لندن ـ «القدس العربي»: وضع علماء الآثار أيديهم على أقدم دليل يؤكد استخدام البشر لتقنيات التحنيط من أجل الاحتفاظ بالجثث بعد الوفاة، ويعود هذا الدليل إلى 12 ألف عام مضت، عندما كانت الجثث تُجفف بالدخان قبل دفنها.
وقال تقرير نشرته جريدة «دايلي ميل» البريطانية، واطلعت عليه «القدس العربي»، إنه عندما يتعلق الأمر بالتحنيط، عادةً ما يتبادر إلى الأذهان المصريون القدماء، لكن علماء الآثار اكتشفوا أدلة تُظهر أن الحضارات الأخرى كانت تستخدم هذه التقنية لحفظ موتاها قبل آلاف السنين.
واكتشف الخبراء بقايا هياكل عظمية يعود تاريخها إلى 12 ألف عام في جنوب الصين، حيث كانت الجثث تُجفف بالدخان قبل دفنها.
ويُمثل هذا أقدم دليل معروف على التحنيط البشري، ويمثل «مجموعة راسخة من المعتقدات الثقافية وممارسات الدفن»، حسب ما أكدت «دايلي ميل».
وحلل الباحثون عينات من عظام بشرية من 95 موقعاً أثرياً تعود إلى ما قبل العصر الحجري الحديث في جنوب الصين. وسجلوا أوضاع الدفن في الأرض، وغالباً ما كانت منحنية، أو منحنية بشدة، أو في وضع القرفصاء، وغالباً ما كانت تحمل علامات ربط مشدود. كما فحصوا علامات حرق وقطع ظاهرة على عظام مستخرجة.
وكتبوا: «نقدم أدلة تشير إلى أن الجثث كانت تُدخّن لعلاج وتحنيط الجلود المحيطة بهياكلها العظمية».
وأوضح الفريق، بقيادة باحثين من الجامعة الوطنية الأسترالية، أن وضعيات الجثث المضغوطة بشدة وعدم وجود انفصال للعظام المرتبط بالتحلل يشيران إلى أن الجثث دُفنت في حالة جافة، وليس كجثث طازجة.
وكشف تحليل البنى الدقيقة الداخلية لعينات عظام مختارة عن أدلة على تعرضها للحرارة، عادةً بشدّة منخفضة نسبياً.
وأضافوا أن النتائج مجتمعة تشير إلى أن العديد من الجثث عولجت بفترة طويلة من تجفيف الدخان فوق النار قبل دفنها.
ويشبه هذا النوع من التحنيط ممارسات الدفن المعاصرة المسجلة في بعض مجتمعات السكان الأصليين في أستراليا وهضاب غينيا الجديدة.
ووفقاً للباحثين، تُحدد النتائج ممارسات التحنيط في جنوب شرق آسيا التي استمرت لأكثر من عشرة آلاف عام، وتسبق تلك المرتبطة بمصر القديمة وحضارة تشينتشورو في تشيلي.
ويشير الباحثون إلى أنه كجزء من عملية التحنيط، كانت الجثث تُربط بدرجات متفاوتة، غالبًا في وضعية شديدة الانحناء.
وبعد ذلك، كانت تُوضع فوق نار منخفضة الحرارة. وبعد الانتهاء من التدخين، تُنقل المومياء المُدخنة إلى مسكن، أو كوخ مُشيد خصيصًا، أو مأوى صخري، أو كهف.
وفي النهاية، تُدفن الجثث، معظمها سليمة باستثناء الجثث التي تحللت.
وكتب الباحثون في مجلة «وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم»: «من الناحية العملية، كان التدخين على الأرجح الخيار الأكثر فعالية لحفظ الجثث في المناخات الاستوائية، حيث كانت الحرارة والرطوبة ستتسببان في تحلل سريع».
وفي النهاية، تُدفن الجثث، معظمها سليمة باستثناء الجثث التي تحللت.
ويقول الباحثون: «عملياً، كان التدخين على الأرجح الخيار الأكثر فعالية لحفظ الجثث في المناخات الاستوائية، حيث كانت الحرارة والرطوبة ستتسببان في تحلل سريع».
ومع ذلك، فإن الاتساق والعناية في هذه المعالجات قد يشيران إلى أن الحفظ وحده لم يكن الاعتبار الوحيد.
وأوضحوا أنه في بعض المجتمعات، لا يزال الناس يعتقدون أن روح المتوفى تتجول بحرية خلال النهار وتعود إلى الجثة المحنطة ليلاً.