بغداد/ تميم الحسن
اختار رئيس الحكومة محمد السوداني مدينة النجف، حيث إقامة المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، ليعلن من هناك التزامه بتوجيهات المرجعية حول «حصر السلاح» بيد الدولة.
ودعا ممثل السيستاني في كربلاء عبد المهدي الكربلائي الشهر الماضي، إلى «حصر السلاح بيد الدولة ومكافحة الفساد»، أثناء تحذيراته من احتمال جر العراق إلى الأحداث «الخطيرة» الجارية في المنطقة.
وأمام تجمع عشائري في النجف، أكد السوداني، الذي زار المدينة الأسبوع الماضي، أن «حصر السلاح بيد الدولة من أساسيات بناء الدولة، والحكومة ماضية وفق خطة لتحقيق هذا الهدف».
ولم تكشف الحكومة حتى الآن عن خطتها لـ «حصر السلاح»، فيما يسود الغموض حول هوية ذلك السلاح، وآلية حصره، والجهات المستهدفة.
التفاوض مع أشباح!
في الأثناء، يرجح مسؤول شيعي في أحد الأحزاب الكبيرة «فشل التفاوض» مع بعض الفصائل التي وصفت بـ «المتمردة» للانخراط في «هيئة الحشد».
وكان رئيس الوزراء قد كشف في مطلع 2025 أن حكومته تفاوض لدمج عدد من الفصائل التي لم يكن متأكدًا من عددها، وقدرها بين 4 أو 5 فصائل.
ويقول المسؤول في أحد المكاتب السياسية، إن «هناك صياغة قانونية أو ورقة اتفاق، كانت تُعَدّ لترتيب أوضاع بعض الفصائل غير المنضوية في الحشد، من أجل تسليم سلاحها وآلياتها ومقراتها ومقاتليها إلى الهيئة».
وبحسب المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه، لعدم تخويله بالتصريح، فإن «ورقة الاتفاق التي كانت تُكتب، فرضت تحوُّل هذه المجاميع إلى أحزاب سياسية، والعناصر التابعة لها إلى وظائف عامة».
ويضيف: “في الأشهر الأخيرة لم يعد هناك أي معلومات جديدة حول هذا الملف، ونعتقد أن المفاوضات فشلت قبل كتابة الاتفاق، خصوصًا مع تصريحات متشنجة من بعض تلك الفصائل».
وكانت «كتائب حزب الله» قد وجَّهت كلامًا قاسيًا إلى المطالبين بـ «حصر السلاح»، ووصفتهم بـ «أشباه الرجال» و»المخنثين»، بحسب المسؤول في الفصيل أبو علي العسكري.
وقال العسكري في تغريدة إن سلاح المقاومة في العراق لا يُسلَّم إلا بيد «الإمام المهدي».
وحصل العسكري على تأييد من داخل التحالف الحاكم، حيث رفض الأمين العام لكتائب سيد الشهداء، أبو آلاء الولائي، القيادي في الإطار التنسيقي، «نزع السلاح».
وقال في تغريدة إن «إلقاء السلاح في مواقف الكرامة لن ينتج عنه، فيما بعد، إلا الذل والهوان والحسرة والندم».
ويظهر الولائي في كل الاجتماعات الدورية للتحالف الشيعي، والتي في الغالب يحضرها رئيس الحكومة، كذلك تخوض كتلته (منتصرون) الانتخابات المقبلة مع تحالف نوري المالكي (دولة القانون).
قصة نزع السلاح
نهاية 2017 وفور إعلان حيدر العبادي «النصر على داعش»، قامت قيادات شيعية معروفة بإجراءات «فك الارتباط» بالأجنحة المسلحة التابعة لها والتي انضمت إلى الحشد الشعبي.
لكن هذا الانفصال ظل شكليًا. قال العبادي بعد ذلك إن «بعض السياسيين أصبحوا تجار حروب، واعتمدوا اسم الحشد من أجل الحصول على مكاسب كبيرة».
أطلق العبادي بعد «سنوات داعش» حملات لنزع السلاح، وفي شباط 2018 أمهل مجلس الأمن الوطني، وهو لجنة حكومية تضم وزارات أمنية، المواطنين «10 أيام لتسليم السلاح».
وقال مسؤولون وقتذاك إن الأسلحة التي جُمعت لا تُذكر، حيث امتنعت جماعات مسلحة مرتبطة بجهات سياسية عن تسليم أسلحتها.
ولا توجد أرقام دقيقة في العراق عن عدد قطع السلاح، لكن بعض التقديرات تشير إلى أكثر من 15 مليون قطعة سلاح.
في 2019 أعلن عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء الأسبق، عن حملة لحصر السلاح، وتمردت بعض الفصائل على اجراءاته قبل الإطاحة به نهاية ذلك العام.
أما مصطفى الكاظمي، وهو آخر رئيس وزراء قبل السوداني، فقد وصف “السلاح المنفلت» بـ “الخنجر» الذي يضرب في قلب الوطن، رافضًا أي دعوات لـ «حمل السلاح» خارج نطاق الدولة.
وكان الكاظمي قد اعتقل بعض من حاملي السلاح خارج الدولة، وتعرض اثر ذلك الى أكثر من محاولة اغتيال.
يوجد خلط في العراق بين دعوات متضاربة حول «حل الحشد»، و»حصر السلاح»، و»السلاح المنفلت»، و»دمج الفصائل بالحشد»، و»دمج الحشد بوزارة الدفاع».
ويتم في العادة صرف الكلام عن حصر السلاح أو السلاح المنفلت إلى مجالات ثانية، وتفسر الفصائل هذا المطلب بأنه يتعلق بسلاح العشائر، أو حتى «سلاح الأمريكان» كما قال أحد أعضاء الإطار التنسيقي في إحدى المرات.
ما هو المتغير الآن؟
بعد تشكيل حكومة السوداني في خريف 2022، نصت ورقة الاتفاق السياسي التي وقعتها القوى السياسية الرئيسية على إخراج الفصائل من المدن، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
تم السكوت على أوضاع الفصائل حتى انفجرت الأحداث في لبنان، ثم في سوريا، ثم لاحقًا إيران، فبدت فكرة حل الحشد أو نزع السلاح مختلفة هذه المرة وأكثر جدية وضرورة.
كشف مستشار للحكومة، نهاية 2024، عن طلب أمريكي بحل الحشد أو يقومون هم (الأمريكان) بذلك، على حد قوله في لقاء تلفزيوني جرى في كانون الثاني 2024.
فتم إستبعاد المستشار عن الإعلام لفترة، وظهر السوداني بعد أيام لينفي تلك الأنباء.
لكن التصريحات لم تتوقف، قال عمار الحكيم، أحد زعامات الإطار التنسيقي الشيعي، إنه تلقى معلومات من واشنطن بأن الفصائل ستتعرض للاستهداف.
واعتبر أن استهداف الفصائل من قبل الأمريكان «أمر معروف»، على حد وصفه في حوار جرى في مدينة النجف مطلع 2025.
وكانت الفصائل العراقية قد أوقفت نشاطاتها بشكل تام منذ إعلان الهدنة في لبنان، نهاية تشرين الثاني 2024، كما التزمت منذ شباط نفس العام بوقف الهجمات على القوات الأمريكية في العراق، بحسب اتفاق مع واشنطن.
قال محمود المشهداني في مقابلة مع قناة عربية، في ليلة رأس سنة 2025، إن ترامب (الرئيس الأمريكي المنتخب) طلب من السوداني حصر السلاح بيد الدولة.
وأظهر مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، وثائق سياسية نادرة من الأرشيف، قال إنها وُقعت قبل أكثر من شهرين من انتخابات عام 2021.
وتضمنت الوثائق التي نشرها في منصاته الاجتماعية اتفاقًا من 16 فقرة، من بينها «حصر السلاح»، ووقع عليه ستة من أبرز الزعامات السياسية في العراق.
جاء نشر الصدر لتلك الوثائق بعد مطالبته بحل الميليشيات، وهو تعبير لا يُفهم منه من الجهات المقصودة به بشكل واضح.
وكانت مطالب الصدر قد جرت بعد وقت قصير من لقائه المرجع الأعلى في النجف.
ويعتقد غازي فيصل، وهو دبلوماسي سابق، أن الدعوات المتصاعدة الآن لحصر السلاح هي بسبب تراجع النفوذ الإيراني.
يقول فيصل إن «طهران في العقدين الأخيرين أنشأت عددًا من الأذرع المسلحة التابعة لها في سوريا ولبنان والعراق، والتي تهدف إلى تنفيذ مشروع الولاية الفقهية».
وأضاف: “هذه الجماعات تشكل أدوات استراتيجية لمشروع شرق أوسط شيعي تحت نظرية ولاية الفقيه، وفي العراق أنشأت 74 فصيلًا مسلحًا، منها 34 فصيلًا يرتبط بتحالف استراتيجي مع الحرس الثوري، ويشكل أداة مهمة في التحكم بالأمن العراقي وفي المواجهات المختلفة مع أمريكا».
ويؤكد فيصل، وهو يترأس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية: “اليوم المشروع الإيراني يواجه الهزيمة، وبالتأكيد هذا يعكس الفشل الذريع للاستراتيجية الإيرانية التوسعية»، مبينًا أن إيران اليوم «لا يمكن أن تستمر في الدفاع عن الفصائل، كما أن هناك رفضًا عالميًا لهذه الجماعات التي تهدد الأمن الدولي»