يستعد العراقيون لخوض استحقاق انتخابي جديد، في الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، حيث يتوجه ملايين الناخبين إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم في الانتخابات البرلمانية السادسة منذ العام 2003، وسط ترقب داخلي ودولي لما ستفرزه صناديق التصويت من خريطة سياسية جديدة قد تعيد رسم موازين القوى في البلاد وتحدد ملامح المرحلة المقبلة.
وفي سياق التحضيرات، يدخل العراق في “الصمت الانتخابي”، في تمام الساعة السابعة من صباح يوم السبت الموافق (8 تشرين الثاني 2025)، أي قبل يومين من موعد الاقتراع العام الذي من المتوقع أن يفتح أبواب مراكز الاقتراع الساعة السابعة صباحاً، وان تغلق في الساعة السادسة مساءً.
أرقام واحصائيات
وبحسب بيانات المفوضية العليا للانتخابات، فإن عملية التصويت الخاص ستجري الأحد المصادف التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر، وتشمل المنتسبين إلى الأجهزة الأمنية والعسكرية، البالغ عددهم مليوناً و313 ألفاً و859 منتسباً من مختلف المؤسسات الأمنية.
أعداد المشاركين في التصويت الخاص توزعت على النحو الآتي: هيئة المنافذ الحدودية 1.595 منتسباً، وزارة الداخلية 597.453 منتسباً، وزارة الدفاع 298.054 منتسباً، جهاز مكافحة الإرهاب 18.410 منتسبين، وهيئة الحشد الشعبي 128.127 منتسباً.
أما في إقليم كوردستان، فقد بلغ عدد من يحق لهم التصويت في الاقتراع الخاص 124.312 منتسباً في وزارة داخلية الإقليم، و145.907 في وزارة البيشمركة.
ويبلغ إجمالي عدد الناخبين المسجلين بايومترياً في عموم العراق 21.404.291 ناخباً، بينهم 20,063,773 ناخباً سيدلون بأصواتهم ضمن التصويت العام، و26,538 ناخباً في التصويت الخاص الذي يخص النازحين.
وعقب جولات التدقيق والاستبعاد التي أجرتها خلال الأشهر الماضية، أعلنت المفوضية في العراق بشكل نهائي، أن عدد المرشحين المستبعدين من السباق الانتخابي المقبل بلغ 848 مرشحاً.
كما قالت المتحدثة باسم المفوضية جمانة الغلاي، إن العدد الكلي للمرشحين المسجلين لخوض الانتخابات حتى اليوم بلغ 7,744 مرشحاً، مشيرةً إلى أن عملية المراجعة مستمرة وفقاً للضوابط القانونية والتعليمات المعتمدة من المفوضية.
وتسلمت المفوضية أكثر من 9500 مركز اقتراع موزعة في عموم المحافظات، وتحتوي كل محطة اقتراع على كاميرتين للمراقبة، فيما سيتم نصب ثلاث كاميرات في كل مركز انتخابي، بهدف توثيق مجريات العملية الانتخابية وتعزيز الشفافية في سيرها.
وبحسب المفوضية أيضاً، بلغ عدد المراقبين الدوليين أكثر من 300 ممثل عن منظمات دولية معنية بمتابعة الانتخابات، إلى جانب أكثر من ألف منظمة محلية حاصلة على تراخيص رسمية من دائرة المنظمات غير الحكومية، في حين يشارك ممثلو الأحزاب السياسية أو ما يُعرفون بـ “وكلاء الأحزاب” في مراقبة سير العملية الانتخابية بشكل مستقل عن المنظمات المدنية.
وعادةً ما تُعلن النتائج الأولية للانتخابات العراقية خلال 24 ساعة من إغلاق صناديق الاقتراع، بينما تُصدر النتائج النهائية بعد استكمال عمليات التدقيق والفحص الفني، والنظر في الشكاوى والطعون المقدمة من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والهيئة القضائية المختصة، لضمان نزاهة العملية وشفافيتها.
قانون الانتخابات
وستجرى الانتخابات النيابية لعام 2025، وفق قانون رقم (4) لسنة 2023، وهو التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والأقضية رقم (12) لسنة 2018، الذي صادق عليه البرلمان في 27 آذار/مارس 2023.
ووفقاً لهذا القانون، فإنه يعتمد نظام القائمة المفتوحة والتمثيل النسبي، بحيث تُعدّ المحافظة دائرة انتخابية واحدة، ويتم توزيع المقاعد وفق معادلة سانت ليغو المعدلة (1.7)، حيث تقوم آلية هذا النظام على تقسيم مجموع الأصوات الصحيحة التي تحصل عليها الأحزاب أو القوائم أو المرشحون المستقلون على أرقام متسلسلة تبدأ بـ 1.7 ثم 3 و5 و7…، ثم تُرتب النتائج تنازلياً.
وتُوزع المقاعد بحسب الأعلى أصواتاً حتى اكتمال العدد المخصص لكل دائرة، لكن بحسب المراقبين، فإن هذه الصيغة تمنح القوى السياسية الكبيرة أفضلية أوضح على حساب القوائم الصغيرة والمستقلين، الذين تقل فرصهم في نيل المقاعد.
أما انتخابات العام 2021 فكانت مختلفة، إذ جرت وفق التعديل الثاني للقانون نفسه الذي أقرّ نظام التصويت الفردي، ما مكّن الكتل الصغيرة من المنافسة بشكل أوسع، ومنع الأحزاب من الاستفادة من أصوات المرشحين غير الفائزين.
وقد انعكس ذلك حينها في فوز تحالف “سائرون” بقيادة زعيم التيار الوطني حالياً مقتدى الصدر، بفضل ترشيحه لعدد محدود من الأسماء في كل دائرة وكانت لا تتجاوز الـ 100 مرشح فقط، في حين خسر الإطار التنسيقي الشيعي مقاعد مهمة بسبب ترشيحه عدداً كبيراً من المتنافسين في الدائرة الواحدة، ما أدى إلى تشتت أصواته، الأمر الذي دفعه لاحقاً إلى تعديل القانون والعودة إلى “الدائرة الواحدة”، مستفيداً من انسحاب الصدر.
وكان الصدر، قد أعلن في آذار/مارس 2025، عن عدم مشاركته في الانتخابات المقبلة، معللاً ذلك بوجود “الفساد والفاسدين”، فيما بين أن العراق “يعيش أنفاسه الأخيرة”.
وقرر الصدر، في حزيران/يونيو 2022 الانسحاب من العملية السياسية في العراق، وعدم المشاركة في أي انتخابات مقبلة حتى لا يشترك مع الساسة “الفاسدين”، بعد دعوته لاستقالة جميع نوابه في البرلمان والبالغ عددهم 73 نائباً.
القوى الشيعية
يتصدر ائتلاف الإعمار والتنمية المشهد الشيعي، بقيادة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ويضم عدداً من الأحزاب والشخصيات أبرزها “تيار الفراتين، ائتلاف الوطنية بزعامة إياد علاوي، حركة عطاء بزعامة فالح الفياض، وجند الإمام بزعامة أحمد الأسدي”.
في المقابل، يخوض ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وتحالف الأساس بزعامة محسن المندلاوي، الانتخابات بشكل منفرد، إلى جانب المجلس الأعلى بزعامة همام حمودي، وحزب اقتدار وطن بقيادة عبد الحسين عبطان.
كما يدخل تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، وائتلاف النصر بزعامة حيدر العبادي، في تحالف مشترك تحت اسم “قوى الدولة الوطنية”، فيما يشارك تيار العصائب بزعامة قيس الخزعلي بقائمة “صادقون”.
القوى السنية
وكما جرت العادة خلال السنوات الأخيرة الماضية، فتصدر المشهد السني تحالف “تقدم” بزعامة رئيس مجلس النواب السابق، محمد الحلبوسي، إلا أن هذه المرة يدخل السباق الانتخابي منفرداً على غرار انتخابات مجالس المحافظات.
ويبرز في مواجهته ائتلاف “القيادة السنية الموحدة”، الذي يضم كلاً من محمود المشهداني، خميس الخنجر، مثنى السامرائي، أحمد الجبوري، وزياد الجنابي، الذي دخل كل منهم بقائمة منفردة إلا أنها تتحالف بعد انتهاء الانتخابات، في خطوة تشبه ما حدث مع قوى الإطار التنسيقي الذي تستخدم نفس الأسلوب.
كما تظهر قوى سنية أخرى مثل تحالف نينوى لأهلها بزعامة عبد الله الياور، وتحالف الحسم بقيادة وزير الدفاع ثابت العباسي.
القوى الكوردية
قرر الحزب الديمقراطي الكوردستاني بزعامة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكوردستاني بزعامة بافل طالباني، خوض الانتخابات بقوائم منفردة، مستندين إلى جمهورهم التقليدي في أربيل ودهوك من جهة، والسليمانية من جهة أخرى.
كما تشارك قوى كوردية أخرى بينها حركة الجيل الجديد برئاسة شاسوار عبد الواحد، وحزب التغيير، والاتحاد الإسلامي الكوردستاني، وجماعة العدل الكوردستاني، وجبهة الشعب بزعامة لاهور شيخ جنكي.
القوى المسيحية
وعلى عكس القوى الشيعية والسنية والكوردية، توحّدت الأحزاب المسيحية تحت مظلة “التحالف المسيحي” الذي يضم المجلس القومي الكلداني، تجمع السريان، الاتحاد الديمقراطي الكلداني، الجمعية الأرمنية، والرابطة الكلدانية العالمية، في مواجهة حركة بابليون بزعامة ريان الكلداني.
نظام “الكوتا”
وتستعد 2248 مرشحة عراقية لخوض السباق الانتخابي للتنافس على 83 مقعداً مخصصاً للنساء ضمن نظام “الكوتا”، النسائية الذي نص عليه قانون الانتخابات في إطار مساعٍ لتعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية وترسيخ حضورها داخل مجلس النواب.
ويتكون مجلس النواب العراقي من 329 مقعداً موزعة على المحافظات بحسب عدد السكان، فيما يضمن القانون رقم 12 لسنة 2018 المعدل نسبة لا تقل عن 25% من المقاعد للنساء، وفقاً لتصريحات المفوضية العليا للانتخابات.
وتتوزع المقاعد النسائية على المحافظات حيث تملك بغداد 69 مقعداً منها 17 للنساء، نينوى 31 منها 8 للنساء، البصرة 25 منها 6 للنساء، ذي قار 19 منها 5 للنساء، بابل 17 منها 4 للنساء، السليمانية 18 منها 5 للنساء، الأنبار وأربيل 15 لكل منهما منها 4 للنساء.
أما ديالى فلها 14 مقعداً نيابياً منها 4 للنساء، كركوك وصلاح الدين والنجف 12 لكل محافظة منها 3 للنساء، واسط والديوانية 11 لكل منهما منها 3 للنساء، ميسان 10 منها 3 للنساء، دهوك وكربلاء 11 لكل منهما منها 3 للنساء، والمثنى 7 منها مقعدان للنساء.
وبموجب القانون العراقي النافذ، يجب إجراء الانتخابات التشريعية قبل مرور 45 يوماً على انتهاء عمر الدورة البرلمانية الحالية، التي انطلقت في 9 كانون الثاني/يناير 2022، ومن المقرر أن تنتهي في 8 كانون الثاني/يناير 2026، وذلك لضمان انتقال دستوري سلس للسلطة التشريعية دون حدوث فراغ نيابي.