الوثيقة | مشاهدة الموضوع - سرقة متحف اللوفر…..أكتشافات مثيرة للدهشة
تغيير حجم الخط     

سرقة متحف اللوفر…..أكتشافات مثيرة للدهشة

مشاركة » الأحد نوفمبر 09, 2025 10:51 pm

3.jpg
 
أصيب الزوار والحرس في متحف اللوفر في باريس بمفاجأة من المعيار الثقيل في الساعة التاسعة وأربع وثلاثين دقيقة صباح الأحد الموافق التاسع عشر من تشرين الأول/أكتوبر من هذا العام، ولكن ليس بسبب أحد المعروضات النادرة، بل بشيء أكثر خطرا، وربما لن يشهده أحد منهم مرة ثانية في حياته، ألا وهو وصوت عال وغريب أثار صدمة لدى الزوار، الذين بلغ عددهم حوالي العشرين زائرا، فشخص ما حاول قص زجاج شباك الصالة الضخم. وفجأة اقتحم الصالة رجلان مقنعان وتوجها فورا نحو معروضات محددة. وفي هذه الأثناء قام الحارس المسؤول عن الصالة بإخراج الزوار بسرعة وأغلق الباب. ولم يهتم اللصان بالزوار حيث بدأت عملية قص الصناديق الزجاجية للمعروضات فورا، ولم يزعجهما سوى محاولة اثنين من الحرس لمواجهتهما، إذ كان أحدهما مسلحا بقضيب حديدي. ولكن الحارسان سرعان ما انسحبا. وخرج اللصان من الشباك، كما دخلا مع تسعة من المعروضات، حيث نزلا إلى الشارع عن طريق سلم صغير مركب على شاحنة صغيرة في الشارع المجاور للمتحف المجاور لنهر السين، ثم استقلا دراجتين بخاريتين من نوع ياماها مع زميلين كانا في انتظارهما، واستغرق الأمر برمته حوالي سبع دقائق، حيث كان اللصوص قد ركنوا الشاحنة الصغيرة جانب المتحف، وفي الشارع المحاذي لنهر السين في الساعة التاسعة صباحا.


كانت هذه السرقة صدمة حقيقية في عالمي الفن والسياسة، فاللوفر ليس فقط أكبر متحف في العالم، بل أهم رمز ثقافي في فرنسا، أي أنه ذو أهمية سياسية خاصة بالنسبة للحكومة الفرنسية، ولكن ما كشفته هذه السرقة من مفاجآت كان كثيرا. وكان أول ما لفت الانتباه سوء الاحتياطات الأمنية داخل وخارج المتحف، فآلة التصوير المسؤولة عن تصوير ذلك الجانب من المتحف من الخارج كانت موجهة نحو الاتجاه الخطأ، أما آلات التصوير السبع التابعة للشرطة في الشارع، فصورت الاقتحام والفرار، ولكن الشرطة لم تهتم، حيث ظنت أنهم كانوا عمال بناء يقومون بأعمال صيانة في المتحف، لاسيما أن المقتحمين ارتديا ملابس عمال البناء، وأما داخل الصالة، فكانت هناك آلة تصوير واحدة وموجهة في الاتجاه الخطأ أيضا. ولم تكن الصناديق الزجاجية الحافظة للمعروضات مثالية، وربما كان ذلك مقصودا، إذ أنها كانت ضد ضربات المطرقة وليست المنشار، ففي حالة الحريق أو تسرب المياه يقوم رجال أطفاء المتحف باستعمال أدوات خاصة لإخراج المعروضات من الصناديق الزجاجية وإنقاذها، وقد استعمل اللصوص أدوات مشابهة.
ومن الجدير بالذكر أن هنالك مركزا للإطفاء داخل المتحف متكون من اثنين وخمسين شخصا، وقد تلقى كل منهم تدريبا خاصا لإنقاذ معروضات المتحف. ولكن لم يكن هناك مركز أمني في المتحف، حيث اعتمدت الإدارة على مركز للشرطة على بعد حوالي نصف كيلومتر من المتحف.
سرق اللصان وشركاؤهما تسع قطع، كان منها تاج يوجيني إمبراطورة فرنسا، وزوجة الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث، وعقد ملكة فرنسا الشهيرة ماري أنطوانيت، وكان كل منهما يتكون من عدد كبير من الأحجار الكريمة والماس. والغريب في الأمر كان العثور على التاج على الأرض بالقرب من المتحف وقد تعرض لبعض الأضرار. وكان رد فعل المسؤولين الفرنسيين الصدمة الواضحة ووصف بعضهم المسروقات بأنها لا تقدر بثمن، ثم تم كشف أن ثمنها الكامل كان مئة واثنين مليون دولار. ولكن المفاجأة التالية كانت الكشف عن أن المجوهرات غير مؤمنة، بل كشفت الصحف العالمية أن أغلبية المعروضات في المتاحف العالمية غير مؤمنة.
لم يكن سبب نجاح عملية السرقة في وضح النهار التخطيط البارع لها، بل الثغرات الأمنية الفادحة، التي خدمتهم مصادفة، أو بسبب معرفتهم المسبقة ببعضها على الأقل، فاللصان احتاجا إلى أربع دقائق بين وقف سيارتهما ودخول الصالة، وهي فترة طويلة في هذه الظروف. ومن الواضح أن من قام بها كانت مجموعة من الحمقى الذين كانوا يقومون بعملية أكبر منهم، إذ تركا معداتهم وخوذة وقفازات في الصالة، أي أنهما تركا الكثير من الحمض النووي والبصمات. والظاهر أنهما حاولا حرق العربة والسلم في الخارج، إلا أنهما فشلا في ذلك أيضا، ويضاف إلى ذلك أن الشرطة عثرت على الدراجة البخارية كما وجدت حمضا نوويا عليها. وفي الحقيقة أن حماقة اللصوص كانت بسبب جرأتهم على القيام بهذه السرقة وعدم تقديرهم رد فعل السلطات الفرنسية السريع والكبير، حيث اشترك في التحقيق حوالي مئة من عناصر الشرطة. ومن المضحك أن اللصين كانا من أصحاب السوابق، إذ سرعان ما تعرفت الشرطة على الحمض النووي وبدأت بالبحث عنهم. أما سقوط التاج من اللصين، فكان خطأ فادحا، فمن سمع عن لص مجوهرات يسقط بعضا منها عن طريق الخطأ. ومما زاد الطين بلة أن أحدهما حاول مغادرة فرنسا عن طريق مطار ديغول متوجها الى الجزائر، وأما الثاني، فألقي القبض عليه في إحدى ضواحي باريس وكان من مالي. وحتى كتابة هذه السطور ألقي القبض على ثلاثة أشخاص وامرأة في الثامنة والثلاثين من عمرها، كانت عشيقة أحدهم. ومن الواضح أن السلطات الفرنسية تواجه مشكلة في انتزاع اعترافات منهم، فليست الاعترافات سهلة المنال، كما يبدو في الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية. ومن الممكن بالطبع أن تقوم السلطات بالاشتباه في أشخاص لا علاقة لهم بهذه السرقة، وأن بعض المعتقلين بريئين تماما. وحتى هذه اللحظة وجهت السلطات الفرنسية اتهاما رسميا بالنسبة للمرأة، فحسب ولكنها تظن أنها ألقت القبض على ثلاثة من اللصوص الأربعة.


ذكر العديد من الخبراء، أن اللصوص في الآونة الأخيرة أخذوا يتجهون إلى سرقة المجوهرات من المتاحف والمحلات ومساكن تجارها، بدلا من اللوحات لسهولة بيعها، حيث يقومون بإعادة صقل الماس، كي تصبح عملية التعرف عليه مستحيلة. وأما الذهب أو الفضة، فبالإمكان صهرهما بسهولة، وبذلك يختفي كل أثر للمسروقات. ولهذا السبب، فإن احتمال العثور على المسروقات في عملية السطو على اللوفر ضعيف للغاية، حتى إذا تم القبض على عصابة اللصوص بأكملها. الغريب في الأمر أن هذه السرقة التي كانت هجوما وقحا على أشهر صرح ثقافي في فرنسا، لم تثر موجة كبيرة من الاحتجاجات أو الاستياء المتوقعة سوى من كبار المسؤولين والسياسيين، لاسيما سياسيي المعارضة الفرنسية. ويدل هذا على أن الفرنسي العادي، أقل أهتماما بالشأن الثقافي وأبعاده الأخرى مما نظن، وقد يكون هذا ظاهرة عالمية تتخطى حدود فرنسا. وأذا كانت بعض ما ذكر من انتقادات تعبيرا ساخرا عن الغضب والاستياء، فإن أغلب المعلقين عدوها سببا للسخرية من فرنسا. وأما المشاهير، فقد أثاروا الدهشة عندما عبّر بعضهم عن الإعجاب بالسرقة مثل الممثل جورج كلوني، الذي عبر عن افتخاره باللصوص، حيث إنه أعد نفسه في المجال نفسه بسبب سلسلة أفلام «أوشن» Ocean الشهيرة، التي تمحورت حول سرقة نادي كبير للمقامرة. وأما الممثل جسي آيزنبرغ، فقال مازحا إن السرقة كانت دعاية لفيلمه المقبل، ولمح إلى أن أحد المشاهير من زملائه ربما كانت له علاقة بالأمر، وذلك بسبب سلسلة أفلام «الآن تراني» Now You See me والتي كانت عن مجموعة من السحرة، الذين يسرقون كمية هائلة من المال. ويدل هذا على المستوى الأخلاقي الضحل للمشاهير في عالم السينما بشكل عام. ومن الغريب أيضا أن هذه السرقة كشفت قلة اهتمام الحكومة الفرنسية بالمتاحف بشكل عام من الناحية الأمنية، إذ كانت الإجراءات الأمنية في المتحف سيئة على الرغم من كونه المتحف الأشهر في العالم. ولا يشمل هذا حماية المعروضات من السرقة فحسب، بل حمايتها من التخريب كذلك. وكشفت هذه السرقة أيضا أن السرقات الحقيقية تختلف جذريا عن تلك التي نشاهدها في الأفلام السينمائية، أي أن الواقع يختلف جذريا عما تعرضه الأفلام السينمائية، ففي عالم السينما نجد اللصوص خبراء في الهندسة الإلكترونية والكيمياء والتجسس وفنون القتال ووسيمين، ونفترض هنا أن جورج كلوني وسيما. ولكن الواقع مختلف، إذ إن السرقة أبسط من ذلك بكثير.
من الجوانب المثيرة للسخرية في هذه السرقة، أن هنالك من حاول الاستفادة من السرقة، فمثلا اكتشف أن السلم الذي استعمله اللصوص كان مسروقا ومن صناعة شركة ألمانية، فاستغلت الشركة الأمر وأعلنت أن السلم الذي تنتجه الأسرع والأقل إثارة للضجيج والأسهل استعمالا، دون أن يظهر هذا الإعلان في فرنسا بالطبع. ولكن الشركة الصانعة للدراجات البخارية لم تحاول القيام بالمثل.
كانت دهشة الحكومة الفرنسية بسبب هذه السرقة مثيرة للاستغراب، لأنها لم تكن الأولى في وضح النهار، بل حلقة في سلسلة طويلة من السرقات ابتدأت من تاريخ تأسيسه أثناء الثورة الفرنسية، أي عام 1793، حيث قامت السلطات الثورية بالاستيلاء على القطع الفنية المملوكة من قبل النبلاء والأثرياء والكنيسة وتجميعها في قصر اللوفر، ثم قام نابليون بسرقة تحف فنية عديدة من أوروبا والشرق الأوسط وضمها إلى مجموعة المتحف الشهير، حتى إنه غير اسم المتحف إلى «متحف نابليون» عام 1803. وحدثت أول سرقة شهيرة في اللوفر عام 1911 حيث سرقت لوحة غير معروفة خارج عالم خبراء اللوحات للرسام الإيطالي ليونارد دا فنشي» تدعى «الموناليزا». وسبب ذلك حملة واسعة للبحث عنها انتهت بالعثور عليها عام 1913. وقامت الشرطة الفرنسية آنذاك بالتحقيق مع العديد من الأشخاص، وكان منهم الرسام بابلو بيكاسو الذي ارتعب واتهم باطلا أحد أصدقائه لإبعاد الشبهة عنه. وعلى الرغم من تأكد الشرطة من عدم علاقته بسرقة «الموناليزا»، فإنها اكتشفت أنه اشترى قطعا كانت قد سرقت من المتحف في عملية سرقة أخرى، وأعاد الرسام هذه القطع للمتحف وأفلت من العقاب. ومتابعة دقيقة لتلك السرقة، وحل لغزها بطريقة صاحبتها حملة إعلامية مبالغا فيها تعطي الانطباع بوجود عامل سياسي في الأمر. وكانت من نتائج تلك السرقة اشتهار اللوحة المسروقة التي تحولت إلى الأشهر في العالم، حتى الآن، على الرغم من كونها من الناحية الفنية أقل من ذلك، وهذا ما حدث كذلك في سرقة المتحف الأخيرة حيث أصبحت المسروقات بالغة الشهرة بسبب السرقة. وبعد ذلك تعرض المتحف للنهب من قبل النازيين في الحرب العالمية الثانية. وفي عام 1966 سرقت مجوهرات تابعة للمتحف في نيويورك، أثناء نقلها من متحف فرجينيا، ولكن الشرطة عثرت عليها وعلى السارق. وفي عام 1976 تعرض المتحف لعمليتي سرقة، إذ سرقت في إحداها لوحة وسرق في الأخرى سيف مرصع بالمجوهرات للملك الفرنسي شارل العاشر. وما يزال هذا السيف مختفيا. وفي عام 1990 سرق لصوص لوحة للرسام الشهير رينوار، عن طريق قطعها من الإطار في وضح النهار مع مجموعة من الحلي الرومانية ولوحات أخرى. وبعد ذلك بخمس سنوات تعرض المتحف لسرقتين في خلال أسبوع واحد، ثم تعرض لسرقة أخرى عام 1998، حيث اختفت لوحة شهيرة قطعت من إطارها لتختفي إلى الأبد. وتوالت محاولات السرقة. ولكن المتحف لم يعان من السرقات فحسب، بل كذلك من سياسات غريبة من قبل الحكومة الفرنسية، حيث قامت الحكومة ببيع أغلبية المجوهرات الملكية في مزاد عام 1887 بعد سقوط نظام الإمبراطور نابليون الثالث وإقامة الجمهورية الثالثة في فرنسا لأسباب سياسية بحتة، حيث قررت السلطات أن هذه المجوهرات التي تشير الى الثراء الفاحش لا تتوافق مع مبادئ الجمهورية الجديدة، أي أن المجوهرات بيعت كرمز لانتهاء العهد القديم، وبداية العهد الجديد. وتنافس المشترون من تجار المجوهرات وجامعيها والأرستقراطيين. ولكن أكبر المشترين كان الأمريكي تشارلز لويس تيفاني، مؤسس محل «تيفانز» الشهير، الذي كان فيلم «فطور في محل تيفاني» الشهير عنه حيث اشترى ثلثها. وسرعان ما أدركت السلطات الفرنسية فداحة هذا الخطأ، فقضت عقود من الزمن في محاولاتها لاسترداد المجوهرات. واستطاعت من خلال شرائها أو استلامها كتبرع من مالكيها تجميع الكثير منها، إلا انها لم تسترد المجموعة بأكملها أبدا. وكانت بعض هذه المجوهرات المستردة ضمن تلك التي سرقت في المتحف مؤخرا.
من الجدير بالذكر أن متحف اللوفر ليس الأشهر والأكبر في العالم، بل إنه الأكثر ظهورا في الأفلام العالمية، فقد ظهر مثلا في فيلم «الكنز الوطني» National Treasure (2007) وفيلم «شيفرة دا فنشي» The Da Vinci Code (2006). ليست سرقة متحف اللوفر الأكثر قيمة من الناحية المالية، فالسرقة الأكبر وقعت في متحف «أيزابيللا ستيورت غاردنر» في مدينة بوسطن الأمريكية عام 1990 من قبل اثنين من اللصوص متنكرين في زي الشرطة، قيدا حرس المتحف. وبلغت قيمة اللوحات المسروقة خمسمئة مليون دولار. ولم يعثر على المسروقات أو اللصين حتى الآن.

باحث ومؤرخ من العراق
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى تقارير