*كل كردي يحلم بوحدة كردستان في المستقبل(1).
ليس هذا هو أول رئيس كردي يطلق تصريحات رسمية تنفيذية تُمزق وحدة العراق، ويبدو أنه لن يكون الأخير، طالما أن نظام المحاصصة الطائفية يوفر درعًا منيعًا حصينا ضد المحاسبة ؟ وهذا التصريح الانفصالي ليس سوى صدى لتجاوزات سابقة من رؤساء سبقوه، دون أن يرف جفن للبرلمان أو الحكومة . أين المساءلة؟ أين الاستجواب؟ أم أن هؤلاء المسؤولين شركاء صامتون في هذه الجريمة بحق وحدة العراق، مكتفين بالتصفيق فقط لنظامٍ طائفي مذهبي يحمي مثل هؤلاء؟
وفي عرضٍ جديد عبثي بمصير العراق، يطل علينا رئيس الجمهورية العراقية بتصريحٍ يُعد خيانة دستورية موصوفة غير قابلة للجدال أو التأويل ، معلنًا صراحة لا لبس فيها بحلمه بـ”إنشاء دولة كردستان الموحدة” في تحدٍ صارخ لليمين الدستوري الذي أقسم فيه “بالله العلي العظيم” أن يحافظ على وحدة العراق وسلامة أراضيه. هذا التصريح الذي ادلى به ، الذي ينتهك المادة 61 (سادسًا) من الدستور ويمزق نص اليمين الذي التزم فيه بحماية وحدة البلاد، ليس مجرد زلة لسان، بل إعلانٌ صريح بتجاهل المسؤولية الوطنية. لكن، هل يُحاسب الرئيس؟ كلا! ففي ظل نظام المحاصصة الطائفية، يبدو أن خرق الدستور أصبح مجرد هواية أخرى تضاف إلى قائمة هوايات النخبة الحاكمة، التي تتفنن في كيفية ايجاد الطرق المبتكرة لنهب خزينة الشعب.
ومرة أخرى، يثبت (قادة) العراق أن الشفافية والنزاهة سوف تبقى دائما عدوتهم اللدودة . ففي شريط إعلامي متباهٍ على موقع الرئاسة، يظهر رئيس الجمهورية العراقية وهو يصل إلى “مقر إقامته” في “أشبيلية / أسبانيا ” لحضور المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية للفترة (30 حزيران – 3 تموز 2025) وكان قد سبقها قبل أسابيع فقط وصوله الى مدينة “نيس / الفرنسية” لحضور مؤتمر الدول المطلة على المحيطات !؟ ولكن من دون أن يُفصح عن اسم الفندق أو عنوانه، كما لو أن هذه التفاصيل سرٌّ دبلوماسي خطير يندرج ضمن الامن القومي العراقي ويُخشى من كشفه. فهل كان فندق “نيغريسكو” الفاخر، حيث تُكلف ليلة واحدة ما يعادل رواتب عشرات الموظفين العراقيين؟ أم ربما “حياة ريجنسي”، حيث يمكن لجيش المستشارين والحاشية الاستمتاع بإطلالات البحر المتوسط بينما ما يزال يغرق العراق في الظلام؟ هذا الصمت المريب حول عنوان الإقامة وتكاليفها المادية ومع صرفيات جيش المستشارين وتكاليف سفراتهم المليونية ليس سوى حلقة جديدة في مسلسل نهب ثروات الشعب، حيث تُبدد عشرات الملايين في مؤتمرات دولية لا تعني العراق في اي شيء ، بينما يُترك العراقيون يتصارعون مع الجوع وانعدام الخدمات المعيشية. إن هذا الغموض لن يحمي النخبة من المسائلة البرلمانية في يوم من الايام ؟ ولكن البرلمان الذي يجب أن يكون عين الشعب على كيفية صرف إيرادات النفط نراه اليوم مثل السابق وحتى في قادم الأيام مشلول وعاجز كليا عن استضافة فخامة (الرئيس) لغرض الكشف عن مدى صرفيته المادية ومع حاشيته وكلها على حساب الخزينة العامة ومن حق الشعب الذي سيُطالب بإجابة صريحة وواضحة: أين أنفقتم أموالنا؟ ولماذا على محيطات لا نملكها، وتنمية نحن ما زلنا بعيدا عنها وبينما شعبكم يتضور جوعًا وفقرا ومرضا؟
وفي فصلٍ جديد من مسرحية رواية الفساد التي لا تنتهي وما زالت مستمرة طوال أكثر من 22 عامآ ، يصل فخامة (الرئيس) إلى إشبيلية، برفقة جيشٍ جرار من المستشارين والحاشية، ليشارك في المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية، دون أن يُفصح عن أي تفاصيل حول الفندق الذي يُلقي بثروات الشعب العراقي. هل كان فندق “ألفونسو الثالث عشر”، حيث تُكلف الليالي الفاخرة آلاف الدولارات، أم “بارسيلو ريناسيميينتو” القريب من مراكز المؤتمرات، ليتمتع الوفد بإقامة تليق بأمراء النفط لا بممثلي شعبٍ جائع؟ هذا الصمت البرلماني المريب على الاستدعاء والمحاسبة ليس سوى ستارٍ يخفي تبذيرًا بملايين الدولارات في مؤتمر لا يخدم العراق، الذي يعاني أزمات الرواتب والخدمات. بينما يتصارع العراقيون مع الفقر والجوع والمرض وانقطاع الكهرباء، يتجول قادتنا في إشبيلية، ممولين من خزينة الشعب، في رحلةٍ سياحية أقرب إلى العطلة الترفيهية منها إلى الدبلوماسية. أيها السادة، إن كنتم تظنون أن سرية إقامتكم الفارهة ستنقذكم من غضب الشعب، فانتظروا؟ وسيُطالبكم الشعب: أين أنفقتم أموالنا؟ ولماذا على مؤتمرات لا ناقة لنا ولا جمل فيها؟
اليوم أصبحت كلمة “الشفافية” و “النزاهة” و “الكفاءة” في العراق (الديمقراطي) الجديد ــ هكذا دائمآ يوصف في الإعلام الرسمي الموجه ــ يبدو كحلم بعيد المنال. بينما لا يزال يُعاني العراقيون من عدم توفر وإيجاد حلول جذرية من جفاف الأنهار وعدم توفر مياه صالحة للشرب وتدمير الأراضي الزراعية نتيجة للجفاف وانقطاع الكهرباء وانهيار الخدمات، ولكن نرى كيف تُبدد عشرات الملايين من خزينة الشعب على مؤتمر لا ناقة لنا ولا جمل فيه، فقط ليتباهى الوفد (الرئاسي) بصور تذكارية وتسوق فاخر من ارقى المحلات التجارية وماركاتها العالمية من الملابس والعطور والمجوهرات . هذا الصمت المريب حول تكاليف الإقامة ليس سوى دليل جديد على نهبٍ ممنهج، يُدار تحت ستار الدبلوماسية، فيما يُترك الشعب العراقي يتساءل: أين ذهبت ملياراتنا؟ ولماذا تُنفق على محيطات وهمية بينما نغرق في الفقر وتنمية ليس موجودة ولا نكاد نراها إلا للنخبة الحاكمة فقط ؟.
وتتكشف لنا يومآ بعد يوما عن تسريبات وصلتنا عبر البريد “الايميل” بأن هناك مستشارين مخصصين للسيدة الأولى، وظيفتهم ومهمتهم الوحيدة فقط هي البحث عن مؤتمرات دولية تُعقد في دول الاتحاد الأوروبي، وأمريكا، كندا، أو الدول الآسيوية المتقدمة مثل اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة. أما المؤتمرات في الدول الأفريقية الفقيرة؟ فهي مرفوضة بشدة! لماذا؟ لأن أجواءها “حارة جدًا” ولا تُناسب ذوق الرفاهية للسيدة الأولى وفخامة (الرئيس) . وصدق أو لا تصدق أيها القارئ والرأي العام :” بل إن العراق، حتى لو لم يُدعَ لهذه المؤتمرات الدولية، يُرسل كتبًا رسمية عبر سفاراتها لتذكير الدول المنظمة بضرورة دعوته”، كما لو أن حضور هذه المناسبات هو قضية حياة أو موت، بينما الشعب يصارع من أجل لقمة العيش.لكن النكتة السوداء الأكبر جاءت على لسان الرئيس نفسه، الذي كشف في تصريحٍ حديث عن حلمه بـ”تقسيم العراق” من خلال إنشاء دولة ما تسمى بـ ((كردستان)) الموحدة، في تناقض صارخ مع يمينه الدستوري الذي يُلزمه بالحفاظ على وحدة البلاد. يا للعجب! رئيسٌ يُقسم على الدستور ثم يخرقه بكل جرأة، دون أن يرف له جفن، ودون أن يُحاسبه مجلس (النواب) أو يُطالب بإقالته. لماذا؟ لأن نظام المحاصصة الطائفية والمذهبية يحمي هؤلاء المتأنقين، الذين يفضلون قضاء وقتهم في رحلات سياحية مموهة باسم الدبلوماسية على مواجهة أزمات شعبهم. بينما يتصارع العراقيون مع أزمات الرواتب بين بغداد وأربيل، وينتظرون كهرباءً لا تأتي ومستشفياتٍ لا تعالج، ودواء مفقود , يتجول (قادة) العراق في عواصم الرفاهية الاوربية، ممولين من خزينة شعبٍ يتضور جوعًا . إنها ليست مجرد فضيحة، بل خيانة موصوفة. هؤلاء الذين يبحثون عن المؤتمرات في أوروبا وآسيا وامريكا، ويتجاهلون أفريقيا لأنها “لا تُناسب” ذوقهم الراقي وحرارة شمسها ، يظنون أن الشعب سيظل صامتًا إلى الأبد. لكن غضب العراقيين يتصاعد، وعلى البرلمان ان يتحرك لغرض الاستجواب ليس فقط على التصريح الرسمي للرئيس ونزعته الانفصالية الواضحة ولكن على مدى ما بلغ بسفرات الرئيس للخارج لحضور المؤتمرات مع مرافقته لجيش من المستشارين والاصدقاء والاقرباء وهل هذه هي (القيادة) التي يستحقها العراق؟ حكامٌ يرمون بمليارات الدولارات في مؤتمرات لا تعنينا، بينما يتركون شعبهم يغرق في الديون وانعدام الخدمات؟.
أيها السادة الحكام ، إن كنتم تعتقدون أن صوركم التذكارية مع رؤساء الدول ستنقذكم، فانتظروا يومًا يقول فيه الشعب كلمته، ويُلقي بكم خلف قضبان العدالة، لأن هذه القسمة الضيزى بينكم وبين الشعب سوف لن تمر حتما دون وجود حساب لها ومهما طال بكم الزمن؟
sabahalbaghdadi@gmail.com
(1)