ما يزال استئناف تدفق النفط عبر خط الأنابيب بين إقليم كوردستان وتركيا، يثير قراءات متباينة، حول من يراها خطوة حتمية تمت بضغط أميركي وتلويح بفرض عقوبات على بغداد، وبين من يصورها كإشراقة شمس، فوق جبال الإقليم لكنها مجرد خطوة أولى.
وذكر موقع “أويل برايس” المتخصص بالشؤون النفطية، في تقرير، أن “الولايات المتحدة تنظر إلى إقليم كوردستان كشريك استراتيجي، وهي تمارس ضغوطاً على بغداد لقطع اعتمادها على إيران، في حين أن الصين وروسيا وإيران تؤيد موقف بغداد بالسيطرة مركزيا على قطاع النفط”.
ونقل الموقع عن مصدر في قطاع النفط، مقرب من وزارة النفط العراقية، قوله إن “دخول الولايات المتحدة إلى النزاع الذي استمر لمدة عامين ونصف العام، هو السبب الرئيس وراء عدم وجود اعتراضات مفاجئة من جانب الحكومة العراقية الاتحادية وتركيا”، مذكّراً بأن “بغداد كانت تشترط قبل استئناف العمل بالخط، أن تدفع أنقرة 1.5 مليار دولار كأضرار بسبب الصادرات التي تعتبرها بغداد غير مشروعة من جانب إقليم كوردستان”.
وأوضح أن “التهنئة المبكرة على استئناف تدفقات النفط من الإقليم إلى تركيا، في 27 أيلول/سبتمبر جاءت من جانب وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، الذي أكد أن واشنطن ساعدت في تسهيل الصفقة”.
وتابع التقرير، قائلاً إن “واشنطن بدأت في تعزيز الضغط على بغداد للموافقة على مثل هذه الصفقة مع الإقليم في أذار/مارس الماضي عبر محادثة صريحة للغاية بين روبيو ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، حيث أكد الوزير الأمريكي على الأهمية التي توليها الولايات المتحدة لاستقلال العراق في مجال الطاقة، وبالتالي التوقف عن دعم إيران من خلال استمرار شراء الغاز والكهرباء منها”، مضيفاً أنه “جرى التوضيح وقتها انه اذا تحركت بغداد في هذه الاتجاهات فستتلقى المزيد من الاستثمارات من الولايات المتحدة، ولكن إذا لم تفعل ذلك، فلن يكون هناك المزيد من الاستثمار، وإنما سيتم فرض المزيد من العقوبات عليها بحيث تتصاعد في حدتها بسرعة كبيرة”.
لكن تقرير “أويل برايس”، اعتبر انه في ظل وجود اهتمام كبير لكل من الشمال والجنوب العالميين في نتائج العلاقة بين إقليم كوردستان وحكومة بغداد الاتحادية، فإنه يجب أن نرى الآن أي منهما سيستخدم سياسة العصا والجزرة ليكون الأكثر اقناعاً بالنسبة لبغداد.
ومن جهتها، وصفت صحيفة “ذا ناشيونال” الصادرة بالانكليزية بدء تدفق النفط عبر خط أنابيب النفط من إقليم كوردستان إلى تركيا، بأنه بمثابة “شروق للشمس” فوق جبال الإقليم بعد عامين من الاغلاق، إلا لأنها اعتبرت أن هذا ليس سوى خطوة اولى بالنسبة للإقليم والعراق بأكمله.
وذكر تقرير الصحيفة الصادرة في أبوظبي، بأن خط الانابيب “العراقي – التركي” (ITP) بدأ عملياته في العام 1977، لنقل النفط من المنطقة المحيطة بحقل كركوك العملاق في الى ميناء جيهان التركي على البحر الابيض المتوسط، مشيراً إلى أن هذا المسار كان حيويا بالنسبة الى العراق لأنه يجنبه الاعتماد على منافسيه السياسيين، إيران شرقاً وسوريا غرباً.
ولفت إلى أنه بعد غزو صدام حسين لإيران في العام 1980، قطعت صادرات العراق النفطية من خلال مياه الخليج، ما ابقى تركيا كمنفذ وحيد للنفط العراقي، مبيناً أن خطاً ثانياً وأكبر دخل على نفس المسار الخدمة في العام 1987، في وقت متأخر من الحرب العراقية – الإيرانية.
وأوضح التقرير، أن إقليم كوردستان اكمل في العام 2013، خط أنابيب يربط حقوله الخاصة بـ “خط ITP” وبدأ بتسويق نفطه بشكل مستقل عن السلطات الاتحادية العراقية، التي تعتبر أن هذا يدخل ضمن مسؤوليتها الحصرية، مشيراً إلى صدور حكم في آذار/مارس 2023 لصالح العراق حول هذا الخلاف، جعل تركيا تغلق خط الانابيب، وانه برغم أن أنقرة كانت مستعدة بعد ذلك لإعادة فتحه، إلا أن النزاع حول حقوق النفط بين السلطات الاتحادية والإقليم عرقل التقدم.
وبحسب التقرير، فإن السوداني كان يرغب في تسوية أزمة خط الأنابيب، إلا أنه تعرض لضغوط من عناصر سياسية مناهضة للكورد في بغداد، موضحاً أن السوداني كان حريصاً على التوصل إلى اتفاق بهدف تعزيز موقفه قبل الانتخابات النيابية في تشرين الثاني/نوفمبر.
وبالإضافة إلى ذلك، تحدث أن الولايات المتحدة مارست نفوذها، كرغبة منها في مساعدة شركاتها العاملة في كوردستان، وضخ المزيد من النفط في السوق، واضعاف المصالح المرتبطة بإيران في بغداد، مضيفاً أن إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية توصلا إلى اتفاق يقضي بأن تقوم وزارة النفط الاتحادية، من خلال شركة “سومو”، بتسويق النفط، ما يفتح بدوره الطريق أمام مدفوعات الميزانية المركزية لأربيل.
إلا أن التقرير، لفت إلى أن شركات النفط الدولية العاملة في كوردستان، امتنعت عن استئناف الصادرات حتى يتم ضمان مصالحها المالية وقبول صلاحية عقودها من قبل الجانب الحكومة الاتحادية، ولو ضمنيا على الأقل، مستطرداً بالقول: “بسبب ذلك، فقد كاد الاتفاق أن يخرج عن مساره بسبب ضربات الطائرات المسيرة التي الحقت اضراراً طفيفة ببعض الحقول في تموز/يوليو وأدت إلى قطع حوالي 100 الف برميل يومياً مؤقتاً من الانتاج، إلا أنه بعد مفاوضات طويلة، جرى التوصل إلى اتفاق انضمت إليه كل شركات النفط الدولية العاملة في الإقليم، باستثناء شركتي (روسنفت) و(غازبروم) الروسيتين، و(دي ان او)، النرويجية”.
وبينما ستبيع “سومو” النفط، وستحصل الشركات مبدئياً على 16 دولاراً للبرميل وهو مبلغ سيعدل لاحقاً، فانه من المقرر ان يسلم إقليم كوردستان ما لا يقل عن 230 ألف برميل يوميا إلى “سومو” للتصدير، مع تخصيص 50 ألف برميل يوميا للاستخدام المحلي، بحسب التقرير.
وأشار إلى أن الأكثر أهمية في ما يجري على المدى البعيد بآثاره، هو أنه بعد عقدين من الخلافات والنزاعات القانونية وانقطاع الميزانية، فان بغداد قبلت بشرعية استقلالية قطاع النفط الكوردي، في حين أن أربيل في المقابل تخلت عن سيادتها لصالح السلطات الاتحادية فيما يتعلق بالصادرات و مدفوعات النفط.
ورأى التقرير، أنه من المفترض أن يؤدي التدفق المالي الأكثر استقراراً من الميزانية الاتحادية إلى استقرار الاقتصاد الكوردي، كما أن العديد من الشركات الدولية ستكون قادرة الآن على الاستثمار بشكل مستمر في التطورات الجديدة، ما يعزز إنتاج الإقليم.
لكنه ذكر في نفس الوقت، بأن المحطة التالية تتعلق بانتهاء معاهدة خط الأنابيب “العراقي – التركي”، في تموز/يوليو من العام المقبل، حيث أن تركيا سبق لها أن المحت إلى أنها لن تجدد الاتفاق، وأنها تريد معاهدة جديدة.
كما تابع الموقع، أن خط الانابيب مهم لكلا الدولتين، إلا أنه بالإمكان استخدامه بشكل افضل بكثير، حيث من الممكن اعادة تأهيله ليصل إلى طاقته الاساسية البالغة 1.5 مليون برميل يوميا، في حين تريد تركيا توسيعه لنقل 2.2 مليون برميل يوميا، لافتاً إلى أنه من المحتمل أيضاً أن تركيا ستسعى إلى التفاوض من أجل تخفيض قيمة تعويض التحكيم الدولي المستحق عليها لبغداد.
وقال التقرير، إن العراق طرح سابقاً فكرة بناء خط أنابيب إلى العقبة في الأردن، بما سيتيح له الحصول إلى منفذ مستقل عن الخليج، مبيناً أن هذا الخط قد يتعرض للانقطاع بسبب سوء الأحوال الجوية أو بسبب اعتداء عسكري.
وأكد أن الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران قد عززت من هذا القلق، كما أن طريق العقبة طويل ومكلف، منوهاً إلى أن النظام الجديد في سوريا منفتح على فكرة احياء خط انابيب “كركوك-بانياس”، وهو خيار يعزز موقف بغداد في مفاوضاتها مع أنقرة.
وختم الموقع تقريره بالقول، إن “الصفقات المحدودة الأجل سابقاً حول النفط والميزانية بين بغداد وأربيل، كان تتعرض للانهيار في غضون أشهر قليلة”، مشيراً إلى أن “هناك العديد من التفاصيل التي يمكن أن تعرقل التعاون هذه المرة، وأن اصلاح مصدر رئيسي للصداع والتشتيت، يفترض أن يجعل قطاع الطاقة العراقي بأكمله، ينساب بسلاسة أكبر”.