الوثيقة | مشاهدة الموضوع - مؤشرات التفاف حكومة بغداد على العقوبات الدولية على إيران : مصطفى العبيدي
تغيير حجم الخط     

مؤشرات التفاف حكومة بغداد على العقوبات الدولية على إيران : مصطفى العبيدي

مشاركة » الأحد أكتوبر 19, 2025 12:24 am

بغداد ـ «القدس العربي»: بالتزامن مع تفعيل العقوبات الدولية ضد إيران، يراقب العراقيون بقلق شديد، نموا متصاعدا في العلاقات الاقتصادية والعلمية والدينية بين العراق وإيران هذه الأيام، وسط خشية من اعتبار ذلك تحديا للإرادة الأمريكية والدولية وشمول العراق بتلك العقوبات.
ويلاحظ المراقبون، أن حكومة بغداد لم تبدِ موقفا واضحا إزاء العقوبات الدولية على إيران، ولم تُقدّم حتى الآن أي خطة بديلة أو مسار انتقالي يعكس استعدادها للتعامل مع متطلبات تلك العقوبات، ومنها التوقف عن الاعتماد على الغاز والكهرباء الإيرانية والحد من تنامي التبادل التجاري وإيقاف الحوالات والتحويل بالعملة الصعبة من العراق إلى إيران، بل أقدمتا بغداد وطهران على توسيع العلاقة بينهما بشكل متسارع.
وبهدف توسيع مجالات التجارة وحركة المسافرين بين العراق وإيران، أعلنت السلطات في البلدين عن فتح منافذ حدودية جديدة بينهما.
وقد حصلت مؤخرا الموافقة من رئاسة الوزراء العراقي، لبدء العمل على فتح منفذ حدودي بين محافظة ميسان العراقية، ومدينة إيلام الإيرانية، لتسهيل حركة المسافرين والبضائع، حيث قام وفد رسمي عراقي قبل أيام، بزيارة إلى إيران وعقد اجتماع في محافظة إيلام لمناقشة آلية استحداث منفذ علي الغربي – جلات.
وخلال الزيارة تم الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة من ذوي الاختصاص من البلدين للشروع في الإجراءات القانونية اللازمة للاستحداث على أن يكون التنسيق والتواصل عبر الوسائل الدبلوماسية والمتمثلة بوزارة الخارجية العراقية والإيرانية، وتم زيارة موقع جلات من قبل الوفدين للاطلاع على طبيعة الأرض ومكان استحداث المنفذ الحدودي في محافظة ميسان مع إيران والطرق المؤدية إليه.
وذكر بيان رسمي إيراني، «أن الوفد العراقي برفقة السفير الإيراني في العراق، عقد اجتماعا موسعا تم خلاله مناقشة كافة القضايا المتعلقة بتطوير وتنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، كما تم توقيع محاضر مهمة تضمنت سياقات وإجراءات متعددة سيكون لها دور إيجابي في نجاح وتطوير التجارة وبما يحقق متطلبات منظمة التجارة الدولية».
ومن جانبه، رأى السفير الإيراني لدى بغداد محمد كاظم آل صادق أن ارادة إيران والعراق لتوسيع العلاقات الاقتصادية «جادة»، موضحاً أنه من الممكن رفع حجم تجارة بين البلدين بـ 30 مليار دولار سنوياً.
وأضاف آل صادق الذي كان يتحدث في اجتماع لمحافظي ايلام الإيرانية وميسان العراقية حول إعادة افتتاح حدود «جلات» انه «تم التصديق الأولي على إنشاء هذا الممر الحدودي»، مضيفاً أن «هذا المشروع حُدد في إطار الاستراتيجية العامة للبلدين لتمتين العلاقات الاقتصادية وزيادة التبادل».
ويذكر أن حجم التجارة السنوية بين البلدين بلغ خلال العام 2024 نحو 12 مليار دولار.
وفي نفس السياق، أعلنت السلطات الإيرانية عن النية لفتح طرق جديدة بين البلدين، حيث تحدث محافظ خراسان الإيرانية غلام حسين مظفري، في تشرين الأول/اكتوبر الحالي، عن إنشاء طريق يربط العراق عبر محافظة ميسان ببلاده.
وقال مظفري في تصريحات نقلتها وكالة «مهر» الإيرانية للأنباء، تابعتها «القدس العربي»، خلال لقائه مع محافظ ميسان العراقية حبيب ظاهر الفرطوسي، إنه «على الرغم من عدم وجود حدود مباشرة بيننا وبين محافظة ميسان، إلا أنه بإمكاننا أن نكون بوابة لهذه المحافظة والعراق للدخول إلى أفغانستان وآسيا الوسطى من خلال إنشاء طريق مناسب».
وتابع: «في قطاعي الزراعة والنفط، تنشط في المحافظة شركاتٌ قوية، ويمكن الاستفادة من قدراتها. كما نتمتع بقدراتٍ عالية في مجال السياحة الصحية، ويمكننا توفير قائمةٍ بمراكزَ مرموقةٍ للقبول المباشر للمرضى».
وأوضح محافظ خراسان، أن «من بين ستة ملايين زائر عراقي يزورون إيران سنوياً، يسافر ثلاثة ملايين إلى خراسان. كما يدرس أكثر من 3800 طالب عراقي في جامعات مشهد. ونحن على استعداد لزيادة التعاون الأكاديمي والعلمي. ونحن سعداء بإقامة تبادل ثقافي جيد بين إيران والعراق»، مشيرا إلى أن «استراتيجية حكومتنا تتمثل في تطوير الدبلوماسية الاقتصادية مع الدول المجاورة». وقال: «أجرينا تبادلات تجارية مع محافظة كربلاء، وقد تم إرساء علاقات أخوية بين كربلاء وخراسان، ونحن مستعدون لتنفيذ هذا الأمر مع محافظة ميسان أيضا».
وفي إطار توسيع العلاقات التجارية أيضا، أعلنت إيران، في 4 تشرين الأول/اكتوبر الجاري، عن توقيع اتفاق مشترك بين منطقة خوزستان – جنوب شرق إيران، ومجلس محافظة البصرة العراقية، لإنشاء سوق تجارية مشتركة في مدينة شلامجة الحدودية.
وحسب وكالة «مهر» الإيرانية للأنباء «أعلن الرئيس التنفيذي لمنطقة أروند الحرة في إيران، مصطفى خانزادي، في اجتماع مشترك عقد بمشاركة وفدين إيراني وعراقي للبحث في سبل تطوير التعاون التجاري الثنائي بمنطقة أروند الحرة، وتوقيع اتفاق مشترك بين منطقة خوزستان، ومجلس محافظة البصرة العراقية والهيئة العامة للمناطق الحرة في العراق، لإنشاء سوق تجارية مشتركة في مدينة شلامجة الحدودية»، مشيراً إلى «الأهمية الاستراتيجية لمعبر شلامجة الحدودي في توسيع العلاقات الاقتصادية والتجارية والنقل بين البلدين».
وأعلن خانزادي، أن «هذا الاتفاق الذي يمتد لثلاث سنوات، يعد خطوة هامة نحو زيادة التفاعلات الاقتصادية، وإنعاش التجارة الحدودية، وتسهيل الترانزيت، وتنمية التعاون المستدام بين إيران والعراق، وستضطلع منطقة أروند الحرة بدور محوري في تنفيذه»، وفق الوكالة.
وبدوره، أعلن رئيس مجلس محافظة البصرة محمد كاظم، خلال الاجتماع، أن «العمل جار لتطوير المعبر في محافظة البصرة بهدف تجاوز المشاكل التي تعيق تبادل السلع بين البلدين».
وتابع كاظم، أن «هناك مشاريع اقتصادية وتجارية عديدة يمكنها أن تعزز العلاقات الحسنة القائمة بين البلدين»، منوها إلى «أهمية مشروع خط السكك الحديدية بين شلامجة والبصرة، وتأثيره الكبير على العلاقات التجارية»، داعياً إلى «الإسراع في وتيرة افتتاحه وبدء تشغيله».
والجدير بالذكر ان إيران أنشأت سابقا، مناطق حرة حدودية مع إقليم كردستان العراق.

استمرار الغاز الإيراني

ويعاني العراق منذ سنوات من نقص حاد في إمدادات الكهرباء بسبب سوء إدارة ملف الطاقة في البلاد وهدر الغاز في الحقول النفطية وتقادم البنية التحتية للصناعة النفطية وشبكات توزيع الطاقة، واعتماد حكومة بغداد بشكل كبير على الغاز الإيراني لتغطية جزء من احتياجاتها اليومية.
ورغم تجديد العقوبات الدولية على إيران، فقد ادعى وزير الكهرباء العراقي زياد علي فاضل، عدم ورود أي تبليغ رسمي إلى العراق بشأن منع استيراد الغاز الإيراني، رغم ان أغلب دول العالم بدأت بالالتزام ببنود تلك العقوبات الأممية.
وقال وزير الكهرباء خلال زيارته إلى البصرة، إن»عددا من محطات إنتاج الطاقة الكهربائية تعتمد على هذا الوقود».
وفي ظل الأزمة العراقية في توفير الطاقة والاعتماد شبه الكلي على الغاز والكهرباء الإيرانيين، فإن العراق يستورد ما يصل إلى ثلث حاجته من الكهرباء عبر الغاز الإيراني، الذي يعني التخلي عنه، خلق أزمات إضافية في توفير الكهرباء في العراق، بينما تجاهلها سيجعلها أمام خطر العقوبات الدولية.

استمرار الدعم العراقي لإيران

وفي حديث للتاجر محمد الجميلي لـ«القدس العربي»، أكد أن الدعم الاقتصادي من العراق إلى إيران لم يتوقف بعد تفعيل العقوبات الدولية مؤخرا. حيث ما زال البنك المركزي العراقي يحول كميات كبيرة من العملة الصعبة إلى الخارج يذهب أغلبها إلى إيران عبر المصارف الأهلية المتعاملة معها. كما أن الحكومة وبعض القوى الشيعية تدفع نحو توسيع التجارة واستيراد السلع والخدمات الإيرانية رغم كونها رديئة وتوجد بدائل أفضل منها، وذلك بحجة دعم الشعب الإيراني بمواجهة أمريكا. كما يتوافد ملايين العراقيين إلى إيران للدراسة والعلاج والزيارات الدينية وينفقون مليارات هناك.
وأعرب عن خشية الناس من أن سياسة حكومة بغداد، بتحدي المجتمع الدولي ودعم إيران ستجر العراق إلى فرض عقوبات دولية عليه بسبب عدم الالتزام بالعقوبات الدولية على إيران، وهو ما يعني انهيار الاقتصاد العراقي وعودة أوضاع الحصار التي عانى منها العراقيون بعد احتلال الكويت عام 1991. كما نوه الجميلي إلى تزايد تبادل الوفود والاجتماعات بين البلدين وعقد المزيد من الاتفاقيات الاقتصادية بينهما.
وكانت تقارير وزارة الخزانة الأمريكية، أشارت مؤخرا «قيام شبكات عراقية إيرانية بعمليات واسعة لتهريب النفط الإيراني من خلال خلطه بالنفط العراقي وبيعه باعتباره نفطاً عراقيا، كما تستخدم إيران ما بات يُعرف بالبنوك الظليلة في العراق لتحويل الأموال وتهريبها إلى إيران». فيما أشار معهد السياسة الخارجية في واشنطن إلى «أن العراق بات اليوم شريان حياة لإيران في مواجهة العقوبات، من خلال تهريب النفط والنقد عبر محور المقاومة، وهو ما يحقّق لإيران مليارات الدولارات سنويا».
وأطلق متابعون للوضع الاقتصادي العراقي، تحذيرات من أن المماطلة في إعلان خطة عراقية واضحة للتقييد بتنفيذ العقوبات الأممية المفروضة على إيران قد يضع بغداد في موقع حساس أمام مجلس الأمن، بسبب غياب الالتزام الرسمي تجاه القرارات الأممية التي تعد ملزمة لجميع دول العالم، بما يؤدي إلى تصنيف العراق كدولة غير ملتزمة، وما يترتب عليه من فرض عقوبات اقتصادية أو ضغوط إضافية عليه.
ولا شك أن العقوبات الدولية ستجبر طهران على تفعيل خطط طوارئ أبرزها محاولة فتح قنوات جديدة مع الحلفاء الإقليميين، وأولهم حكومة العراق. وفي المقابل سيتعين على حكومة بغداد في المرحلة المقبلة، أن تحدد مقدار قدرتها على المناورة بين الضغوط الدولية وتحالفها الاستراتيجي مع طهران، وان تختار بين مصالح العراق ومصالح الحلفاء الإقليميين.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات