لندن ـ «القدس العربي»: شهدت بريطانيا مؤخرًا أشدّ صيف لها حرارةً على الإطلاق، حيث بلغ متوسط درجة الحرارة من حزيران/يونيو إلى آب/أغسطس 16.10 درجة مئوية، أي ما يزيد بمقدار 1.51 درجة مئوية عن المتوسط طويل الأمد.
ونقل تقرير نشرته جريدة «دايلي ميل» البريطانية، واطلعت عليه «القدس العربي»، عن مستشاري المناخ قولهم إن هذا قد يكون مجرد لمحة عما سيأتي، في إشارة إلى أن السنوات القادمة قد تكون أكثر حرارة وصعوبة.
وبالنظر إلى عام 2050، ينبغي على المملكة المتحدة الاستعداد للتعامل مع ارتفاع حاد في درجات الحرارة العالمية لا يقل عن درجتين مئويتين، وفقاً لخبراء من لجنة تغير المناخ «CCC» الحكومية.
وهذا أعلى بكثير من الحد الأقصى البالغ 1.5 درجة مئوية للاحتباس الحراري، المنصوص عليه في اتفاقية باريس.
وفي رسالة إلى الحكومة، حذّرت اللجنة من أن بريطانيا ليست مستعدة لمثل هذه الحرارة الشديدة، التي قد تُشعل فتيل المزيد من موجات الحر والجفاف وحرائق الغابات والفيضانات.
وبناءً على النتائج، تحثّ لجنة تغير المناخ الوزراء على اتخاذ إجراءات عاجلة.
وقال الدكتور دوغلاس بار، كبير العلماء في منظمة السلام الأخضر في بريطانيا: «يجب أن تدق ناقوس الخطر في الحكومة».
وأضاف: «لهذا الأمر تداعيات على جميع قطاعات الحكومة في مجالات الصحة والإسكان والنقل والأعمال، لذا يجب ألا يرتكب مكتب رئيس الوزراء خطأ ترك هذا الأمر لوزارة البيئة».
وأكدت اللجنة على ضرورة بناء منازل جديدة وشبكات كهرباء وبنى تحتية أخرى قادرة على التكيف مع درجات حرارة تصل إلى 4 درجات مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية بحلول نهاية القرن.
كما يجب أن تكون الأشجار المزروعة حاليًا لتخزين الكربون وتبريد المدن قادرة على تحمل ارتفاعات درجات الحرارة في المستقبل.
وتحثّ هذه النصيحة المملكة المتحدة على التخطيط لتغير مناخي أسوأ من هدف درجة الحرارة طويل الأجل لاتفاقية باريس.
ومع ذلك، ليس كل شيء قاتماً، حيث أكدت اللجنة أنها لا تزال تعتقد أن هدف 1.5 درجة مئوية ممكن.
لكن «إدارة المخاطر الحكيمة تتطلب مراعاة نطاق أوسع من النتائج الأسوأ المحتملة»، مع احتمال ارتفاع معدلات الاحترار بشكل أسرع بين الآن وعام 2050، ما قد يؤدي إلى تجاوز عتبة الدرجتين المئويتين بحلول منتصف القرن، في حين لا يمكن استبعاد ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 4 درجات مئوية بحلول نهاية القرن.
وتأتي هذه الرسالة رداً على طلب من الحكومة بشأن تقديم المشورة بشأن تعزيز أهداف تكيف بريطانيا مع الاحترار الحتمي الناجم عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والذي لطالما حذرت اللجنة من أنه لا يحظى بنفس التركيز الذي تحظى به جهود خفض تلك الانبعاثات.
وشهدت المملكة المتحدة هذا العام أشد صيف حرارة على الإطلاق، مع جفاف معظم أنحاء البلاد، وأحد أسوأ مواسم الحصاد على الإطلاق.
وجاء ذلك في أعقاب 18 شهراً من الطقس الممطر القياسي، وقبل ذلك تجاوزت درجات الحرارة 40 درجة مئوية في المملكة المتحدة لأول مرة في عام 2022، ما تسبب في ارتفاع حاد في وفيات الحر وحرائق الغابات المدمرة.
وتخطط اللجنة لإصدار تقرير رئيسي حول كيفية تكيف المملكة المتحدة مع تغير المناخ، في ايار/مايو المقبل، والذي سيُحدد فيه المزيد من التفاصيل حول ما يجب القيام به لإعداد البلاد لتغير المناخ.
لكنها دعت إلى وضع إطار عمل واضح لأهداف طويلة الأجل لتكيف بريطانيا مع تغير المناخ بحلول عام 2050، مع المضي قدماً في تحقيق أهداف كل خمس سنوات، ومساءلة واضحة من قبل الإدارات الحكومية عن تحقيقها.
وتحذّر اللجنة من أن ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة سيؤدي إلى ظواهر جوية متطرفة أكثر تواترًا وقوةً وغير مسبوقة تضرب المملكة المتحدة.
وستتضاعف احتمالات حدوث موجة حر كل عام، كما يُتوقع أن يتضاعف الوقت الذي يقضيه الناس تحت ظروف الجفاف في جميع أنحاء إنكلترا.
وسيرتفع مستوى سطح البحر، ومن المتوقع أن تزداد ذروة هطول الأمطار في جميع أنحاء بريطانيا بنسبة تصل إلى 10-15 في المئة في الأيام الأكثر رطوبة، وستزداد ذروة تدفقات الأنهار بنسبة تصل إلى 40 في المئة في بعض مستجمعات المياه، مما يزيد من خطر الفيضانات.
كما حذّر الخبراء من أن خطر حرائق الغابات سيزداد، مع زيادة عدد الأيام التي تكون فيها الظروف مواتية للغاية لاندلاع الحرائق، بينما سيمتد موسم حرائق الغابات حتى الخريف.
وأكدت اللجنة على ضرورة سعي الحكومة إلى تحقيق مستقبل يُقلّل من آثار ارتفاع درجات الحرارة على صحة الناس ورفاههم، ويُحافظ على الأمن الغذائي للمملكة المتحدة، ويُقدّم الدعم للطبيعة رغم تغيّر المناخ.
ويجب أن تعمل البنية التحتية الرئيسية بكفاءة كما هي عليه اليوم، أو حتى أفضل، ويجب ألا تتعطل المدن والبلدات والقرى، وأن تستمر الخدمات الحيوية، مثل الرعاية الصحية والاجتماعية، في العمل بشكل طبيعي في ظل الظروف الجوية القاسية.
كما يجب أن يظل بإمكان الناس الحصول على الخدمات الأساسية، مثل التأمين.
وقالت البارونة براون، رئيسة لجنة التكيف التابعة لهيئة تغير المناخ: «يعاني الناس في المملكة المتحدة بالفعل من آثار تغيّر المناخ، وعلينا أن نستعد لهم، وأن نساعدهم على الاستعداد أيضاً».
وأضافت: «نحن بحاجة إلى أن نرى الحكومة تتعامل مع التكيف بنفس الإلحاح الذي تعاملنا به مع خفض الانبعاثات. كلاهما ضروريان للغاية ويجب أن يسيرا جنبًا إلى جنب». وتابعت: «الأمر ليس إما هذا أو ذاك، فالتكيف ليس بديلاً عن الاستمرار في خفض انبعاثاتنا عالمياً بأسرع ما يمكن».