الوثيقة | مشاهدة الموضوع - الانتخابات العراقية بين الاستبعاد والمقاطعة وتكرار النتائج : مصطفى العبيدي
تغيير حجم الخط     

الانتخابات العراقية بين الاستبعاد والمقاطعة وتكرار النتائج : مصطفى العبيدي

مشاركة » الأحد نوفمبر 09, 2025 2:55 am

بغداد ـ «القدس العربي»: موجة استبعادات غير مسبوقة طالت مئات المرشحين للانتخابات البرلمانية العراقية، بدعوى وجود مخالفات قانونية أو قيود جنائية أو علاقتهم بحزب البعث، فيما أصدرت مفوضية الانتخابات، قرارات لاحقة بإعادة بعض المستبعدين إلى السباق الانتخابي، الأمر الذي أثار تساؤلات فيما إذا كان هذا الإجراء قانونياً بحتاً أم أنه نتيجة ضغوط سياسية ومساومات انتخابية.

فقد أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، إحصائية بعدد المستبعدين من انتخابات مجلس النواب العراقي لعام 2025. وقالت المفوضية إن عدد المستبعدين بلغ 837 مرشحًا لأسباب مختلفة، بينها المساءلة والعدالة، وقرارات قضائية، ونقص في أوراق الترشيح، وحذف من قبل الأحزاب أو التحالفات، فيما أشارت المفوضية إلى أن قرارات الاستبعاد ستطال المخالفين حتى وان فازوا بالانتخابات مع حذف الأصوات التي حصلوا عليها.
وكانت مفوضية الانتخابات، أعلنت ان عدد المرشحين في عملية الانتخابات بلغ 7734 مرشحًا للحصول على 329 مقعدا في مجلس النواب، فيما بلغ «عدد المرشحين الذين قبلت طعونهم من قبل الهيئة القضائية والمحكمة التمييزية، وأعيدوا إلى السباق الانتخابي، 53 مرشحا». كما لفتت الهيئة إلى رغبة 118 من أصل 403 أحزاب مجازة وأخرى قيد التأسيس، المشاركة في الانتخابات التي تجري في 11/11/2025.

المبعدون

وقد أثارت قرارات الاستبعاد، جدلا واستغرابا واسعين، لأنها شملت شخصيات سياسية سبق لها أن تولت مناصب وزارية أو عضوية مجالس النواب السابقة، أبرزهم القاضي وائل عبد اللطيف، ووزير الداخلية الأسبق جواد البولاني، ورئيس البرلمان الأسبق سليم الجبوري، وأحمد الجبوري (أبو مازن)، ومحافظ نينوى السابق نجم الجبوري، ورئيس حزب «الحل» جمال الكربولي، والنواب سجاد سالم ومشعان الجبوري وجوزيف صليوة وحيدر الملا وغيرهم.
وشملت قوائم الإبعاد أيضا شخصيات مثيرة للجدل سبق ان انتقدت قرارات وقوانين لمجلس النواب، منهم جمال الحلبوسي الذي انتقد اتفاقية خور عبد الله مع الكويت، والمحاميتين قمر السامرائي وزينب جواد وهما اللتان عارضتا قانون الأحوال المدنية الجعفري.
ويلاحظ المراقبون أن أغلب المرشحين المبعدين، هم معارضون للعملية السياسية أو منتقدو الفساد والفشل فيها.
وقوبلت قرارات مفوضية الانتخابات، استبعاد أعداد كبيرة من المرشحين للانتخابات بموجة رفض واستغراب واسعة.
وتحدث التدريسي الجامعي والناشط البارز الدكتور قحطان الخفاجي، إلى «القدس العربي» حول ظاهرة تزايد استبعاد المرشحين للانتخابات الحالية، فأكد انها ظاهرة غير مقبولة، وكان المفروض من الجهات المعنية، تدقيق المعلومات عن المرشحين قبل فترة كافية من الانتخابات. منوها إلى أن القرارات المتأخرة للاستبعاد ليست مهنية وتشكل خللا مهنيا متعمدا يجب ان تحاسب عليه مفوضية الانتخابات.
وأشار الخفاجي إلى أن «قرارات الاستبعاد هي توظيف سياسي واستغلال لمعلومات قديمة عن المرشحين وليس موقفا مبدأيا، وان المفوضية تخفي أحيانا بعض المعلومات عن المرشحين وتظهرها أحيانا لأسباب سياسية، عندما يكون سلوك النائب غير منسجم مع توجهات الأحزاب الكبيرة». وذكر مثالا النائب الحالي حسين عرب الذي استبعدته المفوضية بحجة تزوير الشهادة الدراسية رغم انه عضو في مجلس النواب الحالي والسابق.
وبين الخفاجي أن الصراع بين الكتل السياسية يدفعها إلى البحث عن معلومات سلبية قديمة في سيرة المرشح من أجل إبعاد المخالفين والمعارضين والمنافسين، وهي مخالفة وفساد كبير.
وعن ضرورة تغيير قانون الانتخابات، شدد على انه معد منذ الاحتلال الأمريكي للعراق وفيه أخطاء كثيرة تستند إلى الدستور الملغم الذي أسس للطائفية والعنصرية والفساد. منوها إلى أن قانون الانتخابات الحالي الذي يستند على قانون سان ديغو وكوتة الأقليات وغيرها، يمنع وصول الشرفاء والوطنيين إلى البرلمان ويرسخ أحزاب الفساد.
وخلال استطلاع للصحيفة في الشارع العراقي، أكد المتحدثون أن احتمال عزوف غالبية الشعب عن المشاركة في الانتخابات يعود إلى القناعة بأن النتائج فيها محسومة مسبقا لصالح أحزاب السلطة.
ويقول المهندس المتقاعد بدري العزاوي إن الشفافية غائبة عن أغلب إجراءات مفوضية الانتخابات، حيث يتم استبعاد الوطنيين والمعارضين عن البرلمان ويدعم أحزاب السلطة الكبيرة، مشيرا إلى القرارات المتناقضة في استبعاد الوطنيين الذين ينتقدون الفساد والفشل في الحكومة والسماح لبعض الفاسدين وأصحاب المال السياسي والذين يمتلكون الميليشيات، في الدخول للبرلمان. وقال العزاوي: «إن سياسة وإجراءات المفوضية تعكس إرادة أحزاب السلطة التي تعارض أي محاولة للتغيير وإصلاح الأوضاع المتردية، بل أن بعض الناس يرون ان رواتب ومخصصات النواب هائلة بلا جدوى، لأن مجلس النواب لم يقدم للشعب أي قرارات نافعة في العديد من القضايا مثل نزع سلاح الفصائل وتحسين الوضع الاقتصادي وتفشي الفقر والبطالة وتراجع الزراعة والصناعة وغيرها من القضايا المهمة».
وعبر الكثير من الناس عن الإحباط من نتائج الانتخابات التي لن تقدم أي تغيير يحد من تحكم الأحزاب الكبيرة بالسلطة واستمرار تدهور الأوضاع. فيما انتقد آخرون قانون الانتخابات الذي صممته الأحزاب لإبعاد المعارضين والذي يؤدي إلى وصول مرشحين إلى البرلمان ممن لم يحصلوا على أصوات كافية. كما استغرب البعض من قبول المفوضية ترشيح عناصر من الميليشيات أو من المتورطين بقضايا فساد واستبعاد مرشحين لمجرد توجيههم انتقادات إلى السلطة عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
ومن جهة أخرى، ذكر بعض أصحاب مكاتب السفر في بغداد، ان هناك حركة سفر واسعة للعراقيين إلى شمال العراق أو خارج العراق للسياحة بدل المشاركة في الانتخابات.

مقاطعة الانتخابات

ونتيجة عدم القناعة بالانتخابات ونتائجها، فقد أعلنت العديد من القوى السياسية، مقاطعة الانتخابات الحالية، لأسباب مختلفة.
وكان أبرز المقاطعين للانتخابات، التيار الصدري الذي لديه قاعدة جماهيرية شيعية واسعة وحقق المركز الأول في الانتخابات السابقة عام 2021.
وأعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، في آذار/مارس، عن عدم مشاركته في الانتخابات المقبلة، معللا ذلك بوجود «الفساد والفاسدين» في السلطة. وقال الصدر في بيان نشره حسابه الرسمي على منصة «إكس»، إن «من شاء فليقاطع، ومن شاء فليتخذ شهوة السلطة سبيلاً». وأضاف زعيم التيار الصدري أن «الحق لن يُقام، والباطل لن يُدفع، إلا بتسليم السلاح المنفلت للدولة، وحل الميليشيات، وتقوية الجيش والشرطة، وضمان استقلال العراق وعدم تبعيته، والسعي الجاد نحو الإصلاح ومحاسبة الفاسدين».
وفي حديث آخر، قال مقتدى الصدر: إنه «حينما أمرت بمقاطعة الانتخابات لم أكن أبتغي تأجيلها أو إلغاءها على الإطلاق، لكن ما يحزنني أن يشترك بها شعب عظيم كي ينتخب الفاسدين والوقحين وسراق المال الذي لم يسترجع حتى الآن».
وأضاف «أي فائدة تُرجى من مشاركة الفاسدين والعراق يعيش أنفاسه الأخيرة، بعد هيمنة الخارج وقوى الدولة العميقة على كل مفاصله؟».
وفي السياق ذاته، اعلن ائتلاف النصر بقيادة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، في بيان أن «الائتلاف يحيط الرأي العام علمًا، بأنه في الوقت الذي يؤمن فيه بالعملية الديمقراطية ورافعتها الانتخابات، إلاّ أنه لن يشارك بمرشحين خاصين به، وسيكتفي بدعم من يراه صالحًا وكفوءًا».
وأضاف، أنه «يرفض إشراك مرشحيه بانتخابات تقوم على المال السياسي وتفتقد إلى الحزم بفرض الضوابط القانونية المانعة من التلاعب وشراء الأصوات وتوظيف المال العام والمال الأجنبي واستغلال موارد الدولة».
وأكد، أن «مصداقية الكيان السياسي وأخلاقياته مرتبطة بسلوكه السياسي، وسلوكه السياسي هو الذي يحدد وزنه وتأثيره ووزن الكيان السياسي لا يرتبط بحجمه الانتخابي الفاقد للموازين الصحيحة، بل يرتبط بأخلاقياته وفاعليته وأدواره الوطنية».
وشدد، على «ضرورة تصحيح العملية الانتخابية لأنها الرافعة للعملية الديمقراطية لزيادة المشاركة بالانتخابات، وانتخاب الأفضل والأصلح بعيدًا عن التأثر بأي عوامل غير نزيهة تضر بنتائج الانتخابات».
وفي إقليم كردستان العراق، أعلنت الحركة الإسلامية الكردستانية، في 9/10/2025، انسحابها من المشاركة في الانتخابات المقبلة، معتبرة أن العملية الانتخابية في العراق وإقليم كردستان «لن تُحدث أي تغيير جوهري». جاء ذلك على خلفية استمرار تعطيل برلمان كردستان وعدم تشكيل حكومة جديدة منذ نحو عام.
وأشار عبدالله ورتي، المتحدث باسم الحركة، خلال مؤتمر صحافي في السليمانية، إلى أن قيادة الحزب عقدت اجتماعاً لمجلس الشورى، وخرجت بعدة قرارات وتوصيات، كان أبرزها الدعوة لمقاطعة الانتخابات القادمة.
وأوضح ورتي أن قرار المقاطعة ينبع من قناعة الحركة بأن الانتخابات «تحافظ على هيمنة نفس الطبقة السياسية»، وأن قانون الانتخابات «يخدم القوى الكبرى»، فيما آلية التصويت الإلكتروني «تسهل استغلالها من قبل الجهات المتنفذة لمصلحتها».
واختتم المتحدث دعوته جماهير الحركة إلى مقاطعة الانتخابات والمشاركة السلبية، مؤكداً أن «المقاطعة تمثل الموقف الأوضح لرفض الفساد والاحتكار السياسي، وللتعبير عن إرادة التغيير الحقيقي».
وبدوره، أعلن النائب في مجلس النواب، يوسف الكلابي، مقاطعته للانتخابات النيابية المقبلة، داعيًا الشعب العراقي إلى مقاطعتها أيضًا، ومؤكدًا أن العملية الانتخابية باتت غطاءً لاستمرار المحاصصة السياسية وهيمنة الفاسدين على مقدرات البلاد.
وقال الكلابي في بيان، إنه أمضى أكثر من خمس سنوات في عضوية لجنتي النزاهة والمالية النيابيتين، ساعيًا إلى «تشريع قوانين جوهرية لمكافحة الفساد وكشف ملفات بمليارات الدولارات»، إلا أن ما وصفها بـ«منظومة المحاصصة والحماية الممنهجة للفاسدين» أجهضت كل تلك الجهود.
واعتبر أن مقاطعة الانتخابات المقبلة «ليست موقفًا سلبيًا، بل وسيلة ضغط سياسية»، تهدف إلى دفع القوى الحاكمة نحو تبني إصلاحات حقيقية، رافضًا «منح الشرعية لنظام لا يمثل تطلعات الشعب».
كما أشار إلى إمكانية اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي والمنظمات الأممية، في حال استمرار تجاهل المطالب الشعبية، عارضًا فكرة طرح «القضية العراقية» دوليًا لوضع حد لما وصفه بـ«الفساد المستشري».
وكان 15 كيانا سياسيا مدنيا، أعلنوا تأسيس مجلس سياسي، مؤكدين أن المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة «لا جدوى منها»، فيما طالبوا بأن يكون رئيس الحكومة الجديد مستقلا بشكل تام.
وقال بيان صادر على هامش الاجتماع الأول للمجلس، إن «المجلس الذي تم الاتفاق على تأسيسه، هو تشاوري يهدف إلى التنسيق السياسي والإعلامي بين القوى الوطنية والمدنية، وتوحيد المواقف والرؤى تجاه القضايا المفصلية التي تمر بها البلاد، بما يعزز المشروع الوطني الجامع ويعيد الاعتبار للقرار العراقي المستقل».
وأضاف أن المجلس «توصّل بعد دراسة عملية للمشهد الوطني وتشخيص دقيق لطبيعة الأزمة السياسية القائمة، إلى أن أزمة النظام السياسي في العراق أزمة بنيوية عميقة، إذ أثبتت آليات الحكم القائمة والإجراءات الديمقراطية الشكلية عجزها التام عن استيعاب متطلبات التغيير الحقيقي، فيما أصبحت البيئة السياسية رهينة لنفوذ السلاح والمال الفاسد والتبعية للخارج».
وأكد المجلس، وفقاً للبيان، أن «المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة بناءً على ذلك، لا جدوى منها في ظل الظروف الراهنة، لأنها لا تمثل مدخلاً للإصلاح، بل وسيلة لإعادة إنتاج الفشل والفساد ذاته، ومنح شرعية شكلية لدورة سياسية فقدت مشروعيتها الشعبية والأخلاقية في ظل مفوضية للانتخابات تفتقد أغلب أقسامها للاستقلالية».
وعموما يشكك عدد كبير من العراقيين والمراقبين، بأن الأعداد الكبيرة من المرشحين الذين أبعدتهم مفوضية الانتخابات عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية الحالية، ليست بعيدة عن الدوافع السياسية للأحزاب الكبيرة الحاكمة التي لا تريد أصواتا معارضة ومخالفة لتوجهاتها وأهدافها في مجلس النواب القادم. وسط توقعات بأن نسبة المقاطعين للانتخابات الحالية ستكون كبيرة، نتيجة لترسخ القناعة لدى أغلبية الشعب، بعدم بجدوى الانتخابات وعدم توقع حصول أي تغيير في أوضاع العراق جراءها، ما دامت الانتخابات تستند إلى نفس القوى المتنفذة ونفس قانون الانتخابات المليء بالثغرات، وما دام السلاح المنفلت والمال السياسي يتحركان في الانتخابات بحرية.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات