لندن ـ «القدس العربي»: تخطط وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» لإنشاء «قرية» كاملة على سطح القمر بحلول عام 2035، وفقاً لما صرح به رئيس الوكالة خلال حلقة نقاشية موسعة في مؤتمر دولي متخصص.
وكشف شون دافي، مدير «ناسا»، عن خطط لبناء قاعدة مستدامة ودائمة على سطح القمر خلال العقد المقبل، بحسب ما نقل تقرير نشرته جريدة «دايلي ميل» البريطانية، واطلعت عليه «القدس العربي».
وظهر دافي في حلقة نقاشية ضمن فعاليات المؤتمر الدولي للملاحة الجوية «IAC» في سيدني بأستراليا إلى جانب رؤساء وكالات فضاء دولية أخرى.
وخلال الحلقة النقاشية، قال: «سنوفر حياة بشرية مستدامة على سطح القمر. ليس مجرد قاعدة، بل قرية».
وفي شباط/ فبراير من العام المقبل، ستطلق «ناسا» مهمة «أرتميس2»، وسترسل أربعة رواد فضاء في أول رحلة قمرية منذ أكثر من 50 عاماً.
وفي حين أن «أرتميس2» لن تهبط على سطح القمر، فإن الهدف النهائي لوكالة «ناسا» هو إنشاء قاعدة طويلة الأمد على سطح القمر.
ومن المرجح أن تعمل هذه القاعدة بالطاقة النووية، وقادرة على إيواء رواد الفضاء بشكل دائم، ومبنية من المواد الموجودة على سطح القمر.
وكان موضوع مؤتمر «IAC» هذا العام «فضاء مستدام: أرض مرنة»، وهو ما فسره دافي على أنه يعني كيف يمكن لناسا استدامة الحياة في الفضاء.
وبينما أشاد رؤساء وكالات الفضاء الأوروبية والكندية واليابانية بدور أقمارهم الصناعية في دعم أبحاث المناخ، ركزت «ناسا» حصرياً على استكشاف الفضاء.
وبالإضافة إلى كشفه عن خططه للقمر، أدلى دافي أيضاً بادعاءات جريئة حول طموحات الولايات المتحدة في مجال المريخ.
وعندما سُئل عن مستقبل نجاح ناسا بعد عقد من الزمن، قال دافي إن الوكالة ستكون قد «حققت قفزات نوعية في مهمتنا للوصول إلى المريخ». كما توقع أن الولايات المتحدة ستكون «على وشك إرسال بشر إلى المريخ».
ومع ذلك، فإن الهدف الأكثر إلحاحاً لوكالة «ناسا» هو إعادة البشر إلى القمر لأول مرة منذ انتهاء مهمات أبولو عام 1972.
وخلال مهمة «أرتميس2» في شباط/فبراير المقبل، سيختبر رواد الفضاء صاروخ نظام الإطلاق الفضائي ومركبة أوريون الفضائية التي ستحمل البشر إلى القمر.
وعلى مدار 10 أيام، سيقطع الطاقم مسافة 5700 ميل (9200 كيلومتر) حول القمر، لاختبار الأنظمة على متن المركبة وجمع بيانات حول ردود فعل أجسامهم، قبل العودة إلى الأرض. لكن الاختبار الأكبر لوكالة «ناسا» سيأتي في منتصف عام 2027 مع إطلاق «أرتميس3»، التي تخطط لهبوط رائدي فضاء في موقع بالقرب من القطب الجنوبي للقمر.
وعلى عكس مهمات أبولو، التي قضت ما يصل إلى 22 ساعة على سطح القمر، ستتطلب «أرتميس3» من رواد الفضاء البقاء على سطح القمر لمدة سبعة أيام تقريباً.
وستُستخدم جميع البيانات التي يجمعونها عن الجيولوجيا والظروف المحيطة بالقطب الجنوبي للتحضير للهدف النهائي المتمثل في بناء قاعدة دائمة على القمر.
وعلى الرغم من أن التفاصيل التقنية لا تزال غير واضحة، إلا أنَّ شكل هذه القاعدة القمرية بدأ يتبلور.
وفي آب/أغسطس الماضي، أصدر دافي توجيهاً يدعو فيه الولايات المتحدة لأن تصبح أول دولة تُنشئ مفاعلاً نووياً على سطح القمر. وعقب ذلك، أصدرت ناسا طلب معلومات تطلب فيه من الشركات تسجيل اهتمامها ببناء المفاعل.
وتقول «ناسا» إن هذا المفاعل، الذي أُطلق عليه اسم «نظام الطاقة السطحية الانشطارية»، سيحتاج إلى وزن أقل من 15 طناً وأن يكون قادراً على إنتاج 100 كيلوواط/واط من الطاقة. وهذه الطاقة كافية لتشغيل قاعدة قمرية طوال الليالي القمرية التي تبلغ 14 يوماً، والتي ستكون خلالها الألواح الشمسية غير فعالة. ويقول العلماء إن أي مفاعل يُثبت فائدته على القمر سيكون قيّماً أيضاً لمهام استكشاف المريخ المستقبلية، حيث تتطلب المسافات الشاسعة بقاء البشر على السطح لفترات طويلة.
وبدأت «ناسا» أيضاً في البحث عن المواد التي يمكن استخدامها لإنشاء هيكل القاعدة.
وفي تجربة حديثة، مارس رواد الفضاء على متن محطة الفضاء الدولية تقنيات خلط الأسمنت لمعرفة مدى فعاليتها في ظروف خارج جاذبية الأرض.
وفي بيان رسمي، صرّح مسؤولو «ناسا» بأن أحد خيارات بناء القاعدة القمرية قد يتمثل في «استخدام بيئة انعدام الجاذبية لخلط تربة القمر مع مواد أخرى لصنع الأسمنت وبناء هياكل صالحة للسكن على القمر».
وإذا ثبتت جدوى ذلك، يمكن طباعة القاعدة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد بواسطة آلات تُرسل إلى القمر على متن صواريخ، باستخدام التربة والمياه القمرية الموجودة في موقع القطب الجنوبي فقط.
وعلى الرغم من المخاوف من أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيفقد اهتمامه بالبعثات إلى القمر، إلا أن «ناسا»، بقيادة دافي، اتخذت موقفاً جريئاً بشكل متزايد بشأن استكشاف القمر.
وفي بيان صدر مؤخراً، قال دافي إن ناسا «ستفوز في سباق الفضاء الثاني» ضد الصين من خلال برنامج أرتميس. وأضاف الدكتور دافي: «نحن عائدون إلى القمر، وهذه المرة، عندما نرفع علمنا، فإننا سنبقى هناك».