الخرطوم ـ نيويورك ـ «القدس العربي»: ندّد مجلس الأمن الدولي، أمس الخميس بـ«الهجوم» الذي شنته قوات «الدعم السريع» على الفاشر غرب السودان، فيما روى هاربون من المدينة عن مشاهد الرعب أثناء فرارهم، بعد سيطرة «الدعم السريع».
«تورّط» الإمارات
وقال السفير السوداني، الحارث إدريس، خلال جلسة أممية خصصت لوضع السودان، إن بلاده أثبتت للمجلس «مرارا وتكرارا وبالوثائق تورط دولة الإمارات في مساندة ميليشيات الدعم السريع».
وقال إن هذا «الدعم يشمل تقديم المساعدات العسكرية والمسيّرات والذخائر وتجنيد المرتزقة والتغطية الإعلامية».
واتهم قوات «الدعم» بـ«سرقة مناجم الذهب وإرسالها لدولة الإمارات».
وقال إنه «يأسف أن يرى سفير الإمارات يجلس على طاولة مجلس الأمن أسوة بالآخرين، فمكانه مع ميليشيات الدعم السريع»، على حد قوله.
السفير الإماراتي محمد أبو شهاب، أنكر أي دور لبلاده في الحرب الجارية في السودان، ووضع اللوم على «أطراف سودانية والتي يجب أن تحل مشاكلها دون توجيه التهم لأطراف خارجية».
بيان صحافي صدر عن المجلس، أعرب أعضاؤه عن قلقهم البالغ إزاء تصاعد أعمال العنف في الفاشر، مؤكدين إدانتهم للهجوم الذي شنّته قوات «الدعم» على المدينة، وما خلّفه من آثار إنسانية مدمّرة على السكان المدنيين.
دعوة لوقف القتال
وذكّر الأعضاء بالقرار 2736 (2024) الذي طالب قوات «الدعم» برفع الحصار المفروض على الفاشر، ويدعو إلى وقف فوري للقتال وخفض التصعيد في المدينة، في وقتٍ تتفاقم فيه المخاوف من انتشار المجاعة وتدهور الأوضاع الإنسانية.
وفي مايو/ أيار الماضي، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2736 (2024) والذي دعا فيه قوات «الدعم السريع» التي يتزعمها محمد حمدان دقلو «حميدتي» إلى رفع الحصار عن مدينة الفاشر والسماح بوصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق، مجدداً دعوته لاحترام القانون الدولي الإنساني ومبادئ العمل الإنساني.
وحثّ المجلس بعد جلسة طارئة مغلقة، أمس الخميس، قوات «الدعم السريع» على تنفيذ أحكام القرار دون تأخير، مشيراً إلى التقارير التي توثق فظائع وانتهاكات جسيمة ضد المدنيين، من بينها الإعدامات الميدانية والاعتقالات التعسفية، محذّراً من خطر ارتكاب انتهاكات ذات دوافع عرقية. كما شدّد الأعضاء على ضرورة محاسبة المسؤولين عن تلك الجرائم
ودعا البيان جميع أطراف النزاع في السودان إلى احترام القانون الدولي الإنساني، وحماية المدنيين والعاملين في المجال الإنساني ومقارهم وممتلكاتهم، وتنفيذ كل من القرار 2736 (2024) وإعلان جدة، بما يضمن وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق. كما شدّد المجلس على أهمية تأمين ممرات آمنة للمدنيين الراغبين في مغادرة مناطق القتال.
وأكد أعضاء مجلس الأمن أن الأولوية الحالية تتمثل في استئناف المحادثات بين الأطراف السودانية للتوصل إلى وقف دائم وشامل لإطلاق النار، وإطلاق عملية سياسية شاملة يقودها السودانيون أنفسهم.
ودعا المجلس جميع الدول الأعضاء إلى الامتناع عن أي تدخل خارجي من شأنه تأجيج الصراع أو زعزعة الاستقرار في السودان، والالتزام بدعم جهود السلام وتنفيذ قرارات مجلس الأمن، بما في ذلك القرار 2791 (2025).
وجدد أعضاء المجلس التأكيد على التزامهم بسيادة السودان واستقلاله ووحدته وسلامة أراضيه، رافضين إنشاء أي سلطة حاكمة موازية في المناطق التي تسيطر عليها قوات «الدعم السريع».
شهادات «مروّعة»
في الموازاة، قال فارّون من المدينة الواقعة في غرب السودان لوكالة فرانس برس، إن الجثث تنتشر في شوارع الفاشر حيث قتل العديد من الأطفال أمام ذويهم.
وفرّ أكثر من 36 ألف مدني من المدينة الأحد عندما سيطرت قوات الدعم السريع على آخر معاقل الجيش في منطقة دارفور، ما استدعى تحذيرات من الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية من احتمال وقوع عمليات قتل جماعي وتطهير عرقي.
ولجأ بعضهم إلى مدينة طويلة الواقعة على بعد حوالي 70 كيلومترا من الفاشر، والتي تؤوي حوالي 650 ألف نازح أصلا.
    سفير السودان في مجلس الأمن: مكان نظيري الإماراتي مع «الدعم السريع» وليس هنا… والأخير ينفي أي دور لبلاده
وصف ثلاثة ناجين لوكالة «فرانس برس» وصلوا إلى طويلة، مشاهد الرعب أثناء فرارهم من المدينة التي تحاصرها قوات «الدعم» منذ 18 شهرا وقطعت عنها الإمدادات الأساسية من غذاء ودواء وغيرهما.
وتذكّر شهاداتهم بالماضي المظلم لدارفور مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما قامت ميليشيات الجنجويد، القوات المتهمة بالإبادة الجماعية التي ارتكبت في الإقليم والتي شكّلت في ما بعد نواة قوات «الدعم السريع»، بإحراق قرى وقتل حوالي 300 ألف شخص ونزوح 2,7 مليون آخرين.
وروت إمتثال محمود، إحدى الناجيات من عمليات القتل السابقة في دارفور والمقيمة الآن في الولايات المتحدة، لوكالة «فرانس برس» لحظة مروعة عندما تعرفت على جثة قريبتها في مقطع فيديو نشر على حسابات مرتبطة بقوات «الدعم السريع».
قتلوا ولدي
وقالت حياة «يوم السبت الساعة السادسة صباحا، كان القصف شديدا. دخلت مع أبنائي الخندق. ومنذ ستة أشهر لا نعرف شيئا عن زوجي».
وأضافت «بعد ساعة دخل سبعة مقاتلين من قوات الدعم السريع علينا في البيت. أخذوا هاتفي وفتشوا حتى ملابسي الداخلية وقتلوا ولدي وعمره 16 سنة».
وتابعت «هربنا مع كثير من الناس. وفي الطريق بين الفاشر وقرني (وهي قرية تقع شمال غرب المدينة) رأينا أشخاصا ميتين على الأرض ومصابين متروكين، إذ لم يتمكن أهلهم من حملهم. وفي الطريق، نهبونا مرة ثانية وتم توقيف الشباب الذين كانوا معنا، ولا نعرف ما حصل لهم».
فيما روى حسين وهو من سكان الفاشر مصاب بكسر في رجله نتيجة سقوط قذيفة في منزله «غادرنا الفاشر صباح السبت. تعبنا كثيرا في الطريق (بسبب) الجوع والعطش والتوقيف المتكرر (عند نقاط) التفتيش. قبل قرني أوقفوني ثلاث ساعات وقالوا إنني مصاب لأنني كنت أقاتل في الفاشر. لولا أسرة عندها كارو (عربة خشب يجرها حمار) لما وصلت إلى قرني».
وأضاف «الوضع في الفاشر صعب جدا. ناس ميتون في الشوارع ليس هناك أحد ليدفنهم. نحن الحمد لله وصلنا إلى هنا ولو بالملابس التي كنا ننام فيها. هنا نشعر بالأمان».
كذلك قال محمد الذي غادر الفاشر الأحد ووصل إلى طويلة الثلاثاء «كنت أسكن في (مخيم) زمزم. عندما دخلت قوات الدعم السريع المعسكر فنزحت إلى الفاشر وبقيت في حي أبو شوك. كان الضرب السبت شديدا للغاية، أمضينا اليوم أنا وبناتي الأربع ووالدتهن في خندق حتى فجر الأحد».
وأضاف «غادرنا قبل طلوع الضوء واتجهنا نحو قرني. في الطريق نهبوا أموالي وأوقفوا الشباب وأخذوهم. رأيت ناسا ميتين بعضهم أصبحوا عظاما».
وروى «لقد ضربوني بالعصا على ظهري وكانت أصلا هناك شظايا برجلي نتيجة قذيفة سقطت قرب بيتي في زمزم».
وقال «وصلنا إلى طويلة عند المغرب يوم الثلاثاء. الآن ليس لدينا مكان لنبقى فيه. أنا وبناتي ووالدتهن ننام في الخلاء من دون أغطية»، مشيرا إلى أن عاملين في منظمات إنسانية قدموا إليهم الطعام لكن «ليس هناك خيم ولا أغطية».
وختم «نريد فقط أن تنتهي الحرب ونعود إلى بيوتنا».
في السياق، قالت إمتثال «من شبه المستحيل وصف الشعور الذي يخالجنا الآن، نحن أبناء دارفور. ما زال كثر من أفراد عائلتنا عالقين في المدينة. لا نعرف من مات منهم ومن بقي على قيد الحياة».
وأضافت «هناك مقاطع فيديو وتقارير عن قتل أشخاص. إنه أمر مروع، إذ نتعرف في مقاطع الفيديو التي تنشرها قوات الدعم السريع التي تتباهى بارتكابها إبادة جماعية منذ مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، على أقارب وأصدقاء. لقد علمنا أخيرا بمقتل قريبتنا من خلال مقطع فيديو كان يتم تداوله».
وروت «في الفيديو الذي نشره قاتلوها، وهم أفراد من قوات الدعم السريع، يمكن رؤية جثتها ملقاة على الأرض. ويمكن سماع عنصر من قوات الدعم السريع يقول قومي إذا كان يمكنك ذلك. كانوا يسخرون من جثتها، وهذا شكل آخر من أشكال التعذيب».
وتابعت «كانت تعمل كمتطوعة لفترة طويلة، وعندما وقع الحصار انضمت إلى المقاومة. كانت مقاتلة».
خريطة السيطرة
وفي أبريل/ نيسان 2023 اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»؛ بسبب خلاف بشأن المرحلة الانتقالية، ما تسبب بمقتل عشرات الآلاف ونزوح نحو 13 مليون شخص، ومجاعة ضمن إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية بالعالم.
وحاليا باتت «الدعم السريع» تحتل كل مراكز ولايات دارفور الخمس غربا من أصل 18 ولاية بعموم البلاد، بينما يسيطر الجيش على أغلب مناطق والولايات الـ13 المتبقية في الجنوب والشمال والشرق والوسط، بما فيها العاصمة الخرطوم.
ويشكل إقليم دارفور نحو خُمس مساحة السودان، غير أن غالبية السودانيين البالغ عددهم 50 مليونا يسكنون في مناطق سيطرة الجيش.
			
		 
 
 

