رأى المعلق في صحيفة “واشنطن بوست”، إيشان ثارور، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشّر في رحلته الشهر الماضي بشرق أوسط جديد وتحدث عن “عصر ذهبي”.
وتحدث ترامب أمام تجمع للقادة العرب في العاصمة السعودية، الرياض، عن “الفجر الجديد المشرق لسكان الشرق الأوسط”.
وقال إن الصراعات العاتية ستنتهي وسيتم إصلاح الحواجز المتصدعة. وندد ترامب بالتدخلات الأمريكية السابقة الفاشلة ومشاريع بناء الدول في المنطقة. وعرض “مسارا جديدا” على النظام الديني في طهران، وقال إنه سيكون “سعيدا” بإبرام اتفاق مع إيران لجعل “العالم مكانا أكثر أمانا”.
وبميله إلى المبالغات غير التاريخية، أعلن ترامب أنه “لأول مرة منذ ألف عام، سينظر العالم إلى هذه المنطقة ليس كمكان للاضطرابات والصراعات والحروب والموت، بل كأرض للفرص والأمل”.
لكن أحداث الأيام الماضية قدمت صورة عن مزيد من الاحتراب والاضطراب. فتبادل الصواريخ والقصف بين إيران وإسرائيل أعاد المنطقة إلى حافة الأزمة. وفي الوقت الذي تدعو فيه الدول المجاورة للبلدين إلى التهدئة، يناشد ترامب، ولو بنبرة ركيكة، لإنهاء الأعمال العدائية والتوصل إلى اتفاق دبلوماسي. مع أن المحادثات التي كانت مقررة في سلطنة عمان بين الولايات المتحدة والمسؤولين الإيرانيين، ألغيت.
وفي يوم الجمعة، اشتعل الصراع عندما قررت حكومة بنيامين نتنياهو استهداف برامج إيران النووية والباليستية. وأسفرت الهجمات عن إصابة العديد من المنشآت والمواقع العسكرية الإيرانية، بالإضافة إلى أحياء سكنية مدنية. وتلا ذلك رد إيراني انتقامي، ولم تتمكن أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية القوية من إحباط جميع عمليات القصف. واستمرت موجات من الضربات والهجمات الانتقامية طوال عطلة نهاية الأسبوع.
وعلق ثارور أنه لا توجد هناك نهاية قريبة في الأفق للمواجهات المتبادلة، فبعد أن نجا رئيس الوزراء الإسرائيلي من تصويت في الكنيست كاد أن يسقط حكومته الأسبوع الماضي، ها هو يحشد الدعم الشعبي لحملة عسكرية جديدة ضد النظام الإيراني، الذي طالما تطلع لمهاجمته وتدميره. وقال نتنياهو بعد ظهر الأحد في مدينة بات يام وسط إسرائيل، حيث أصابت الصواريخ الإيرانية مباني سكنية وأسفرت عن مقتل 10 أشخاص: “نحن هنا لأننا في خضم صراع وجودي يفهمه جميع المواطنين الإسرائيليين”. وفي مقابلة مع قناة “فوكس نيوز” ألمح إلى أن الحملة العسكرية الإسرائيلية المستمرة قد تؤدي إلى إسقاط الجمهورية الإسلامية “لأن النظام في إيران ضعيف للغاية”.
ومثلما أشارت صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير لمراسيلها، فإن نتنياهو البارع في الحيل تخلى عن تحفظاته، ويحاول الاستفادة من الميزة التي حققتها إسرائيل في أعقاب هجمات حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وتوجيه ضربات ضد حلفاء إيران في المنطقة، بما فيها حماس في غزة التي مزقتها الحرب، ومنظمة حزب الله اللبنانية، بالإضافة إلى أهداف في سوريا، التي انهار نظامها الموالي لإيران العام الماضي.
ونقلت الصحيفة عن داني سيترينوفيتش، المسؤول السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، قوله إن تطورات ما بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر “غيرت إسرائيل التفكير من حيث قدرتها والمخاطرة” و”عندما لا تكون لديك سوريا وعندما تكون حماس غير موجودة، وبدون حزب الله، يمكنك أن تفعل ما تريد تقريبا”، إلا أن سيترينوفيتش حذر من أنه لا يبدو أن هناك الكثير من التفكير الاستراتيجي بشأن ما سيأتي بعد ذلك. “فنحن نوسع [الهجمات] لتشمل قطاع الطاقة [الإيراني] ونخوض حرب استنزاف لا تنتهي أبدا”، “ثم ماذا بعد؟”.
وقد أكد ترامب وحلفاؤه أن الولايات المتحدة لم تكن متورطة في العمل الأحادي الجانب الذي قامت به إسرائيل ضد إيران. وأوردت صحيفة “وول ستريت جورنال”، أن ترامب طلب صراحة من نتنياهو، في مكالمة هاتفية يوم الاثنين الماضي، الامتناع عن ضرب إيران. إلا أن سحب الولايات المتحدة عددا لا يحصى من الأفراد من المنطقة قبل الهجمات يدل على وجود درجة من التنسيق فيما يتعلق بالضربات، في حين يحظى نتنياهو بدعم قوي من صقور الجمهوريين في واشنطن.
وفي يوم الأحد، قال السيناتور الجمهوري عن ولاية ساوث كارولينا، ليندسي غراهام، إنه في حال فشل الدبلوماسية، يجب على الولايات المتحدة “بذل قصارى جهدها لضمان عدم بقاء أي شيء قائم في إيران فيما يتعلق ببرنامجها النووي بعد انتهاء هذه العملية”. وأيد غراهام دخول الولايات المتحدة الحرب مباشرة. وقال: “إذا كان ذلك يعني توفير القنابل، إذا كان يعني التعاون مع إسرائيل، فليكن ذلك”.
وأشار الكاتب إلى أن الضربة الإيرانية أحدثت انقساما في الرأي العام داخل اليمين الأمريكي، حيث أدانت أصوات محافظة مؤثرة، مثل المذيع تاكر كارلسون، “المحرضين على الحرب” في واشنطن.
ولم يساعد ترامب، على الرغم من منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي التي تدافع عن السلام والدبلوماسية، بتمهيد الطريق لسلام حقيقي في المنطقة. ولا تزال الحرب في غزة مشتعلة، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن غالبية اليهود الإسرائيليين يؤيدون التهجير القسري للفلسطينيين.
ومن المستبعد جدًا أن تتشكل في إسرائيل الظروف السياسية اللازمة التي قد تمهد لاتفاق دبلوماسي كبير يطبع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، وبهذا يتحقق “اليوم الجديد المشرق” الذي وعد به ترامب. وبدلا من ذلك، تلوح في الأفق حرب طويلة. يوظف نتنياهو التفوق العسكري الإسرائيلي في الشرق الأوسط، ويكشف خدعة نظام طهران الذي يزداد ضعفا وتضررا. وأظهرت قدرة إسرائيل على القضاء على كادر كامل من كبار المسؤولين العسكريين الإيرانيين مدى تغلغل وكالاتها الاستخباراتية في البلاد. ومع ضعف وكلائها وتعرض منشآتها العسكرية والنووية الحساسة للقصف، تتضاءل خيارات طهران.
ويقول ثارور إن حشر النظام الإيراني في الزاوية يزيد من المخاطر، فقد تقرر إيران ضرب أهداف أخرى على حدودها أو محاولة إغلاق الملاحة في الخليج العربي، وهو تصعيد من المرجح أن يستدرج الولايات المتحدة.
وأشارت إيلي جيرانمايه، الزميلة البارزة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، في رسالة بريد إلكتروني إلى أنه ينبغي على الدبلوماسيين الغربيين “أن يدركوا تماما أن هذا هجوم كبير شنته إسرائيل، بهدف تصعيد الموقف ضد طهران وجر المنطقة إلى مواجهة”.
وليس من الواضح بعد حجم القدرات النووية الإيرانية التي لا تزال سليمة، لكنها قد تقرر الآن أن الوقت قد حان للإسراع نحو إنتاج سلاح نووي.
وكتب كينيث بولاك، نائب رئيس السياسات في معهد الشرق الأوسط ومسؤول الأمن القومي الأمريكي السابق عن أن “خيارات إيران للرد المباشر محدودة”. وأضاف: “لكن الخطر يكمن في أن إسرائيل فتحت بابا، وقد يكون أسوأ رد إيراني هو الأكثر احتمالا، قرار الانسحاب من التزاماتها بالحد من التسلح وإنتاج أسلحة نووية بجد”.
وعلق ولي ناصر، أستاذ الشؤون الدولية بجامعة جونز هوبكنز، في منشور على “إكس” على لقطات تظهر منطقة سكنية في طهران تقصفها إسرائيل: “كلما زادت هذه الهجمات على الأهداف والأحياء المدنية، زادت إسرائيل من إقناع الرأي العام الإيراني بضرورة حصول البلاد على أسلحة نووية”.
وجادل عباس أمانات، أستاذ التاريخ الفخري في جامعة ييل والباحث في الشؤون الإيرانية، بأن الحرب تُضعف فرص إجراء محادثات. وقال ولي: “إذا أرادت إيران التفاوض مع الأمريكيين، فعليها أن يكون لديها ما تتفاوض عليه”. وتساءل أمانت هل تتخيل إسرائيل “دولة خاضعة” لمصالحها، وهو سيناريو مستبعد للغاية. أم أنهم، كما تساءل أمانت، يسعون إلى تفكيك الدولة الإيرانية، على غرار ما حدث في ليبيا عقب تدخل حلف شمال الأطلسي في حربها الأهلية عام 2011؟ وهو ما سيؤدي إلى “فوضى عارمة” و”صحراء قاحلة”، بحسب وصف المؤرخ الروماني تاكتيوس: “خلقوا صحراء وسموها سلاما” وسيجد ترامب نفسه صعوبة في إطلاق ما سينتج عن الحملة الإسرائيلية بأنه سلام.