بغداد ـ «القدس العربي»: على هامش انعقاد دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة الحالية، وفي إطار مساعي إنهاء ملف مخيم الهول للاجئين في سوريا، نظمت الحكومة العراقية في نيويورك، المؤتمر الدولي الخاص بمخيم الهول، الذي يعد معضلة أمنية وإنسانية معقدة تتشارك فيها عدة دول.
وشارك في المؤتمر وفد عراقي رفيع المستوى إلى جانب ممثلي الأمم المتحدة والعديد من الدول والحكومات والمنظمات المعنية بملف إعادة العوائل العراقية من مخيم الهول الواقع شمال شرق سوريا وقرب الحدود العراقية.
وجاء المؤتمر ضمن جهود حكومة العراق لتفكيك مخيم الهول، الذي يضم عشرات الآلاف من اللاجئين من جنسيات مختلفة هربوا من المعارك التي جرت في العراق وسوريا بينهم عناصر من تنظيم داعش الإرهابي مع عائلاتهم.
وتناول المؤتمر ثلاثة محاور رئيسية، تشمل: توعية المجتمع الدولي بخطورة مخيم الهول وما يشكله من تهديد للأمن والسلم الدوليين، واستعراض تجربة العراق في استعادة عوائله من المخيم، إضافة إلى دعوة الدول الأخرى لسحب رعاياها من المخيم وإنهاء وجوده بالكامل.
وخلال المؤتمر المذكور، تحدث رئيس الجمهورية العراقية عبد اللطيف رشيد، قائلا: «إن العراق عانى طويلاً من الإرهاب والجرائم التي طالت مختلف المكوّنات»، واعتبر أن ملف مخيم الهول «أحد أعقد الملفات». وأشار إلى أن المخيم يضم أكثر من 10 آلاف إرهابي من عدة دول، وأن خطة بغداد «تهدف إلى ضمان الاندماج وإعادة تأهيل العائدين».
وكشف رشيد أن 34 دولة نقلت رعاياها من المخيم، بينها العراق، فيما لا يزال رعايا من 6 دول متبقين، مبيناً أن العراق «أعاد حتى الآن 4.915 عائلة تضم 18.880 شخص من مخيم الهول».
ومن جانبه، ذكر وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، «نتطلع إلى نقاشات مهمة في المؤتمر»، مثنياً على نداء الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، للدول بسحب رعاياها من مخيم الهول.
وأكد على التزام العراق بالتعاون مع المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب، مطالباً بـ«معالجة إنسانية وأمنية عاجلة» للمخيم الذي «يشكل تحدياً إنسانياً وتهديداً أمنيا للمنطقة»، بحسب تعبيره. وأوضح أن التجربة العراقية في إعادة النازحين «تمثل نموذجاً للتعاون والتآزر»، حاثاً الدول على إعادة رعاياها من مخيم الهول «قبل نهاية العام الحالي».
وفيما دعا حسين إلى تشكيل مجموعة دولية لإعادة التأهيل والإدماج للاجئي المخيم، أشار إلى النية لعقد مؤتمر دولي لضحايا الإرهاب في بغداد خلال العام 2026.
أما وكيل الأمين العام للسياسات في الأمم المتحدة، غاي رايدر، فإنه أشاد بدور الحكومة العراقية في تنظيم المؤتمر الدولي الخاص بمخيم الهول، مذكراً بتأخر تفكيك المخيم كثيراً. وذكر المسؤول الأممي أن الأطفال يشكلون 60 في المئة من سكان المخيم الذي شدد على وجوب إعادة جميع المتواجدين فيه إلى بلدانهم.
بدوره، قال ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، محمد الحسان، خلال كلمته في المؤتمر، إن «الإرهاب خطر عالمي يهدد المجتمع الدولي». ودعا إلى إنهاء ملف مخيم الهول وغيره من المخيمات «لما تشكله من خطر»، مشددا على وجوب استعادة كل دولة رعاياها من المخيم الواقع جنوبي الحسكة السورية.
وفي مؤشر على خطورة الأوضاع في مخيم الهول، حثّت القيادة المركزية الأمريكية، الدول على إعادة مواطنيها من النازحين والمحتجزين في مخيمات سوريا، حيث شجع الأدميرال الأمريكي براد كوبر المشارك في المؤتمر على تسريع عودة المحتجزين والنازحين إلى بلدانهم، وأعلن عن خطط لإنشاء آلية تنسيق مشتركة جديدة.
وقال كوبر مخاطباً الحاضرين: «في وقت سابق من هذا الشهر، زرت مخيم الهول بنفسي وشاهدت الحاجة الماسّة لتسريع عمليات الإعادة. هناك تقدّم بالتأكيد، وأتطلع إلى مضاعفة هذه الجهود معكم جميعاً».
وأعلن كوبر أن القيادة المركزية بصدد إنشاء «خلية إعادة مشتركة» خاصة في شمال شرق سوريا لتنسيق عودة النازحين أو المحتجزين إلى أوطانهم، مشددا على أن «إعادة الفئات الهشة قبل أن تتعرض للتطرف ليست مجرد عمل إنساني، بل هي ضربة حاسمة ضد قدرة داعش على إعادة تشكيل نفسه، واليوم أنضم إليكم جميعاً في دعوة كل دولة لديها محتجزون أو نازحون في سوريا لإعادة مواطنيها». وأضاف: «ستواصل الولايات المتحدة دعم التحالف وجميع الدول الملتزمة بإعادة مواطنيها. معاً، نستطيع أن نضمن أن عملية دحر الإرهاب ستستمر كأرث دائم للسلام والاستقرار».
إجراءات العراق لتصفية المخيم
وعن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة العراقية في التعامل مع سكان مخيم الهول من العراقيين، أوضحت وزيرة الهجرة والمهجرين العراقية إيڨان فائق جابرو، أن الحكومة نجحت في استقبال أكثر من 29 وجبة تضم 19 ألف فرد من مخيم الهول.
وقالت جابرو، في كلمة خلال ترؤسها جلسة الإدماج في المؤتمر الدولي، إن «العراق نجح في خوض تجربة إنسانية معقدة لإعادة تأهيل ودمج العائدين من مخيمات شمال شرق سوريا، ولا سيما مخيم الهول، عبر مركز الأمل للتأهيل النفسي والمجتمعي»، مشيرة إلى أن «هذه التجربة تمثل نموذجاً فريداً في مواجهة التحديات الإنسانية بعد سنوات من الإرهاب والحروب».
ونوهت أن العراق «لم يقتصر في جهوده على توفير المأوى والغذاء للعائدين، بل ركز على إعادة بناء الإنسان وتأهيله نفسياً واجتماعياً واقتصادياً وقانونياً»، مؤكدة أن «البرامج التأهيلية شملت أكثر من 78 نشاطاً تخصصياً غطت المجالات النفسية والاجتماعية والصحية والتربوية والثقافية، فضلاً عن إصدار المستمسكات القانونية للعائدين».
وأشارت جابرو إلى أن «الحكومة العراقية تمكنت حتى الآن من استقبال أكثر من 29 وجبة تضم 19 ألف فرد، حيث تم تأهيل ودمج 12.564 شخص في مجتمعاتهم الأصلية، غالبيتهم من النساء والأطفال بنسبة تفوق 80 في المئة».
كما استعرضت المراحل الأربع لعملية التأهيل، ابتداءً من التدقيق الأمني ونقل الأسر من المخيم، مروراً بالإيواء والتأهيل المتعدد الجوانب، وصولاً إلى الإدماج الكامل في المجتمعات الأصلية، بالتعاون مع المؤسسات الحكومية والشركاء الدوليين.
وشددت الوزيرة على أن «النجاحات التي حققها العراق في هذا الملف لا تعني انتهاء التحديات، إذ تبقى إزالة وصمة العار الملتصقة بالعائدين مسؤولية جماعية وطنية ودولية»، مؤكدة أن الهدف الأسمى هو أن يكون الشخص المؤهل «قادراً على صنع قراره بنفسه والاندماج الكامل في المجتمع».
وعن حجم سكان المخيم، أعلنت السلطات العراقية عن إحصائيات العائدين من المخيم إلى العراق، حيث ذكر المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين، علي عباس جهانكير، أن «آخر وجبة عادت من مخيم الهول كانت في 28 حزيران/يونيو الماضي، تضم أكثر من 223 عائلة، يبلغ عددهم 839 شخصا، معظمهم من النساء والأطفال، وبهذا يكون مجموع ما تم نقله نحو 18 ألف شخص حتى الآن، والمتبقي نحو 5 آلاف شخص».
وذكر أن العائلات التي نقلت من مخيم الهول إلى مخيم الجدعة «الأمل» في محافظة نينوى، خضعوا إلى برامج تأهيلية تمهيدا لإعادة دمجهم في المجتمع، منوها أن نسبة الرجال بينهم تبلغ 25 في المئة والأطفال 65 في المئة.
وحسب جهانكير، فإن «بعض الدول استجابت لدعوات إعادة مواطنيها، لكن البعض الآخر لم يتخذ أي إجراء حتى الآن إزاء مواطنيهم القابعين في مخيم الهول».
واختتم قائلا: «مهمة وزارة الهجرة تنتهي بنقل جميع العراقيين وإغلاق المخيم أو تحويله إلى مرفق آخر، وهذا مرهون بإدارة دمشق كون المخيم يقع داخل الحدود السورية».
وكانت الحكومة العراقية، بدأت منذ عام 2021، باعادة أقارب عناصر تنظيم داعش العراقيين من مخيم الهول، الذي يقع جنوب شرق مدينة الحسكة في كردستان سوريا، وهو تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، ومعظم سكان المخيم هم أقارب لمسلحي داعش الذين قتلوا أثناء المعارك في العراق وسوريا.
ومنذ القضاء على دولة داعش في العراق عام 2017، قامت حكومة بغداد بتوجيه دعوات لدول إقليمية وأخرى حول العالم لديها رعايا في مخيم الهول، لبحث آليات إفراغ المخيم وتفكيكه بشكل نهائي. فيما ترفض العديد من الدول الغربية استعادة مواطنيها، وتفضل بقاءهم بعيدا عن أراضيها.
تحذيرات من خطورة المخيم
وطالما انطلقت دعوات السلطات الأمنية العراقية والمحللين، لإنهاء ملف المخيم وتفريغه من سكانه، لخطورة بقاءهم تحت سيطرة عناصر التنظيم الإرهابي في المخيم مع الخشية من تمكن التنظيم من الفرار وإعادة التجمع وتشكيل خطر على العراق.
وفي هذا السياق، أكد المحلل الاستراتيجي والأمني سرمد البياتي في تصريحات ولقاءات متلفزة تابعتها «القدس العربي»، أن «المؤتمر الدولي في نيويورك بشأن مخيم الهول يمثل أهمية كبيرة للعراق نظراً لما يشكله هذا الملف من تهديد مباشر على أمنه القومي وحدوده».
وأضاف أن «هذا ليس المؤتمر الأول، إذ عُقدت في العراق مؤتمرات عديدة بشأن ما يجري في مخيم الهول»، مشيراً إلى أن «المخيم يضم حالياً قرابة خمسة آلاف عراقي، كما تمت إعادة آخرين ومحاولة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع».
وأضاف أن «المشكلة تكمن في بقاء نحو ستة آلاف ومئتي شخص من اثنين وأربعين جنسية مختلفة، وهو ما يشكل خطراً حقيقياً على الحدود العراقية»، مبيناً أن «غالبية المتبقين في المخيم هم من الأجانب، إضافة إلى وجود سوريين».
ويؤكد المراقبون أن إصرار حكومة بغداد على إنهاء ملف نازحي مخيم الهول يعود بالدرجة الأولى للخشية من احتمال إعادة تنظيم داعش تشكيله من عناصره المنتشرة في المخيم وخارجه، والعودة إلى مهاجمة المدن العراقية في الوقت المناسب لها، واصفين المخيم بأنه «قنبلة موقوتة» تستدعي معالجة عاجلة من خلال إعادة تأهيل اللاجئين ودمجهم في مجتمعاتهم. وفي المقابل أبدت بعض القوى السياسية الشيعية قلقها من عودة عائلات داعش إلى العراق وحذرت من كونهم خلايا نائمة قد تعيد نشاطها في أي وقت، رغم تأكيد السلطات الأمنية بانها تجري تدقيقا أمنيا وتنظم دورات تأهيل نفسي للنازحين قبل إعادة زجهم وسط المجتمع.