الوثيقة | مشاهدة الموضوع - فورين بوليسي: إسرائيل دولة قوية.. لكن لهذه الأسباب لن تكون أبدًا قوة مهيمنة
تغيير حجم الخط     

فورين بوليسي: إسرائيل دولة قوية.. لكن لهذه الأسباب لن تكون أبدًا قوة مهيمنة

مشاركة » الثلاثاء يونيو 17, 2025 10:22 am

”: يرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، ستيفن وولت، أن إسرائيل، أو حكومتها، تحاول فرض هيمنتها على المنطقة، ولكنها على الأرجح لن تنجح، لأن إسرائيل لا تستطيع أن تكون دولة مهيمنة.

وجاء في مقاربته، التي نشرتها مجلة “فورين بوليسي”، أن الهجوم الواسع الذي تشنه إسرائيل ضد إيران هو أحدث جولة في حملتها للقضاء على أو إضعاف جميع خصومها الإقليميين. ففي أعقاب هجوم “حماس”، في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، شنت حملة وحشية لتدمير الشعب الفلسطيني كقوة سياسية مؤثرة، وهو جهد وصفته منظمات حقوق الإنسان الرائدة، والعديد من الخبراء الأكاديميين بأنه إبادة جماعية. وقد قضت على قيادة “حزب الله” في لبنان من خلال الغارات الجوية، وأجهزة البيجر والهواتف المحمولة المفخخة، وغيرها من الوسائل.

الكاتب: كيف يمكن لدولة يقل عدد سكانها عن 10 ملايين نسمة (حوالي 75% منهم يهود) أن تسيطر على منطقة شاسعة تضم مئات الملايين من العرب المسلمين، بالإضافة إلى أكثر من 90 مليون إيراني؟

وهاجمت الحوثيين في اليمن، وقصفت سوريا ما بعد الأسد لتدمير مخابئ الأسلحة ومنع القوى التي تعتبرها خطرة من ممارسة نفوذ سياسي هناك.

كما أن الهجمات الأخيرة على إيران تهدف إلى أكثر من مجرد تعطيل أو تدمير البنية التحتية النووية للبلاد. فكحد أدنى، تريد إسرائيل إنهاء المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني وشل قدرة إيران على الرد بقتل كبار القادة والمسؤولين العسكريين والدبلوماسيين والعلماء الإيرانيين، وإن أمكن، جر الولايات المتحدة إلى دوامة الحرب.

أما كحد أقصى، فهي تأمل في إضعاف النظام إلى درجة تدفعه إلى الانهيار. وفي ضوء نجاح هذه الإجراءات، على الأقل جزئيًا، وفي المدى القصير، فإن السؤال: هل يجب علينا الآن اعتبار إسرائيل قوة مهيمنة إقليمية؟

ويقول الكاتب إنه إذا عُرفت هذه الدولة بأنها “القوة العظمى الوحيدة في منطقة معينة”، بحيث “لا يمكن لأي دولة أخرى (أو مجموعة دول) أن تشن دفاعًا جادًا في اختبار شامل للقوة العسكرية”، فهل إسرائيل مؤهلة الآن؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل يجب أن نتوقع أيضًا من جيرانها أن يتصرفوا كما فعل الآخرون عند مواجهة قوة مهيمنة: “الاعتراف بقوتها المتفوقة، والخضوع لها في الأمور ذات الأهمية الحيوية للهيمنة”؟

ويقول وولت إن الفكرة، وللوهلة الأولى، تبدو بعيدة المنال، فكيف يمكن لدولة يقل عدد سكانها عن 10 ملايين نسمة (حوالي 75% منهم يهود) أن تسيطر على منطقة شاسعة تضم مئات الملايين من العرب المسلمين، بالإضافة إلى أكثر من 90 مليون إيراني؟

ولكن الفكرة تبدو أكثر منطقية، مع ذلك، عندما ينظر الواحد إلى أن إسرائيل تتمتع بالعديد من المزايا على جيرانها. فمن ناحية درجة تعليم سكانها، ولديها قادة أكثر فعالية من نظرائهم العرب. كما تحصل إسرائيل على دعم سخي وثابت من جاليات غنية وذات نفوذ سياسي، وفي الماضي تلقت مساعدة لا تقدر بثمن من قوى عظمى مثل بريطانيا العظمى وفرنسا. فيما واجه معظم منافسيها العرب مجموعة متنوعة من الانقسامات الداخلية، والاضطرابات، والانقلابات، وقد اختلفوا بسبب التنافسات العربية الداخلية.

وأكثر من هذا، ولأن القوة العسكرية الحديثة تعتمد على التفوق التكنولوجي والتدريب والقيادة الماهرة أكثر من اعتمادها على العدد الهائل، فقد كان الجيش الإسرائيلي دائمًا أقوى من القوات التي قاتل ضدها. وقد ازدادت هذه الميزة مع تزايد اعتماد الحرب على أسلحة باهظة الثمن ومتطورة للغاية.

ورغم أن “حزب الله” و”حماس” ازدادا قدرة بمرور الوقت، إلا أن أياً منهما لم يتمكن من تهديد وجود إسرائيل، أو مضاهاة حجم الضرر الذي يمكن أن تلحقه إسرائيل بهما.

وقد عززت ترسانة إسرائيل الضخمة من الأسلحة النووية وقدراتها الاستخباراتية المزعومة مكانتها بشكل أكبر. والأهم من ذلك كله، تحصل إسرائيل على دعم واسع وغير مشروط إلى حد كبير من الولايات المتحدة، التي تدعمها حكومتها مهما فعلت، وهي ملتزمة رسميًا بالحفاظ على “التفوق العسكري النوعي” لإسرائيل.

وبدون هذه المساعدة، لكان هؤلاء الإسرائيليون، البالغ عددهم حوالي 10 ملايين نسمة، قادرين على الدفاع عن المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، وتذكروا أنهم يمتلكون أسلحة نووية، لكن فرصتهم في السيطرة على المنطقة المحيطة ضئيلة.

وبالنظر إلى كل ما سبق، فإن فكرة هيمنة إسرائيل على الشرق الأوسط الكبير ليست سخيفة تمامًا. ومع ذلك، سيكون من الخطأ اعتبار إسرائيل قوة مهيمنة إقليمية حقيقية، وذلك لعدة أسباب:

بداية، تتمتع القوة المهيمنة الإقليمية بقوة هائلة مقارنة بجيرانها، لدرجة أنها لم تعد تواجه أي تهديدات أمنية كبيرة منهم، ولا تقلق أبدًا، حتى مع ظهور منافس حقيقي في أي وقت قريب.

هذا هو الوضع الذي حققته الولايات المتحدة مع فجر القرن العشرين: انسحبت القوى العظمى الأخرى من نصف الكرة الغربي، ولم تكن هناك دولة أو مجموعة في المنطقة قادرة على موازاة مزيج من القوة الاقتصادية والإمكانات العسكرية الأمريكية.

وباستثناء أزمة الصواريخ الكوبية، التي تضمنت قيام قوة خارجية، وهي الاتحاد السوفييتي، بإرسال صواريخ محملة برؤوس نووية إلى نصف الكرة الغربي، فلم تواجه الولايات المتحدة تحديًا عسكريًا كبيرًا من داخل نصف الكرة الغربي منذ أواخر القرن التاسع عشر. وقد سمح هذا الموقع المتميز لواشنطن بتركيز سياساتها الخارجية والدفاعية على أوراسيا، بهدف منع أي قوة أخرى من تحقيق موقع مماثل داخل أي منطقة ذات أهمية إستراتيجية.

ومن هنا يقول وولت إن إسرائيل لا تستوفي هذا المعيار اليوم، فالحوثيون مصممون، والجيش الإسرائيلي عالق في غزة، رغم ما أحدثه من دمار على سكانها. وقد أضعفت إسرائيل “حماس” و”حزب الله”، لكنهما لاعبان من غير الدول، ولم يمثل أي منهما تهديدًا وجوديًا على إسرائيل. ولا توجد دولة عربية أو تحالف من الدول العربية لديه القدرات التي تماثل إسرائيل، لكن تركيا وإيران لديهما قوات عسكرية مهمة وعدد من السكان أكبر، وكلاهما قادر على ترتيب جهود الدفاع عن النفس في حالة الحرب الشاملة، وحتى لو خسرا في النهاية، وهذا بدوره يعني أن إسرائيل لا يمكنها استبعادهما من حساباتها، أو افتراض أن هذه الدول ستذعن لها.

ويعلق الكاتب بأن استمرار مقاومة إيران يوضح ذلك بوضوح: ردها على الهجمات الأخيرة كان أقل من الضرر الذي لحق بها، ولكنه ليس تافهًا، والصراع لم ينته بعد.

لا يوجد ما يشير إلى أن طهران سترفع الراية البيضاء لإسرائيل، حتى لو انتهى بها الأمر إلى الجانب الخاسر في هذه المواجهة الأخيرة. لهذا السبب وحده، إسرائيل ليست قوة مهيمنة إقليميًا.

ويُضاف لهذا السبب المبرر الرئيسي لهذه الهجمات الأخيرة، وهو الخوف من امتلاك إيران أسلحة نووية يومًا ما. لم يكن الخطر يتمثل في أن تستخدم إيران قنبلة لمهاجمة إسرائيل، وهو ما سيكون انتحارًا، بل في أن تحد القنبلة الإيرانية من قدرة إسرائيل على استخدام القوة في المنطقة دون عقاب. فتفكير قادة إسرائيل بأن ضبط النفس يمثل خطرًا عليهم، يكشف أنهم لا يتمتعون بنوع “الأمن الحر” الذي تمتعت به الولايات المتحدة، القوة الإقليمية المهيمنة الحقيقية الوحيدة في العالم ومنذ زمن طويل.

كما أن نجاحات إسرائيل الميدانية الأخيرة لم تحل القضية الأكثر جوهرية، وهي قضية الفلسطينيين الذين يشكلون ما يقرب من نصف السكان في الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل. لم تمنع القدرات العسكرية والاستخباراتية المتفوقة لإسرائيل “حماس” من قتل مئات الإسرائيليين في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ولم يقربها قتل إسرائيل لأكثر من 55,000 فلسطيني ردًا على تلك الهجمات من حل سياسي لهذا الصراع. بل على العكس، شوهت الحرب صورة إسرائيل العالمية بشكل كبير، وقوضت الدعم حتى بين حلفائها القدامى.

الأهم من ذلك كله، أن إسرائيل لا تزال تعتمد بشكل حاسم على راعيتها الأمريكية، التي تزودها بمعظم الطائرات والقنابل والصواريخ التي تحتاجها لمهاجمة جيرانها، إلى جانب الحماية الدبلوماسية المستمرة. ولا يجب على القوة المهيمنة الإقليمية الحقيقية أن تعتمد على الآخرين للهيمنة على جوارها، ولكن إسرائيل تفعل ذلك.

الكاتب: لا يوجد ما يشير إلى أن طهران سترفع الراية البيضاء، حتى لو انتهى بها الأمر إلى الجانب الخاسر في هذه المواجهة

وقد كان الدعم الأمريكي قويًا لعقود، بسبب نفوذ جماعات المصالح المحلية القوية أو اللوبي، لكن العلاقة أظهرت علامات توتر في السنوات الأخيرة، ومن المرجح أن يصبح الحفاظ عليها أكثر صعوبة مع تراجع موقف القوة الأمريكية نفسها. وإذا أدت هذه الجولة الأخيرة من القتال في النهاية إلى جر الولايات المتحدة، فإن المزيد من الأمريكيين، بمن فيهم أتباع “ماغا” أو “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”، والذين دعموا دونالد ترامب لاعتقادهم أنه سيحافظ على السلام في أمريكا، سيدركون الثمن الباهظ الذي يدفعه الأمريكيون باستمرار مقابل “العلاقة الخاصة”.

أخيرًا، تتطلب الهيمنة الإقليمية الدائمة من الدول المجاورة قبول (وفي بعض الحالات الترحيب بـ) القوة الطاغية للدولة المهيمنة. وإلا ستظل هذه الدولة قلقة من المعارضة المتجددة، وستُجبر على اتخاذ أفعال جديدة لمنعهم من البروز مرة أخرى. وعلى القوة المهيمنة الدائمة أن تتصرف بقدر من التسامح، كما فعل الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين د. روزفلت بتبنيه سياسة “حسن الجوار” تجاه أمريكا اللاتينية.

وتجدر الإشارة إلى أن القوى الإقليمية الطموحة، مثل فرنسا النابليونية، وألمانيا النازية، واليابان الإمبراطورية، حققت مكانة مهيمنة مؤقتًا، لكنها لم تتمكن من تعزيز مكاسبها الأولية، واستسلمت في النهاية لتحالفات معارضة أقوى. إلا أن التسامح مع الجيران لم يكن أبدًا من نقاط قوة إسرائيل، كما أن النفوذ المتزايد للقوى اليمينية والمتطرفين الدينيين في البلاد يجعل ذلك أقل احتمالًا.

ولو أخذنا كل هذا بالاعتبار، فإن إسرائيل بعيدة كل البعد عن أن تكون قوة مهيمنة إقليمية. ولا يشك وولت في أن قادتها ربما رغبوا في تحقيق هذه المكانة- ولمَ لا- لكنها ستظل إلى الأبد بعيدة المنال.

وهذا يعني أن الأمن طويل الأمد لدولة إسرائيل يعتمد في نهاية المطاف على تحقيق تسوية سياسية دائمة مع جيرانها، بمن فيهم الفلسطينيون. وهذا يذكرنا مرة أخرى بأن السياسة، وليس القوة وحدها، هي ما يعتمد عليه الأمن الدائم في نهاية المطاف.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات