في فجر يوم الجمعة، نفّذت إسرائيل هجوماً جوياً مفاجئاً على أهداف إيرانية، وصفته مصادر عسكرية بأنه واحد من أنجح العمليات الاستخباراتية واللوجستية في تاريخ المواجهة بين الجانبين. بعد قرابة ثلاثين عاماً من التهديدات المتبادلة، وحالة التوتر المتصاعد في الأشهر الأخيرة، جاءت هذه الضربة لتدشّن مرحلة جديدة من الصراع المباشر.
العملية كانت منسّقة بدقة بين الجيش الإسرائيلي (IDF) وجهاز الاستخبارات الخارجية “الموساد”، ونجحت في خلال ساعات قليلة في تدمير منظومات عسكرية رئيسية داخل إيران، شملت أنظمة دفاع جوي ومواقع صاروخية ومجمعات بحث نووي، كما قُتل خلالها عدد من كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين الإيرانيين. وأعلن سلاح الجو الإسرائيلي لاحقاً أنه بات يتمتع بـ”حرية جوية” فوق غرب إيران، وأن مقاتلاته نفّذت عدداً من الطلعات في الأجواء الإيرانية دون اعتراض يُذكر.
لكن، رغم هذا الإنجاز العسكري اللافت، لم يُحقق الهدف المعلن لإسرائيل حتى الآن، وهو تدمير البنية التحتية للبرنامج النووي الإيراني. ففي حين أفادت صحيفة نيويورك تايمز أن الأضرار التي لحقت بالمواقع النووية كانت محدودة، أكدت مصادر إسرائيلية أن منشأة نطنز، على سبيل المثال، قد تعطّلت كلياً وستبقى خارج الخدمة لسنوات، كما لحقت أضرار جسيمة بموقع أصفهان. وتُشير التقديرات إلى أن منشأة فوردو ستكون الهدف المقبل.
ردّ الفعل الإيراني لم يتأخر كثيراً، فبعد إعادة ترتيب القيادة الميدانية، أطلقت طهران أكثر من 200 صاروخ باليستي و40 طائرة مسيّرة في أربع موجات متتالية بحلول صباح السبت. وعلى الرغم من نجاح الدفاعات الجوية الإسرائيلية في اعتراض معظم المقذوفات، فإن نحو عشرة صواريخ وصلت إلى منطقة تل أبيب، مسببةً دماراً غير مسبوق، وأودت بحياة ثلاثة مدنيين، وجرحت أكثر من 75 آخرين. وقد قارن مراقبون ما جرى بموجة صواريخ “سكود” التي استهدفت تل أبيب في حرب الخليج عام 1991، لكن هذه المرة كانت الضربات أدق وأكثر فتكاً.
ويبدو أن إيران لم تطلق كل ما لديها بعد. فرغم تدمير إسرائيل عدداً من منصات الإطلاق، تشير التقديرات إلى أن طهران ما زالت تحتفظ بترسانة كبيرة من الصواريخ، ما يجعل استمرار الهجمات وارداً جداً. كما كشفت مصادر إيرانية أن المرشد الأعلى، علي خامنئي، أمر بإطلاق ألف صاروخ على إسرائيل، لكن المشاكل التقنية ونقص الكوادر ربما حال دون تنفيذ ذلك.
أما “حزب الله” اللبناني، الذي طالما اعتُبر الذراع الإيرانية الأقوى في حال نشوب حرب مفتوحة، فيبدو أكثر تردداً الآن. فبعد الخسائر التي مني بها في جنوب لبنان خلال المعارك مع الجيش الإسرائيلي في أكتوبر الماضي، وتدمير جزء كبير من ترسانته الصاروخية، يفضّل قادته حتى الآن الاكتفاء بخطابات التضامن، دون الانخراط المباشر ما لم يصدر أمر صريح من طهران.
من جهة أخرى، كشفت العملية عن تنسيق وثيق بين إسرائيل والولايات المتحدة، أعمق مما بدا عليه للوهلة الأولى. فبينما عبّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن قلقه قبل بدء الهجوم بساعات، يبدو الآن أنه أعطى الضوء الأخضر، خاصة بعد أن تبيّن نجاح الضربة. وقد صرّح ترامب لاحقاً بأنه يأمل أن تدفع العملية إيران للعودة إلى طاولة المفاوضات بشأن اتفاق نووي جديد. لكن هذا لا ينسجم مع توجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يسعى إلى إضعاف النظام الإيراني أو حتى إسقاطه.
نتنياهو، الذي يتعرّض لضغوط داخلية منذ هجوم 7 أكتوبر والهزائم في غزة، يرى في هذا الهجوم فرصة سياسية نادرة. فقد نشر عدة مقاطع فيديو يعلن فيها “نجاح الجيش الإسرائيلي”، في محاولة لاستعادة الثقة الشعبية. إلا أن بعض المحللين يرون أن العملية، رغم نجاحها التكتيكي، لا تزال غير مكتملة، ولا يمكن اعتبارها نقطة نهاية إلا إذا أتبعتها إسرائيل بخطوات استراتيجية أوسع، تشمل تحالفات إقليمية وتفاهمات مع واشنطن.
ووسط كل هذه التطورات، لا بد من التذكير بأن هذا الإنجاز العسكري تحقق على يد نفس الجيش الذي فشل في منع مجزرة 7 أكتوبر على حدود غزة. العديد من ضباط سلاح الجو الذين رفضوا الخدمة الاحتياطية احتجاجاً على خطط الحكومة القضائية هم اليوم في قلب العمليات العسكرية. قائد سلاح الجو اللواء تومر بار، الذي تعرض لحملة تشويه من اليمين الإسرائيلي قبل أشهر فقط، يُحتفى به اليوم كأحد أبطال إسرائيل.
العملية، بقدر ما تُشكّل انتصاراً تكتيكياً وعرضاً مبهراً للقوة، تبقى محفوفة بالمخاطر. فإيران لم تقل كلمتها الأخيرة بعد، وحلفاؤها في المنطقة يراقبون الميدان. وفي حال انزلقت الأمور نحو مواجهة شاملة، فإن الكلفة – بشرياً واقتصادياً – قد تكون باهظة جداً على الجانبين.
– صحيفة هآرتس