الوثيقة | مشاهدة الموضوع - مبعوث وليس سفيرا: واشنطن تصنف العراق كأرض مهجورة دبلوماسيًا
تغيير حجم الخط     

مبعوث وليس سفيرا: واشنطن تصنف العراق كأرض مهجورة دبلوماسيًا

مشاركة » الثلاثاء أكتوبر 21, 2025 12:57 am

بغداد/المسلة: في خطوة تُثير التساؤل، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تعيين رجل أعمال من ديترويت يدعى مارك سافايا كمبعوث خاص له إلى العراق.

هذا الإعلان، الذي جاء عبر منصة “تروث سوشيال” الخاصة بترمب، لم يكن مجرد تعيين دبلوماسي روتيني؛ بل هو إشارة صارخة إلى أن واشنطن تُعيد رسم خطوط علاقاتها مع بغداد خارج الإطارات التقليدية، في وقت يتسارع فيه التوترات الإقليمية وتلوح بظلالها الانتخابات العراقية المقبلة.

ووسط صمت رسمي عراقي مذهل، يبدو أن هذا التعيين ليس سوى قمة جبل جليدي يخفي دوامات من الاستراتيجيات السياسية والاقتصادية، حيث يُرمى الضوء على نفط العراق كـ”كنز هائل” لا يُدار بحكمة، وفق تصريحات ترمب الأخيرة.

صمت بغداد: إشارة إلى توتر دفين أم تجاهل مدروس؟

لم يصدر عن وزارة الخارجية العراقية أي بيان رسمي يعلق على هذا التعيين، وهو أمر نادر في سياق علاقات بغداد-واشنطن التي شهدت في السنوات الماضية تبادلًا دبلوماسيًا مكثفًا. هذا الصمت ليس مجرد إغفال إداري؛ إنه يعكس ربما شعورًا بالإحباط أو الرفض الخفي لخطوة تُخفض درجة التمثيل الأمريكي في العراق إلى “مبعوث خاص” بدلاً من سفير كامل الصلاحيات.

فالعراق، الذي يُضم أكبر سفارة أمريكية في الشرق الأوسط – بميزانية سنوية تفوق المليار دولار وآلاف الموظفين – يبدو اليوم كأرض مهجورة دبلوماسيًا، حيث لم ترسل واشنطن سفيرًا إلى بغداد منذ سنوات، مما يُقلل التمثيل إلى مستوى غير رسمي يُشبه الاستشارة أكثر من الشراكة المتكافئة.

وفي عالم الدبلوماسية، حيث تُقاس القوة بعدد النجوم على الأعلام، يُمثل هذا الغياب تراجعًا دراماتيكيًا يُثير تساؤلات حول ما إذا كانت أمريكا تُعيد تقييم استثماراتها في دولة غارقة في فوضى سياسية واقتصادية.

مارك سافايا، الرجل الذي اختاره ترمب، ليس دبلوماسيًا محترفًا بتاريخ طويل في الخارجية الأمريكية؛ بل هو رجل أعمال ناجح من ديترويت، صاحب سلسلة متاجر للماريجوانا تحت اسم “ليف آند بود”، والتي اشتهرت بحملات إعلانية جريئة أثارت جدلًا في المدينة.

أصوله العراقية، كمسيحي كلداني، تُضفي على تعيينه طابعًا شخصيًا يتجاوز الحدود الرسمية؛ فهو ابن مهاجرين من العراق، ينتمي إلى أقلية كلدانية مسيحية تعرضت للاضطهاد الشديد في العقود الماضية، مما يجعله رمزًا للجالية العراقية في أمريكا.

تاريخه السياسي متواضع: دعم حملة ترمب في 2020 بتبرعات، وكان لاعبًا رئيسيًا في تعبئة الناخبين المسلمين الأمريكيين في ميشيغان خلال الانتخابات الأخيرة، مساهمًا في تحقيق إقبال قياسي أدى إلى فوز ترمب في الولاية الحاسمة.

على إنستغرام، حيث يتابعه عشرات الآلاف كمؤثر “ماغا”، يظهر سافايا إلى جانب ترمب في مناسبات متعددة، من الملاعب الجولف إلى التجمعات الانتخابية، مما يجعل تعيينه يبدو كمكافأة سياسية أكثر من ضرورة استراتيجية.

ومع ذلك، فإن هذا الخلفية غير التقليدية تُشير إلى أن ترمب يفضل “الولاءات الشخصية” على الخبرة الرسمية، في خطوة تُذكر بتعييناته السابقة لأصدقاء وداعمين في مناصب إقليمية حساسة.

يُفسر الوزير العراقي السابق للخارجية، هوشيار زيباري، هذا التعيين كإقرار صريح بأن الوضع في العراق “غير طبيعي”، ويحتاج إلى تدخلات خارج الإجراءات الدبلوماسية المعتادة.

زيباري، يرى في سافايا – الأمريكي المسيحي الكلداني ذي الأصول العراقية – محاولة لاستعادة الثقة مع أقليات محلية مهمشة .

هذا الرأي يتردد صداه في أوساط الدبلوماسيين العراقيين، الذين يخشون أن يكون التعيين إشارة إلى أن واشنطن تُفضل التعامل غير الرسمي لتجنب الالتزامات الدولية .

وفي الواقع، يُعد هذا التعيين جزءًا من نمط ترمبي يعتمد على مبعوثين خاصين لإدارة الصراعات الإقليمية، كما حدث مع سوريا والأكراد، حيث أثبتت هذه الآلية فعاليتها في تجاوز البيروقراطية – لكنها أيضًا أثارت انتقادات بأنها تُضعف المصداقية الدبلوماسية الأمريكية طويلة الأمد.

و لا يمكن فصل تعيين سافايا عن التصريحات الاستفزازية التي أدلى بها ترمب خلال قمة شرم الشيخ الأخيرة، حيث وصف العراق بأنه “بلد يمتلك كميات هائلة من النفط لدرجة أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون بها”.

هذه الكلمات، التي أثارت غضبًا في بغداد، تُوحي بأن واشنطن ترى في العراق مصدرًا اقتصاديًا يحتاج إلى “إدارة” أمريكية، بسبب التوترات الإقليمية والفساد الداخلي.

آراء متداولة تربط هذا التعيين بمحاولة ترمب لفرض نفوذ أمريكي مباشر على موارد الطاقة، مستفيدًا من علاقاته الشخصية مع شركات النفط الكبرى، في وقت يُفرض فيه تعرفة جمركية بنسبة 35% على واردات العراق.

في سياق آخر، يُرتبط تعيين سافايا ارتباطًا وثيقًا بالانتخابات العراقية المرتقبة في نوفمبر 2025، حيث تسعى واشنطن إلى ضمان مستقبل يُدار بأيدٍ بعيدة عن النفوذ الإيراني الذي يُسيطر على الكتل الشيعية الرئيسية.

ومن خلال مبعوث ينتمي إلى الجالية العراقية الأمريكية، تُحاول إدارة ترمب دعم فصائل معتدلة وأقليات – مثل الكلدان والمسيحيين – لتشكيل ائتلاف برلماني يُقلل من هيمنة طهران.

هذا الرهان ليس جديدًا؛ فقد نجحت واشنطن في الانتخابات السابقة في دعم قوى سنية وكردية، لكن اليوم، يبدو التعيين خطوة يائسة لاستعادة التوازن. إذا نجح سافايا في بناء جسور مع هذه الجهات، فقد يُعيد رسم خريطة السلطة في بغداد؛ أما إذا فشل، فسيكون شاهداً على تراجع النفوذ الأمريكي في وادي الرافدين، حيث تُقاتل الولايات المتحدة للحفاظ على وجودها العسكري والاقتصادي.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات