل «كتائب حزب الله» و«صادقون» فيما يقاطع تيار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الانتخابات. تتضمن القوى المتنافسة أيضا حزب «تقدّم» ذا الشعبية في المناطق السنيّة، ثم الحزبين الكرديين الرئيسيين، الحزب «الديمقراطي الكردستاني» و«الاتحاد الوطني الكردستاني» وهناك أخيرا كتلة «المستقلّين» الذين قدّموا أداء جيدا في انتخابات العام 2021، وإذا لم يحصل تغيير مهم في مزاج الناخبين العراقيين فمن غير المحتمل أن تتقدّم نسبة هذه الكتلة فعلا، والأغلب أن تتراجع.
تشير هذه الوقائع إلى أن الاتجاه العام للانتخابات المقبلة لا يسمح بتغيير وازن على الخريطة السياسية للبلاد، وأن الحكومة المقبلة التي ستنتج عن هذا البرلمان الجديد لن تكون قادرة على تغيير فعلي في نمط الدولة الريعيّة للنظام السياسي، وأن الصراع الفعليّ سيكون متركزا على مكان آخر غير خدمة العراقيين.
أدت الديناميّات التي حرّكها الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، والتي أدّت عمليا إلى تقاسم نفوذ حرج مع إيران، وإلى حرب أهليّة طائفية دامية، وصولا إلى ظهور تنظيمي «القاعدة» و«الدولة الإسلامية» و«هيئة الحشد الشعبي» بحيث صارت مسؤولية الحكومات موازنة النفوذ الإيراني الذي يسيطر على عشرات الجماعات المسلّحة، والنفوذ الأمريكي الذي يسعى لتفكيك تلك الجماعات.
للأسباب الآنفة، يبدو تصويت ملايين العراقيين، بغض النظر عن الدواعي، تكرارا لتجربة سبقت، سواء كان سببها الأمل بمستقبل أفضل، أو استجابة لتوجهات سياسية، والأغلب أن نتائج هذا التصويت ستكون رهانا على أي النفوذين، الأمريكي أو الإيراني سيتغلّب، وأن الأصوات الوطنية العراقية، التي تريد حكومة تنهي الفساد والنهب وسوء الخدمات وتبعد هيمنة النفوذ الأجنبي بشقّيه، قد تكون بين الأصوات المقاطعة، سواء اتباعا لقرار مقتدى الصدر، أو بداعي اليأس والسخرية كما فعل أحد الناخبين الذين صوّر تصويته لفريق ريال مدريد الإسباني!

ش
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات

cron