عمان- “رأي اليوم”- خالد الجيوسي:
هذا الصّراع الانتخابي البرلماني الحالي في العراق، ليس صِراعًا فقط على السيطرة على البرلمان، وامتلاك أكبر كتلة برلمانية كبيرة فيه، بل امتداد لتعزيز سُلطة منصب رئيس الوزراء، أو صُعود رئيس وزراء جديد، وهذا كلّه صراع مُحتدم بين أهل السياسة يبدو بعيدًا عن اهتمام العراقيين، وتطلّعاتهم على الأقل الاقتصادية، وصراع أكبر بين النفوذ الأمريكي والإيراني على أرض العراق.
التساؤل المطروح حول ما إذا كان يستطيع رئيس الوزراء العراقي الحالي محمد شياع السوداني، أن يصل لولاية ثانية، في ظل صراعه مع رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، والذي يسعى فيما يبدو للعودة، والنفوذ المركزي، ويتردّد أنه يحظى بدعم إيراني.
وإذا كان يحظى المالكي فعلًا بدعم إيراني، فإن الدعم الأمريكي وبعض دول إقليمية في المنطقة، قد يذهب لدعم السوداني، في مُناكفة سياسية واضحة، ومفهومة.
ثمّة صراع بين المالكي، والسوداني، يخلق انقسامًا في الإطار التنسيقي، أي بين تحالف واحد، حيث غاب السوداني عن الاجتماع الأخير للإطار التنسيقي، بينما يلعب المالكي على توحيد صفوف القوى الشيعية، يرغب السوداني بحضور أقوى لمؤسسات الدولة، وبالتالي يعمل على تقليص نفوذ المالكي فيها.
رئيس الحكومة الحالي السوداني تجدر الإشارة إلى أنه اختار عدم الالتحاق بالإطار التنسيقي انتخابيًّا، حيث يشارك بتحالف منفصل هو “الإعمار والتنمية”.
وقدّم النائب المستقل عن التيار المدني حسين عرب الصالحي طلبًا رسميًا إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات يطالب فيه باستبعاد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من السباق الانتخابي، متهمًا إياه بـ”استغلال موارد الدولة ومقدراتها لصالح حملته الانتخابية”.
وشهدت الساحة العراقية بالفعل استبعادات، تمثّلت في استبعاد عدد من المرشحين، رغم المصادقة الرسمية السابقة على قوائمهم من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، ورغم أن بعض المرشحين شغلوا مناصب نيابية حالية وسابقة، ومناصب حكومية مختلفة.
وهذا الاستبعاد دفع بمخاوفٍ مُتزايدة من أن تكون عمليات الإقصاء مرتبطة بحسابات سياسية أكثر من كونها إجراءات قانونية أو فنية بحتة، الأمر الذي يضع علامات استفهام كبيرة حول النزاهة!
ويخوض العراق الانتخابات البرلمانية السابعة منذ عام 2003 سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وهي على بُعد 7 أيّام (11 نوفمبر)، ولا يُظهر الشارع العراقي اهتمامًا ملحوظًا بها، حيث الفرضية التي لا يخرج عنها أهل السياسة، والكتل الفائزة بالبرلمان مُوزّعة، ومُقسّمة بين الوزراء، البرلمان، الرئاسة.
وصلت نسبة المشاركة بانتخابات البرلمان الأخيرة عام 2021 إلى أقلّ من 20%، ومن المتوقع أن تكون نسبة المُشاركة بهذه الانتخابات الحالية أقل، نظرًا لمُقاطعة التيار الصدري وتيارات وقوى مدنية عراقية لها، ما دفع معظم الأحزاب إلى التسويق والترويج لمرشحيها بمبالغ هائلة، وصلت إلى ملايين الدولارات.
مقتدى الصدر، الزعيم الشيعي العراقي البارز، أصرّ بدوره على موقفه السابق من مُقاطعة الانتخابات البرلمانية، وأصدر بيانًا عبر تدوينة على منصة “إكس” قال فيها: أعلم علم اليقين أن قرار المقاطعة صعب ومستصعب على الكثيرين، لكنني لم أفعل ذلك إلا طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وآله، وطاعة لأولي الإصلاح والصلاح والفلاح، سادتي وقادتي بهم ولإصلاحهم أتولى، ومن أعدائهم وفساد أعدائهم أتبرأ”.
وأضاف زعيم التيار الصدري: “وما كانت المقاطعة إلا ثقة بالصحب والرعية الذين لا أتوقع منهم إلا الطاعة، بل القناعة كما عهدتهم، ولن (يحيصوا حيصة) بل هم كالشمس والقمر دائبون طائعون لا يفترون ولا للدنيا يطلبون ولا لمشاركة الفساد يرغبون بل عنه يرغبون”.
وفشل التيار الصدري رغم حُصوله على 73 مقعدًا في تشكيل الحكومة في انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2021، الأمر الذي دفعه للانسحاب، والإصرار عليه الانتخابات الحالية.
صاحب الكتلة الأكبر في البرلمان، ليس من الضروري أن يستطيع تشكيل الحكومة، فأزمة انسحاب الصدر بعد منعه من تشكيل الحكومة من قبل (الإطار التنسيقي)، أنتجت تشكيل حكومة السوداني في أكتوبر 2022، والتي يقول مُنتقدوها أنها الأكثر تغيّبًا بالنسبة لجلسات للنواب، فضلاً عن كونها فشلت في تمرير قوانين مهمة، مثل النفط والغاز وسلّم الرواتب وقانون التقاعد.
الأحزاب الشيعية كان لها دور رئيسي في تسمية رؤساء الحكومة في العراق، حيث نفوذ سياسي لإيران يتمثّل في أحزاب شيعية مُوالية لها، وفصائل مسلحة مُوالية، ترفع شعار العداء لإسرائيل، والولايات المتحدة الأمريكية.
وبطبيعة الحال، ستحرص إيران التي خسرت سورية بعد سُقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، واغتيال أمين عام حزب الله الشهيد السيد حسن نصرالله، على الحفاظ على نفوذها في العراق، في المُقابل ستسعى واشنطن لكسر هذا النفوذ، عبر إيصالها شخصية تدعمها لرئاسة الوزراء، حيث عمد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تعيين مارك سافايا مبعوثًا خاصًّا للعراق، والذي (سافايا) شدّد على ضرورة أن تكون البلاد “خالية من التدخل الخارجي الخبيث، بما فيه من إيران ووكلائها”.
ووفقًا للمتحدثة باسم مفوضية الانتخابات في العراق جمانة الغلاي فإن هناك 8703 مراكز اقتراع تستعدّ لاستقبال 21 مليون ناخب. ويتنافس في الانتخابات 7 آلاف و754 مرشحاً، منهم 2250 امرأة، على مقاعد البرلمان البالغ عددها 329، منها 83 مقعداً مخصصة للنساء وتتوزع المقاعد على 18 دائرة انتخابية، بحيث تكون كل محافظة دائرة مستقلة.
ويُشارك أكثر من 400 حزب في الانتخابات الحالية، فيما بلغت التحالفات السياسية نحو 140 تحالفًا.
وتُشارك أحزاب القوى السنية، عبر تحالفات غير مُوحّدة، أبرزها “تحالف السيادة” بزعامة خميس الخنجر، و”حزب تقدم” برئاسة محمد الحلبوسي، و”تحالف العزم” بقيادة مثنى السامرائي، و”حسم الوطني” بقيادة ثابت العباسي.
أما الأحزاب الكردية فدخلت منفردة إلى الانتخابات، عبر أسمائها المعروفة وأبرزها “الحزب الديمقراطي” بزعامة مسعود بارزاني و”الاتحاد الوطني” بقيادة بافل طالباني.
واعتبر معهد “تشاتام هاوس” البريطاني في تقرير أن “العراقيين ينظرون بشكل متزايد إلى الانتخابات على أنها استعراض لا تأثير يُذكر له على الحكم.
بالتزامن، كشفت هيئة البث الإسرائيلية، الثلاثاء، أن إيران ضاعفت في الآونة الأخيرة دعمها العسكري للفصائل الشيعية في العراق، في خطوة وصفت بأنها “استعداد لمواجهة محتملة مع إسرائيل”.
إذًا انتخابات ساخنة سياسيًّا، وباردة شعبيًّا، وتنتظر الحسم بفعل النفوذ، فلمن تكون الغلبة بالعراق.. لطهران أم واشنطن؟