واشنطن- “القدس العربي”: تشهد الحرب المتصاعدة بين إسرائيل وإيران تطورات ميدانية ودبلوماسية لافتة، وسط تحذيرات من دخول الولايات المتحدة في صراع لا يبدو أن له نهاية قريبة. وبينما تواجه إسرائيل صعوبات متزايدة في تحقيق أهدافها العسكرية، بدأت الأصوات ترتفع في واشنطن مطالبة الرئيس دونالد ترامب بالتدخل المباشر، في خطوة قد تضع أمريكا في مواجهة شاملة مع إيران.
وبحسب تحليل نشره الباحث تريتا بارسي، نائب رئيس معهد كوينسي للسياسة الرشيدة، فإن “الحرب الاختيارية” التي بدأتها إسرائيل ضد إيران تتجه نحو طريق مسدود، وقد تفشل في تحقيق نتائج حاسمة على الأرض، ما يزيد الضغوط على البيت الأبيض للانخراط عسكريًا إلى جانب تل أبيب.
الضربة الأولى.. نجاح تكتيكي قصير الأمد
بدأت إسرائيل الحرب بضربة مباغتة استهدفت قيادات عسكرية إيرانية في شمال طهران، حيث قُتل عدد من القادة وهم نيام في منازلهم، في وقت لم تكن فيه الدفاعات الجوية الإيرانية مستعدة. وشكّل هذا الهجوم المفاجئ نجاحًا تكتيكيًا أوليًا، دفع ترامب إلى الإشادة بأداء إسرائيل ووصفه بـ”الممتاز”، رغم إعلان وزير الخارجية ماركو روبيو حينها أن الهجوم كان “عملًا أحاديًا” ولم تشارك فيه الولايات المتحدة.
ولكن، وبعد 18 ساعة فقط، استعادت إيران قدرتها على الردّ، إذ أعادت هيكلة قيادتها العسكرية وفعّلت دفاعاتها الجوية، وأطلقت أربع موجات من الصواريخ استهدفت منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي، وتمكنت بعضها من اختراق الطبقات الدفاعية وضربت مواقع حساسة، من بينها وزارة الدفاع في تل أبيب.
إيران تردّ وتطور تكتيكاتها
رغم استمرار الضربات الإسرائيلية، التي طالت مصافي نفط ومطار مهرآباد في طهران، لم تتمكن إسرائيل من تحقيق اختراق حاسم في منشأة “فوردو” النووية المحصنة، وهو ما قلّص من الأثر الاستراتيجي للهجمات.
في المقابل، أظهرت إيران تطورًا في تكتيكاتها، إذ بدأت بإطلاق صواريخ ذات فعالية أكبر، بل وفي وضح النهار، ما أربك الدفاعات الإسرائيلية. ويرى بارسي أن استمرار تآكل منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية قد يدفع طهران لاستخدام رؤوس حربية أكبر، ما يضاعف حجم الدمار المحتمل في المرحلة المقبلة.
إسرائيل تطلب الدعم وترامب يتردد
في ضوء هذا التصعيد، توجّه مسؤولون إسرائيليون ومجموعات ضغط نافذة في واشنطن، مثل “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات”، إلى الإدارة الأمريكية مطالبين بالمشاركة في الهجمات ضد إيران. غير أن ترامب، المعروف بتفضيله لتفادي الحروب الطويلة، يتردد في اتخاذ قرار قد يجرّ البلاد إلى صراع مكلف وغير مضمون النتائج.
ويحذر بارسي من أن الطلب الإسرائيلي الجديد يتجاوز مجرد منح “الضوء الأخضر” للعملية، إلى الدعوة المباشرة لتدخل أمريكي. وقال إن “ما بدأ بشعار: دعونا نضرب إيران لأجلكم، تحوّل سريعًا إلى: أسرعوا واضربوا إيران من أجلنا”.
معضلة ترامب: إنقاذ حليف أم تجنب ورطة؟
بالنسبة للرئيس الأمريكي، فإن الانخراط في حرب لم يبدأها، ولا تبدو نتائجها مضمونة، يحمل مخاطر سياسية كبيرة، خاصة أن إسرائيل لم تنجح حتى الآن في تقويض النظام الإيراني أو تعطيل برنامجه النووي بشكل حاسم.
ويشير بارسي إلى أن فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها يعكس ضعفًا استراتيجيًا لا يتناسب مع وعودها الأولية، بل أسهمت الحرب في رفع التأييد الشعبي داخل إيران لتطوير سلاح نووي، ما يضاعف من تعقيد فرص العودة إلى طاولة المفاوضات.
فرصة للتهدئة لا تزال قائمة
ورغم تعقيد المشهد، يرى بارسي أن فرصة التوصل إلى اتفاق نووي ما زالت ممكنة، لكنها مشروطة بوقف الحرب فورًا وتخلي الإدارة الأمريكية عن شرط “صفر تخصيب”، وهو المطلب الذي تبنته إسرائيل وأسهم في إفشال المسار الدبلوماسي سابقًا.
ويخلص بارسي إلى أن على ترامب أن يعيد النظر في حساباته، كما فعل سابقًا في اليمن، وأن يضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب بدلًا من الدخول فيها، إذا كان يريد الحفاظ على فرص التفاوض وتحقيق ما يسميه “أمريكا أولًا”.