الوثيقة | مشاهدة الموضوع - بين الحوار والضغط العسكري.. تركيا ترسم توازنها الجديد مع الحشد الشعبي العراقي
تغيير حجم الخط     

بين الحوار والضغط العسكري.. تركيا ترسم توازنها الجديد مع الحشد الشعبي العراقي

مشاركة » السبت سبتمبر 20, 2025 12:16 am

كشف صحيفة “دايلي صباح” التركية، عن ملامح سياسة أنقرة تجاه العراق والحشد الشعبي، حيث أنها تسعى إلى صياغة معادلة دقيقة تجمع بين الدبلوماسية والانخراط المباشر، مع التلويح بقوتها العسكرية عند الحاجة.

يأتي ذلك في إطار الرؤية التركية الرامية لمنع العراق من التحول إلى “سوريا ثانية” أو أن يصبح ساحة خلفية لنفوذ إيران، مبينة أن تعامل أنقرة مع الحشد الشعبي بات جزءاً أساسياً من إستراتيجيتها الأمنية والسياسية، بما يوازن بين حماية مصالحها القومية والحفاظ على استقرار العراق ووحدته.

واستعادت الصحيفة في تقرير “أصول تأسيس الحشد الشعبي وارتباط بعض قواه تاريخياً بإيران منذ مرحلة الحرب العراقية-الايرانية، وفتوى المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني”.

وبينت أن “الحشد صار جزءاً من الدولة ويتمتع بالتأثير على السياسات الحكومية، لكن وبشكل متناقض أيضاً يتمتع بهيكل يعمل بشكل مستقل جزئياً عن سلطة الدولة، بالإضافة إلى وجود انقسام إيديولوجي بين الجماعات داخل الحشد، ما بين الولاء لإيران، وبين الولاء للسيستاني إو لقوى إخرى مثل التيار الصدري”.

ورأى التقرير أن “قطاعات كبيرة تقول إن اعتماد الحشد المفترض على إيران يقوض السيادة العراقية، وأن اتباع بعض الجماعات مدرسة قم، بدلاً من مدرسة النجف، يثير انتقادات لأنه يغذي الطائفية في العراق”.

وبحسب التقرير، فإن “استخدام” إيران للحشد الشعبي كـ”أداة لنفوذها”، يثير مخاطر يمكن أن تضع العراق في مواجهة الدول العربية المجاورة وحتى تركيا، مشيراً إلى أنه “في حال استمرت الأعمال غير المنضبطة لبعض الفصائل المتشددة داخل الحشد الشعبي، فإن التوازن الطائفي الهش قد يهتز”.

كما يمكن للعراق أن “يتحول إلى ساحة للصراع على السلطة بين إيران والغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة”، لافتاً إلى أنه “بالنظر إلى وجود قوات من التحالف التحالف الدولي وبعثة حلف (الناتو) لأغراض التدريب، فإن هناك من يتحدث عن أن العناصر المتشددة داخل الحشد الشعبي، قد تستهدف هذه القوات في المستقبل”، بحسب التقرير.

وذكر التقرير، أن “تركيا أكدت دائماً على تأييدها للسلامة الإقليمية للعراق ووحدته السياسية، وتبنت إستراتيجية لإقامة تواصل مع كل الجهات الفاعلة التي تؤدي دوراً مهماً في التوازن الداخلي للعراق”، مضيفاً أن “هذا النهج صار واضحاً بشكل خاص بعد أن أصبح هاكان فيدان وزيراً للخارجية التركية، إذ أنه يعرف جيداً الأطراف الفاعلة العراقية بصفته الرئيس السابق للاستخبارات التركية، وهو قام بزيارة بغداد ما أن تولى منصبه”.

وبحسب التقرير، فإن “العوامل الرئيسية التي تشكل موقف أنقرة الأمني والدبلوماسي فيما يتعلق بالحشد الشعبي، تتلخص في مكافحة حزب العمال الكوردستاني وعدم الاستقرار في شمال العراق”، مذكراً بأن “أنقرة سعت منذ فترة طويلة إلى تعزيز التعاون الأمني مع الحكومة العراقية بسبب وجود حزب العمال الكوردستاني في الشمال العراقي، بما في ذلك منطقة سنجار”.

وذكر التقرير بـ”تصريح لفيدان لقناة (سي أن أن ترك) في آذار/ مارس 2024، أشار فيه إلى مشاورات تركية مكثفة جرت مع قادة الحشد الشعبي حول سنجار، حيث أنه استناداً إلى ما قاله فيدان، فإن أنقرة عملت مع الحكومة العراقية للسيطرة على نقاط حساسة محددة في سنجار وسد الفجوات على طول الحدود”.

وأضاف أنه “جرى التواصل بشكل منتظم مع رئيس هيئة الحشد فالح الفياض الذي زار أنقرة مرتين للقاء فيدان”.

ونقل عن فيدان قوله إن “موقف تركيا يتمثل في أن الحشد الشعبي أصبح الآن حقيقة واقعة في العراق، وهو قوة قانونية مدرجة في النظام، وتتلقى ميزانيتها من الدولة”.

وبعبارة أخرى، أوضح التقرير التركي، أن “أنقرة تعتقد أنه من غير المجدي الآن استبعاد الحشد الشعبي، وأن الأكثر منطقية البحث عن حلول من خلال طرحها على الطاولة، وبذلك فإنه في حال ظهرت مشكلة في المستقبل بسبب الحشد الشعبي، فلن تتاح لقادة الحشد القول إنه لم يتم تضميننا في العملية”.

واعتبر التقرير، أنه “من خلال انتهاج إستراتيجية كهذه، فإن تركيا تشجع الحشد الشعبي، وتوجه في الوقت نفسه رسالة غير مباشرة إلى إيران”، موضحاً أن “أنقرة تشير إلى أنها ستعترف بشرعية الحشد إذا أخذت زمام المبادرة بشأن القضايا التي تتضمن وجود أعداء مشتركين، مثل حزب العمال الكوردستاني، إلا أنه ستنظر إلى الحشد على أنه بمثابة تهديد إذا لم يفعل ذلك”.

كما أن “صناع القرار الأتراك يقدرون بأن القوى المتشددة داخل الحشد الشعبي يمكن أن تشكل تهديداً طويل المدى ليس للعراق وحده وأنما أيضاً لتركيا وحلف (الناتو)”، مشيراً إلى “احتمال لجوء قوى مثل كتائب حزب الله استهداف القواعد التركية وجنودها في المنطقة بإطار مشابه لاستهداف الوجود العسكري الأمريكي”.

وذكر التقرير بـ”اجتماع فيدان ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض في 30 آب/ أغسطس 2025 والذي أعلنت وزارة الخارجية التركية عنه للجمهور، من دون أن تقدم تفاصيل إضافية”، إلا أن التقرير أوضح أن “التركيز الأساسي للاجتماع يتعلق بمناقشة الإجراءات المتحتم اتباعها ضد وجود حزب العمال الكوردستاني في العراق”.

ولفت إلى أنه “من المحتمل أنه تمت مناقشة تعزيز الرقابة في مناطق مثل سنجار ومخمور بدعم من قوات الحشد الشعبي وتقييد منطقة عمليات حزب العمال الكوردستاني، إلى جانب بحث المسائل المتعلقة بمعسكر بعشيقة، حيث من المعتقد أن فيدان نبه الفياض إلى أن الوجود التركي هدفه المساهمة في استقرار العراق”.

وبالرغم من أن “زيارة الفياض تبدو منصبة على الأمن، إلا أن تركيا تثير أيضاً أبعاد التعاون الاقتصادي والإنساني في محادثاتها التي ربما تناولت أيضاً أمن الاستثمارات التركية ومشاريع الطاقة في المحافظات الجنوبية، مثل البصرة وكربلاء، حيث ينشط الحشد الشعبي، بالإضافة إلى مسألة أمن الزوار من المواطنين الأتراك مثل الذين يزورون المقامات الدينية”، بحسب التقرير.

وتابع أن “توقيت لقاء فيدان والفياض مهم أيضاً، حيث أن الزيارة تمت في وقت تصاعدت فيه التوترات الإقليمية بين إيران والولايات المتحدة والصراع الإسرائيلي الفلسطيني يفاقم من التوترات الإقليمية”، مضيفاً أن “أنقرة بصفتها داخل حلف (الناتو)، تريد منع العراق من التحول بالكامل نحو المحور الإيراني، ولهذا فأنه وفق هذه الرؤية، فإن تركيا تبنت لهجة حرجة ولكن دبلوماسية في سياستها تجاه الحشد الشعبي”.

وختمت الصحيفة في تقريرها، بأن “نهج تركيا إزاء الحشد الشعبي هو من خلال إدارة علاقة متعددة الأبعاد بما يتلاءم مع أولويات الأمن القومي، والأخذ بالاعتبار الديناميات الداخلية للعراق”.

وأوضحت أن “صناع القرار الأتراك ينظرون إلى الحشد الشعبي على أنه حلقة وصل حاسمة في شبكة الوكلاء الإيرانية في المنطقة ويعتبرونها تهديداً محتملاً للمصالح الوطنية”.

ومن ناحية أخرى، من الواضح، أنه “أصبح من المستحيل النظر في هيكل قوات الحشد الشعبي بشكل منفصل عن الدولة العراقية، ولهذا فإنه بدلاً من استبعاد الحشد الشعبي، فإن تركيا تسعى جاهدة لتحويله إلى جهة فاعلة يمكن السيطرة عليها ومسؤولة”.

وخلص التقرير إلى القول إنه “بناء على ذلك، فإن تركيا تحاول خلق توازن يستند على ضمان أمنها القومي إلى أقصى درجة ممكنة وأنما دون التدخل في الشؤون الداخلية لجيرانها”، مبيناً أن “أنقرة تعمل من خلال الحفاظ على القنوات الدبلوماسية، واتباع نهج مربح للطرفين وتذكير الآخرين بردعها العسكري عند الضرورة”.

واستطرد أن “السياسة التركية المتبعة فيما يتعلق بالحشد الشعبي، هي أيضاً جزء من هذه الصورة الأكبر”، موضحاً أن “الهدف هو منع العراق من أن يصبح سوريا ثانية، أو ساحة خلفية لإيران، ورؤية العراق كدولة جارة تتمتع بالسيادة ومزدهرة وبمقدورها أن تحدد مستقبلها”.

وانتهى التقرير إلى القول، إن “تحقيق هذا الهدف سيجعل الحدود الجنوبية لتركيا أكثر أمناً وسيخلق شرق أوسط أكثر سلاماً”، مشيراً إلى أن “هذه المسالة لها أهمية كبيرة للأمن التركي، وهي حاسمة للحفاظ على الاستقرار والسلام في كل أنحاء المنطقة”
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى تقارير