كشف مسؤولون في الحكومة عن محاولات لـ”جرّ العراق إلى الحرب” المشتعلة بين إيران وإسرائيل منذ الأسبوع الماضي، فيما تزيد “الفصائل” من التهديد والتصعيد الكلامي ضد المصالح الأمريكية.
وبحسب مستشار حكومي، فإن “هناك محاولات كثيرة لزج العراق بالحرب”، وأن “المنطقة مفتوحة وليست سماء العراق هي الوحيدة المستخدمة عسكرياً”.
وحمل العراق، السبت الماضي، الولايات المتحدة مسؤولية حماية مجاله الجوي من “الانتهاكات الإسرائيلية”، وطالبها بعدم السماح لطائرات تل أبيب بـ”خرق الأجواء العراقية”.
ويقول مستشار رئيس الوزراء محمد السوداني، حسين علاوي، إن “العراق غادر مساحة الاشتراك في ساحات الحرب”، وإن “للدولة إجراءات دبلوماسية وستراتيجية تجاه الحرب الحالية”.
وينفي علاوي وجود “فيتو أمريكي” على تطوير العراق لمنظومته الدفاعية الجوية، ويؤكد المستشار: “لم يتم وضع خطة ستراتيجية لتطوير الدفاع الجوي طوال الـ20 عاماً الماضية”، مبينًا: “لدينا تعاقدات على منظومات دفاع جوي متقدمة”.
ومنذ بداية الأزمة في المنطقة ضمن أحداث ما عُرفت بـ”7 أكتوبر” 2024، أعلنت القيادة العسكرية أن الأجواء العراقية “ليست مؤمَّنة بالكامل”، وقالت في بيان حينها إنها “تعمل على تأمين الأجواء”.
وكشف مسؤولون رفيعو المستوى في الحكومة عن ضربات وشيكة سابقة لإسرائيل ضد بغداد “أوقفتها واشنطن”.
ويُفترض أن تنسحب القوات الأمريكية، التي يناهز عددها الـ2500 عنصر، من العراق بحلول نهاية عام 2026.
امتداد رقعة الحرب
وتعتقد بغداد أن تل أبيب تحاول توسيع رقعة الحرب في المنطقة، وقد تشمل العراق.
ورفض محمد السوداني، رئيس الحكومة، في اتصال مع أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، “خرق الأجواء العراقية”.
وأكد رئيس الحكومة، بحسب بيان رسمي، دعم العراق لـ”المفاوضات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية”.
ووفق البيان، أكد أمير دولة قطر دعمه “الحراك الدبلوماسي للحكومة العراقية الساعي للحفاظ على الأمن والاستقرار، ومنع اتساع ساحة الحرب”.
وكان السوداني قد حذّر في وقت سابق من أن “الكيان الصهيوني يسعى إلى توسيع رقعة الحرب في المنطقة من أجل رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط”.
وجاء ذلك في بيان خلال استقبال رئيس الوزراء عدداً من رؤساء البعثات الدبلوماسية الغربية والآسيوية.
وكانت وزارة الدفاع قد نشرت مؤخرًا بطاريات “بانتسير” للدفاع الجوي في مناطق مهمة لحماية السيادة العراقية.
وقال قائد الدفاع الجوي، الفريق مهند غالب الأسدي، إن القوات المسلحة ومنظومات الدفاع الجوي تمارس دورها الطبيعي لحماية العراق وأجوائه والأهداف الحيوية.
وفي الأثناء، طالبت إحدى الفصائل المسلحة العراقية بـ”طرد الأمريكيين” من قيادة العمليات المشتركة.
وادعى أبو آلاء الولائي، زعيم “كتائب سيد الشهداء”، أن أمريكا أقدمت على “إطفاء الرادارات العراقية لتوفر ممراً جوياً للطائرات الصهيونية عبر الأجواء العراقية التي تسيطر عليها منذ أكثر من عقدين، في سياق وجودها المحتل في العراق، لتنفيذ اعتداءاتها على الجمهورية الإسلامية الإيرانية”.
وأضاف الولائي في تدوينة: “الأمر الذي يحتّم طرد التمثيل الأميركي في غرفة العمليات المشتركة العراقية”.
تصعيد جديد
وطالب زعيم الفصيل الحكومة العراقية باتخاذ إجراءات لتجهيز قوات الدفاع الجوي العراقية بمنظومة مقاومة طائرات متطورة لـ”حماية الأجواء العراقية من الخروقات السافرة حفاظاً على سيادة البلاد وأمنها”.
وكان الولائي قد هدّد في وقت سابق باستهداف القوات الأمريكية في العراق، وقال في تغريدة على منصة “إكس”: “إذا اندلعت الحرب، سيكون المئات من الاستشهاديين على موعد، وسيُذلّ كبرياء أميركا ثانية كما ذلّ أول مرة في العراق”.
وكشف مقربون من “الفصائل” عن إعداد خطة للتعامل مع القوات الأمريكية في العراق، في حال تدخلت الأخيرة لصالح إسرائيل في الحرب ضد إيران.
وسبق أن هدّدت “كتائب حزب الله” و”عصائب أهل الحق” بضرب المصالح الأمريكية لنفس الأسباب.
وفي ظل هذا التصعيد، أعلنت الولايات المتحدة، الأربعاء الماضي، سحب موظفين غير أساسيين من سفارتها في بغداد، لأسباب أمنية.
ضد الحكومة!
ويعتقد غازي فيصل، وهو دبلوماسي سابق، أن الدبلوماسية العراقية لن تنجح في حماية البلاد في حال نفذت “الفصائل تهديداتها”.
ويقول فيصل إن “الحكومة العراقية، في ظل اندلاع حرب واسعة النطاق بين إسرائيل وإيران، أعلنت الالتزام بالحياد، وهو موقف جيد للدبلوماسية العراقية بحكم ظروف العراق العسكرية وطبيعة موقعه”، مبينًا أن “الدستور العراقي يشير بوضوح إلى عدم انخراط العراق في أي حروب خارج الحدود، مما يرتب قيداً على أي فرصة لإعلان الحرب أو المشاركة في حروب إقليمية أو غيرها”.
ومن جانب آخر، يعتقد الدبلوماسي السابق أن “الحكومة العراقية ليست لديها السلطة السيادية الكاملة على الفصائل المسلحة المتحالفة مع الحرس الثوري الإيراني، والتي تقلّد مذهبياً ودينياً الإمام خامنئي، وتخضع لتوجيهاته وأوامره وفتاواه”.
إذ من المحتمل – والكلام للدبلوماسي السابق – ووفقاً لبيانات التنظيمات المسلحة، فإن “مشاركة متوقعة لهذه المجاميع في استهداف القواعد الأمريكية أو المصالح الأمريكية في العراق أو في الشرق الأوسط والخليج”.
مبرر لمهاجمة العراق
هذا الأمر، بحسب فيصل، وهو يترأس أيضاً المركز العراقي للدراسات الستراتيجية، “سيشكّل مأزقاً كبيراً للحكومة العراقية، لأنه سيمهد أو يفتح الطريق لإسرائيل والولايات المتحدة للرد عسكرياً”.
ويؤكد فيصل أن “الولايات المتحدة، بالذات، أعلنت في أكثر من مرة أنها سترد على مصادر النيران في حال تعرض جنودها أو مصالحها في العراق والمنطقة لأي تهديد أو خطر”.
وقال رئيس المركز العراقي إن “واشنطن قامت العام الماضي، عقب مقتل 3 جنود أمريكيين في المثلث الحدودي بين العراق والأردن وسوريا، بإرسال طائرات (بي- 1) مباشرة من تكساس لقصف جرف الصخر، جنوب بغداد”.
وتابع أن “جرف الصخر تُعدّ قاعدة عسكرية مهمة، حيث ينتشر فيها الحرس الثوري الإيراني وفصائل أجنبية حليفة للحرس، إضافة إلى الفصائل العراقية، ومصانع للصواريخ والطائرات المسيّرة، كما استهدفت واشنطن قواعد أخرى في القائم وفي الأراضي السورية، وقتلت قيادات بارزة في الفصائل في كركوك وبغداد”.
ويرجّح فيصل أن “سيناريو القصف الأمريكي أو الإسرائيلي ضد قواعد ومعسكرات الفصائل يمكن أن يعود مرة أخرى”، مشيراً إلى أن “الدبلوماسية العراقية لن تنجح في نزع فتيل الأزمة وحماية العراق من أي مواجهة عسكرية مع أمريكا وإسرائيل في حال نفذت هذه الفصائل تهديداتها بقصف مواقع في إسرائيل أو ضد المصالح والقواعد الأمريكية المنتشرة في الخليج والمنطقة”.