بغداد ـ «القدس العربي»: شهدت الحملات الانتخابية الجارية استعداداً لانتخابات مجلس النواب العراقي، أكثر من 120 مخالفة في 11 محافظة، شملت الدعاية المبكرة، واستغلال المال العام، واستخدام موارد الدولة في الحملات، إلى جانب مخالفات في أماكن وضع الإعلانات»، وفق ما قال «المرصد العراقي لحقوق الإنسان»، أمس الأربعاء، فيما وجّه وزير الدفاع، ثابت العباسي، بمنع مشاركة الضباط والمراتب بالمؤتمرات الانتخابية أو توزيع صور المرشحين.
ضعف النزاهة
الخروقات، وفق المرصد «تمس مبدأ تكافؤ الفرص وتضعف نزاهة العملية الانتخابية»، محذّراً من أن «استمرارها دون رادع قانوني أو رقابة ميدانية فعالة سيقوض الثقة العامة بالمسار الديمقراطي في العراق».
واعتبر في تقرير أن «الانتخابات الحرة والنزيهة ليست مجرد إجراء سياسي، بل حق أساسي من حقوق الإنسان نصّ عليه الدستور العراقي في مادته (20) كما كرّسه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في مادته (25) التي تضمن لكل مواطن الحق في المشاركة بإدارة الشؤون العامة واختيار ممثليه بحرية دون ضغط أو تمييز أو استغلال»، مشيرا إلى أن «الانتخابات التشريعية المقررة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، تشكّل «اختباراً مفصلياً لمدى التزام السلطات العراقية بمبادئ العدالة، والشفافية، واحترام الإرادة الشعبية».
ووثّق المرصد «أكثر من 120 مخالفة انتخابية في 11 محافظة، شملت الدعاية المبكرة، واستغلال المال العام، واستخدام موارد الدولة في الحملات، إلى جانب مخالفات في أماكن وضع الإعلانات»، لافتاً إلى إن بعض المرشحين والكيانات السياسية بدأوا «حملاتهم قبل إعلان المفوضية بدء المدة القانونية، في مخالفة صريحة للمادة (2) من نظام الحملات الانتخابية رقم (4) لسنة 2025، والتي تنص على أن الدعاية الانتخابية لا تبدأ إلا من تاريخ إذن المفوضية وتنتهي قبل (24) ساعة من بدء الاقتراع الخاص».
كما شخّص «إنفاقاً مفرطاً في الحملات، تجاوز الحد الأعلى المحدد في تعليمات الإنفاق رقم (5) لسنة 2023»، معتبرا أن «هذه الممارسات، تمثل استغلالاً واضحاً للمال السياسي وخرقاً لمبدأ العدالة الانتخابية وتكافؤ الفرص، وتحوّل التنافس الديمقراطي إلى سباق نفوذ قائم على الثروة لا على البرامج الانتخابية».
وسجلت فرق المرصد «انتشاراً واسعاً للملصقات الدعائية في أماكن غير مخصصة، كالجدران والأرصفة والحدائق العامة، ما تسبب بتخريب البنية التحتية وتشويه المنظر الحضري للمدن. كما لوحظت دعايات انتخابية على مسافة تقل عن (100) متر من مراكز الاقتراع، في مخالفة للمادة (5) من نظام الحملات الانتخابية».
كذلك تم توثيق «استغلال مؤسسات حكومية ومبان عامة لأغراض دعائية، مثل تعليق صور المرشحين أو عقد لقاءات انتخابية داخل دوائر رسمية»، مبيناً أن «هذه الممارسات تمثل انتهاكاً صريحاً لمبدأ حيادية مؤسسات الدولة المنصوص عليه في قانون الانتخابات رقم (12) لسنة 2018 المعدل، وتقوض الثقة في استقلالية الأجهزة الحكومية».
وفيما يتعلّق بتصاعد خطاب الكراهية والانقسام السياسي، أوضح أن «أخطر ما تم رصده خلال هذه الدورة هو تصاعد الخطاب الطائفي والقومي التحريضي في بعض الحملات، سواء عبر وسائل الإعلام أو منصات التواصل الاجتماعي المرتبطة بمرشحين أو تحالفات سياسية».
وزير الدفاع يمنع العسكريين من المشاركة بالمؤتمرات وتوزيع الصور
وأضاف: «يعد هذا الخطاب انتهاكاً للمادة (38) من الدستور العراقي، التي تضمن حرية التعبير دون مساس بالنظام العام أو الآداب، كما يمثل خرقاً للمادة (20) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادة (19) من العهد نفسه التي تحظر التحريض على الكراهية العنف»، مؤكدا أن «هذه اللغة التحريضية تُهدد السلم الأهلي وتحوّل العملية الانتخابية إلى ساحة استقطاب مجتمعي خطير، مما يقوّض أسس المنافسة الديمقراطية ويزيد هشاشة البيئة السياسية في البلاد».
حملات تشهير
ورصد المرصد أيضاً «تعرض عدد من المرشحات المستقلات لحملات تشهير رقمية ممنهجة على وسائل التواصل الاجتماعي، تضمنت خطاباً تمييزياً وجنسياً بهدف ثنيهن عن المشاركة في الانتخابات»، مؤكداً أن «هذه الممارسات تمثل انتهاكاً لالتزامات العراق بموجب اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، المصادق عليها عام 1986، وتتناقض مع المادة (25) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تضمن تكافؤ الفرص في المشاركة السياسية».
ووفق التقرير «يبدو أن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لم تُفعّل بعد آليات الرصد الميداني المنصوص عليها في المواد (24، 25، 26) من نظام الحملات رقم (4) لسنة 2025. وبسبب هذا الضعف الرقابي، اتسع نطاق المخالفات دون إجراءات فورية أو عقوبات رادعة، كما لم تُنشر بيانات علنية حول حجم الإنفاق الدعائي للمرشحين أو الإجراءات المتخذة بحق المخالفين، وهو ما يُعد إخلالاً بمبدأ الشفافية ويزيد من فرص تكرار الانتهاكات في فترة الصمت الانتخابي».
ورأى المرصد أن «هذه الانتهاكات المتكررة لا تمثل مخالفات شكلية فحسب، بل تتناقض مع التزامات العراق الدولية، بما في ذلك توصيات المراجعة الدورية الشاملة لمجلس حقوق الإنسان في جنيف لعام 2019، التي دعت العراق إلى ضمان نزاهة الانتخابات، وتعزيز استقلال المفوضية، ومكافحة تأثير المال السياسي».
وأكد أن «نزاهة الانتخابات المقبلة تمثل اختباراً حقيقياً لالتزام السلطات العراقية بالديمقراطية وحقوق الإنسان، كما أن احترام الإرادة الشعبية لا يتحقق إلا عبر بيئة انتخابية آمنة، خالية من التهديد والتمييز والتضليل واستخدام المال السياسي»، معتبراً أن «مسؤولية حماية هذه البيئة تقع على عاتق الحكومة والمفوضية والمجتمع المدني معاً، لضمان انتخابات تعبّر فعلاً عن إرادة الناخب العراقي».
وأوصى المرصد في تقرير بـ«تشكيل لجان ميدانية فعالة لرصد الحملات الانتخابية وضمان تنفيذ أحكام نظام الحملات رقم (4) لسنة 2025 بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، وفرض غرامات فورية على الكيانات والمرشحين المخالفين لضوابط الدعاية الانتخابية».
وطبقاً لتقرير المرصد الحقوقي فإن «استمرار الخروقات دون محاسبة سيحول الانتخابات إلى ممارسة شكلية فاقدة للثقة الشعبية، ويقوّض قيم العدالة والمواطنة التي يُفترض أن تكون جوهر النظام الديمقراطي في العراق».
في الموازاة، وجّه وزير الدفاع العراقي، ثابت العباسي، بمنع مشاركة الضباط والمراتب بالمؤتمرات الانتخابية أو توزيع صور المرشحين، فيما توعد بمحاسبة المخالفين.
وقال في بيان «في الوقت الذي يستعد فيه البلد لانتخابات برلمانية ديمقراطية، وانطلاقاً من مبدأ إبعاد الأجهزة الأمنية عن أي نشاط انتخابي أو استغلال سياسي، نجدد تأكيدنا الحازم بمنع مشاركة الضباط والمراتب في المؤتمرات أو التجمعات ذات الطابع الانتخابي أو الترويجي».
وأضاف: «كما وجهنا بمنع توزيع صور المرشحين أو دعايتهم الانتخابية (كارتات أو مطبوعات) أو تثبيت الصور داخل المقرات والمؤسسات العسكرية أو قرب مداخل ومخارج المقرات العسكرية».
وتابع: «ووجهنا مديرية الاستخبارات العسكرية ومديرية الاستخبارات والأمن بمتابعة هذه التوجيهات، ومحاسبة المخالفين وفق الضوابط العسكرية دون تهاون، مع إحالة أي مخالف إلى المحكمة العسكرية».
وختم بالقول: «إن حيادية المؤسسة العسكرية ومهنيتها ثوابتٌ لا تقبل التأويل، وخدمة العراق فوق كل اعتبار».
جنائية وليست إرهابية
إلى ذلك، كشف قائد عمليات بغداد، الفريق الركن وليد خليفة التميمي، عن أسماء المتورطين بحادثة اغتيال عضو مجلس محافظة بغداد، والمرشح للانتخابات، صفاء المشهداني.
وقال في تصريح للوكالة الرسمية إن «حادثة اغتيال المشهداني، هي قضية جنائية وليست عملية إرهابية»، مشيراً الى أنه «لا يوجد أي تقصير أمني في الحادث».
وأوضح أن «القوات الأمنية قامت بواجبها على أتم وجه، وقد تم إلقاء القبض على الجناة والتحقيق مستمر معهم»، مبيناً أن «الحادثة تعد عملاً إجرامياً لا يؤثر في الوضع الأمني العام».
وأكد أن «جميع مناطق بغداد مؤمنة بالكامل، وأن القطعات الأمنية تواصل عملها ليلاً ونهاراً لضمان ديمومة الاستقرار الأمني»، مشدداً على أنه «لا توجد أي مؤشرات على تهديد أمني في بغداد». وتابع أن «أسماء المتورطين بالجريمة هم: مصطفى أحمد سلمان داود الدليمي، حسين فاروق عبد الكريم الجنابي، عبد الله عبد الرحمن طه ياسين المشهداني، عمر مثنى عبد المنعم محجوب المشهداني، علاء محسن فهد عواد المشهداني».