الوثيقة | مشاهدة الموضوع - العراق أولاً” في مأزق.. رؤية غربية: السوداني أمام فوز بلا سلطة
تغيير حجم الخط     

العراق أولاً” في مأزق.. رؤية غربية: السوداني أمام فوز بلا سلطة

مشاركة » الجمعة أكتوبر 24, 2025 10:44 pm

رجّح تقرير “تشاتهام هاوس” البريطاني، أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قد يحقق فوزاً انتخابياً مهماً في اقتراع تشرين الثاني المقبل، غير أن هذا الفوز، لن يكون كافياً لاحتفاظه بالسلطة، فالمنصب يُحسم في العراق عبر تفاهمات وصفقات ما بعد الاقتراع، لا عبر صناديق التصويت.

ووفق تقرير للمعهد البريطاني، فإن التوقعات تبيّن أنه لن يكون هناك إقبال كبير من العراقيين في اقتراع 11 تشرين الثاني/نوفمبر، وأن المنافسة الحقيقية ستكون بين النخب على تقاسم السلطة، لافتا إلى أنه برغم تزيين الشوارع بملصقات الحملات الانتخابية، إلا أن هناك القليل من الحماس في الأجواء، حيث من المتوقع أن يلتزم العديد من العراقيين منازلهم، بسبب إحباطهم من أن الانتخابات لم تؤمّن التغيير خلال عقدين من الديمقراطية.

وبحسب التقرير البريطاني فإن هناك بالفعل إجماع كبير على النتائج المحتملة للانتخابات حيث ينظر إلى اللائحة الانتخابية لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني على أنها الأوفر حظا، بينما من المتوقع أن يحتفظ “الائتلاف التنسيقي” الحاكم الذي يقوده الشيعة، بالسلطة من خلال حكومة توافقية تضم الكتل الكوردية والسنية الرئيسية.

إلا أن التقرير اعتبر أنه ينظر إلى السوداني نفسه لن يتمكن من البقاء رئيسا للوزراء حتى لو فازت قائمته بأكبر عدد من الأصوات، حيث أن القرار يحسم من خلال المفاوضات المعقدة بين الأحزاب لتشكيل الحكومة بعد الانتخابات، مثلما جرى في كل انتخابات جرت سابقا حيث لا يكون الفائز رئيسا للوزراء.

وتابع التقرير أنه رغم النتائج المتوقعة، إلا أن الانتخابات تظل محل تنازع حيث تنفق الكتل الرئيسية أموالاً هائلة في حملاتها، مشيراً في هذا السياق إلى تصريحات لرئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، التي قال فيها أن الانتخابات “لن تعتمد في المقام الأول على الشعبية. بل ستعتمد على إنفاق الأموال، وستعتمد على شراء الأصوات”.

واعتبر التقرير أن الواقع يقول إن الانتخابات ليست استفتاء على أداء الحكومة بقدر ما هي فرصة للنخب الحزبية الراسخة بقوة، لإعادة ضبط توزيع السلطة فيما بينها، بما في ذلك المناصب الحكومية العليا.

وبحسب التقرير، فإن هذه المساومات بين الأحزاب، قد تكون نتيجتها بمثابة اختبار لاستقرار العراق، موضحا أن البلد يدخل إلى الانتخابات من فترة هدوء نادرة، والتي ترتكز على ميثاق نخبوي هش استبدل الإصلاح، بالنظام، مضيفا أنه في حال سارت العملية بسلاسة، فإن ذلك سيمثل تأكيدا جديدا على أن استقرار العراق سيدار من خلال جولة أخرى من التنافس داخل النظام، لافتا إلى أنه في حال رأت الفصائل المتناحرة اختلالا أو حاولت تعطيل الترتيبات الطويلة، فإن عدم الاستقرار ولو للحظات، قد يصيب التوازن الهش في العراق.

وتابع التقرير أن السياسيين ينفقون أموالاً كبيرة، وهو ما وصفه خبير خلال مائدة مستديرة في “تشاتهام هاوس” بأنه “انتخابات المليارديرات”،مشيراً إلى أن الانتخابات أصبحت بمثابة استثمارات عالية المخاطر بالنسبة للنخب حيث يتم التفاوض على النفوذ والوصول الى موارد الدولة.

وأوضح أن القيود المفروضة من قبل الولايات المتحدة على قطاع البنوك في العراق، تعني أن العديد من الأثرياء يوجهون رؤوس اموالهم نحو مشاريع محلية، بما في ذلك السياسة، ولهذا فإن هذه الانتخابات أصبحت فرصة استثمارية مربحة أخرى.

وتناول التقرير نسب الإقبال المنخفضة في الانتخابات العراقية منذ الإقبال الكبير في كانون الأول/ديسمبر العام 2005، حيث بلغت 80%، لكنها صارت تتراجع بشكل مطرد، وهو ما يعكس شكوكا واسعة في إن التصويت يمكن أن يغير من يحكمون أو كيف يحكمون.

ورأى أنه فيما يتعلق بالعديد من العراقيين فإن النظام السياسي لا يبدو ممثلا لهم ولا مستجيبا لمطالبهم، موضحا أنه بعد عقدين من الانتخابات والوعود بالإصلاح، فإن الحياة اليومية لغالبية العراقيين لا تزال تتسم بالصعوبة والإهمال، وأن الدولة مقصرة، وأن البلد برغم ثروته النفطية الهائلة، لا يزال من بين أسوأ الدول أداءً في تقديم الخدمات ومن بين الأكثر فسادا على مستوى العالم.

ولفت التقرير إلى أن المقاطعة الصدرية للانتخابات، ستساهم أيضاً في انخفاض نسبة الاقبال.

واعتبر التقرير أن التشرذم في انتخابات العراق يتعلق بالاستراتيجية أكثر من الانقسام الايديولوجي، مشيرا إلى أن كل فصيل يتنافس بشكل منفصل، في مسعى من أجل احتساب ثقله الانتخابي وتجميع أوراق المساومة لمفاوضات ما بعد الانتخابات، مضيفا أنه بمجرد تبادل المقاعد مقابل المناصب، تتقارب هذه الجماعات ضمن كتلها الحاكمة التقليدية، لتعيد تجميع نفس نظام السلطة في شكل مختلف قليلا.

وأضاف التقرير أن هذه الدورة تتواصل، حيث هناك “نفس النخبة، التي أعيد ترتيبها وتغيير صورتها، تعود إلى السلطة تحت الذريعة المألوفة المتمثلة بالتجديد الديمقراطي”.

وذكر التقرير أن النظام الانتخابي العراقي فيما بعد العام 2003، جرى تصميمه لكي يتم منع عودة الدكتاتورية، مضيفا أنه كان يفترض أن تكون الانتخابات بمثابة آلية إعادة توازن تحدث بشكل دوري كل 4 سنوات، ووسيلة لإعادة ضبط التمثيل السياسي واتاحة الفرصة أمام الأحزاب للتنافس على السلطة سلميا ضمن إطار دستوري.

وأضاف أن الهدف كان أيضا خلق التعددية، وأن الشمولية عبر الخطوط العرقية والطائفية كانت من أجل حماية الاستقرار، بينما كان الأمل بالنسبة للجمهور هو أنه من خلال الانتخابات، سيكون بمقدور للعراقيين محاسبة القيادات.

واستدرك التقرير أنه بعد مرور عقدين من الزمن، فإن هذا النظام أنتج شيئا مختلفا، حيث أنه بدلا من منع الاستبداد، فإنه يعزز نظاما سياسيا تنافسيا تستمر فيه الانتخابات، إلا أن الديمقراطية والمحاسبة تتآكلان، كما جرى الاستيلاء على المؤسسات نفسها التي انشئت لكي تدعم المعايير الديمقراطية والشفافية وسيادة القانون، أو جرى تسييسها من قبل النخبة نفسها.

واستبعد التقرير أن يجري إصلاح شامل للنظام السياسي العراقي على المدى القريب، مضيفا أنه من المتوقع استمرار الإطار التنسيقي في توجيه تشكيل الحكومة، والاحتفاظ بدوره المركزي في تحديد رئيس الوزراء والمناصب التنفيذية في السلطة.

أما بالنسبة إلى الحركة الصدرية، فقد رجح التقرير أن تحتفظ لنفسها بـ”قدم في الداخل وقدم في الخارج” من النظام، وتتمتع بتأثير كاف لكي تساهم في صياغة النتائج، ولكنها ستكون بعيدة عن ادعاء مكانة المعارضة.

وبالنسبة إلى الأحزاب الكوردية والسنّية الكبرى، فإنها ستحاول استعادة ما خسرته خلال عملية تشكيل الحكومة الأخيرة وتأمين حصة أكبر لها في السلطة.

ولهذا، قال التقرير إن “إعادة بناء الثقة، تتطلب معالجة العجز الديمقراطي في العراق في جوهره ومن ثم استعادة الصلة بين الانتخابات والمحاسبة”، بالإضافة إلى أن العراق سيكون بحاجة إلى قوانين انتخابية تجعل الأصوات تتمتع بقيمة حقيقية، وذلك من خلال آليات أكثر وضوحا لتوزيع المقاعد، والتدقيق الشفاف بالمرشحين، وتطبيق القوانين المتعلقة بتمويل الحملات والأحزاب السياسية، وحماية مفوضية الانتخابات من السيطرة السياسية، وذلك إلى جانب تعزيز قدرة مجلس النواب على الرقابة، وتمكين اللجان من التدقيق الفعلي في الميزانيات، ومراقبة الوزارات، واستجواب كبار المسؤولين من دون عراقيل حزبية.

وبعدما أشار التقرير إلى أن مثل هذه الخطوات تتطلب إرادة سياسية، نبه إلى أنه من دون إصلاح هيكلي، فإن انتخابات العراق ستظل ساحات للتنافس النخبوي وليست أدوات للمواطنين من أجل المحاسبة.

وأضاف أن الانتخابات ستظل تعكس مظهر الخيار الديمقراطي وإنما من دون جوهره، مؤكداً أن الإصلاح الحقيقي يمكن أن يضمن للديمقراطية العراقية أن تبدأ في تحقيق ما وعدت به سابقا، وليس فقط إعادة ترتيب السلطة، وإنما استعادة الثقة.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى تقارير