الوثيقة | مشاهدة الموضوع - تصاعد خطير للاعتقالات والملاحقات لأصحاب الرأي في العراق
تغيير حجم الخط     

تصاعد خطير للاعتقالات والملاحقات لأصحاب الرأي في العراق

مشاركة » الأحد إبريل 07, 2024 4:12 am

3.jpg
 

مصطفى العبيدي

بغداد ـ «القدس العربي»: تصاعدت هذه الأيام حالات إصدار القضاء العراقي، قرارات باعتقال وسجن نواب وإعلاميين ونشطاء، ومنع إعلاميين آخرين من حرية التعبير، بسبب انتقادات وجهوها إلى أخطاء وتجاوزات وفساد من قبل شخصيات ومؤسسات حكومية، بالتزامن مع تحذير منظمات حقوقية بمسعى برلماني لتمرير «قانون حرية الرأي والتظاهر» المثير للجدل، ما أثار موجة غضب واعتراضات على محاولات قمع حرية الرأي والتعبير التي كفلها الدستور العراقي.

البرلمان وتقييد حرية الرأي والإعلام

تثار هذه الأيام حملات لمناهضة محاولات قوى سياسية في البرلمان، تقييد حرية الرأي والتظاهرات.
فضمن محاولة إعادة إحياء «قانون حرية التعبير والتظاهر» الذي عارضت القوى المدنية والحقوقية منذ سنوات، إقراره وفرضه على الواقع العراقي، فقد أشار «تحالف الدفاع عن حرية التعبير» إلى أن مجلس النواب العراقي يسعى إلى التصويت خلال الأيام المقبلة على مسودة قانون حرية التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي، في محاولة واضحة وصريحة تتجاهل المجتمع المدني والتعديلات المقترحة عليها.
وأشار التحالف الذي يضم مجموعة من المنظمات الحقوقية والمدنية، في بيان أن «الذهاب باتجاه التصويت على مسودة قانون عليها ملاحظات من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، وعليها اعتراض كبير من مجموعة برلمانيين وقوى سياسية، يؤكد وجود مساع كبيرة لتقويض الحريات في العراق». وشدد البيان: «منذ 13 عاماً والمجتمع المدني يناضل من أجل عدم تشريع القانون بهذه الصيغة، وقدمت منظمات عديدة ملاحظاتها ومقترحاتها وعملت مع لجان برلمانية لإنضاج المسودة بما يتوافق مع الدستور العراقي والمبادئ العالمية لحقوق الإنسان، لكن قوى سياسية عديدة أصرت على أن يُسلط القانون كسيف على رقاب العراقيين». وأضاف: «أن تحالف الدفاع عن حرية التعبير، يؤكد أن مسودة القانون تعاني من مشكلات عدة، وتجمع أكثر من قانون في قانون واحد، وتضرب بعرض الحائط ما كفله الدستور العراقي في مادته 38 بشأن الرأي وحرية التعبير عنه».
وذكر البيان: «أثبتت كل الدورات البرلمانية 2010 ـ 2021 إن هناك عملاً ممنهجاً لضرب الحريات في العراق، ووضع قوانين بوليسية ديكتاتورية تمنع العراقيين من ممارسة حقوقهم، ولا يُمكن استثناء ذلك إلا من عدد ليس بالكبير من أعضاء مجلس النواب الذين كانت لديهم مواقف واضحة وصريحة من ذلك».
والحقيقة أن تحرك بعض القوى البرلمانية بهذا الاتجاه، ليس التحرك الوحيد الذي أثار تحفظات واعتراضات منظمات حقوقية محلية، حيث أعلن موقع البرلمان قبل أيام، إجراء تعديل على المادة 226 يشدد على حصانة النائب بصفته ممثلاً للشعب».
الكاتب والصحافي أحمد الشيخ ماجد، اعتبر أن التعديل الذي أجراه البرلمان على المادة 226 أبقاها فضفاضة، وتصلح لمعاقبة أي صحافي يكتب رأياً مخالفاً. وأشار ماجد، في لقاء تلفزيوني، إلى «انحدار أوضاع حرية التعبير في البلاد إلى مستوى غير مسبوق» وذلك بعد حجب مواقع صحافية عراقية وعربية، وقال «هذه أسوأ مرحلة.. كنا نخاف السلاح خارج السلطة.. والآن نخاف السلاح والسلطة». وقبل ذلك، وجه رئيس مجلس النواب بالنيابة محسن المندلاوي، مؤخرا بإقامة دعوى قضائية ضد أي شخص «يسيء» للمؤسسة التشريعية وأعضاء مجلس النواب، ما جعل «مركز النخيل للحقوق والحريات الصحافية» يبدي قلقه من «المضايقات وتقييد الحريات» المتبعة من رئاسة مجلس النواب ضد الصحافيين والمؤسسات الإعلامية تحت ذريعة «الإساءة للنواب». وأوضح أنه «بعد 20 عاماً من سقوط النظام السابق في عام 2003 وضع مؤشر حرية التعبير العالمي لعام 2023 العراق بالمرحلة التاسعة عربيا، وهذا يعد أبرز دليل أن مؤشر حرية الرأي في تدن خطير إذا استمر الوضع كما هو عليه بمنع ظهور محللين سياسيين وإغلاق قنوات فضائية وصفحات تواصل اجتماعي ومنع ظهور برامج ومقدمي برامج سياسية».

ملاحقة قنوات فضائية

وفي الآونة الأخيرة تزايدت المؤشرات عن مساعي التضييق على حرية وسائل الإعلام والقنوات، عبر تعرض العديد من القنوات والعاملين فيها، إلى مضايقات وإجراءات حكومية ضدهم.
فقد قررت قناة وطن «w. tv» إيقاف برامجها السياسية وجميع نشاطاتها الإخبارية والاجتماعية، وإنهاء البث الفضائي، ابتداء من اليوم الأول لعيد الفطر، عازية السبب إلى التهديدات المستمرة والدعاوى والشكاوى الكيدية، وتعرض منازل العاملين فيها إلى إطلاق نار. وأكدت القناة، أن الإعلام والصحافة غير مسؤولين عن ما يصرح به المواطنون في لقاءات صحافية في الشارع. وجاء إجراء القناة بعد قرار لمحكمة بالحكم على مراسلها قصي شفيق الذي أجرى لقاءات مع مواطنة في الشارع شكت فيه من ابتزاز تعرضت له من موظف حكومي مقابل تعيين بناتها. ولاحقا أصدرت هيئة تمييز محكمة الرصافة، قراراً بإلغاء الحكم الموجه ضد الإعلامي قصي شفيق، وقالت إن الشكوى وتقرير الخبير الفني لا يصلحان لتأسيس حكم الإدانة.
ومن جهة أخرى، أعلنت قناة «تلك الأيام» المحلية قيام السلطات الإعلامية الحكومية بإيقاف بثها، لكشفها قيام رئيس الجمهورية بتأجير بيته للسفارة الكويتية.
مدير القناة الإعلامي البارز حميد عبد الله تعهد بمواصلة القناة كشف الفساد والفاسدين مهما كان موقعهم ومنصبهم في الحكومة العراقية. وتعرضت القناة للغلق مؤخرا، بعد ان سلطت الضوء على ما أسمته «فضيحة كبرى» عندما كشف عبد الله، أن رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد قام بشراء منزل سكرتير صدام الشخصي عبد حمود، بثمن بخس، ثم قام بعد ذلك بتأجير البيت للسفارة الكويتية في بغداد، مقابل 50 ألف دولار شهرياً، وهو ما عده عبد الله «تصرفا غريبا وغير مقبول من أكبر مسؤول في الدولة».
وقد تضامن صحافيون ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، مع القناة ومديرها ورفضوا الإجراءات القمعية ضد الإعلام، عادين ذلك الإجراء بانه غير مسؤول، ولا ينسجم مع عصر المعلومة والشفافية، ويندرج ضمن سياسة تكميم الأفواه وحجب المعلومات عن الجمهور.
وذكر المحامي نوري العزاوي لـ«القدس العربي»: «أن تعليمات كانت موجودة في النظام السابق، تمنع قيام أي مسؤول حكومي بتأجير عقاره أو التعامل التجاري مع السفارات والمؤسسات الأجنبية العاملة في العراق، لكونها تشكل ثغرة أمنية وسياسية بحق الدولة، يمكن أن تستغلها الأطراف الأجنبية في تعزيز نفوذها داخل البلد». وأضاف «أن رئيس الجمهورية (الذي يحمل جنسية أجنبية أضافة إلى العراقية) قام بتأجير بيته للسفارة عندما كان وزيرا للموارد المائية بعد 2003 ويفترض بعد أن أصبح رئيسا للجمهورية ان يلغي عقد الإيجار المذكور».
وبدوره أكد مراسل قناة «الرشيد» مصطفى لطيف، رفع دعوى قضائية ضده من قبل وزارة الداخلية بسبب تقرير تلفزيوني قدمه على شاشة التلفاز. وقال لطيف، إن «وزارة الداخلية رفعت دعوى ضدي من شهر 10 لسنة 2023 والآن تم تفعيل الدعوة ولا أعرف سبب ذلك» مبينا أن الدعوى المقامة ضده بموجب المادة رقم 210 من قانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960 الخاصة بـ«الافتراء». وتابع مصطفى: «لا أعرف سبب إقامة الدعوى ولا أعرف على أي تقرير رفعت ضدي» مشيرا إلى انه سيقف أمام المحكمة بناء على التبليغ وإذا لم يذهب إلى المحكمة سيصدر بحقه أمر إلقاء القبض. وذكر مصطفى: «قمت بإبلاغ هيئة الإعلام والاتصالات ونقابة الصحافيين العراقيين بشأن الدعوة المقامة ضدي».
وليس ببعيد عن هذا الإطار، أعلنت الإعلامية آن صلاح، إيقاف برنامجها المنوع على قناة العراقية الحكومية، وذلك بعد انتقادها لقرار رفع أسعار الوقود. وكانت آن صلاح وهي مقدمة برامج في قناة العراقية الرسمية، أعلنت عن إيقاف برنامجها على القناة، وحجب ظهورها على الشاشة، من قبل رئيس الشبكة، ونقلها إلى الإذاعة، عازية ذلك إلى منشور بصيغة «ستوري» على منصة «انستغرام» انتقدت فيه رفع أسعار الوقود.
ومن جهة أخرى ناشد «المرصد العراقي للحريات الصحافية» رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، للتدخل في إطلاق سراح مقدم البرامج الدكتور علي الذبحاوي المعتقل منذ أيام على خلفية دعوى قضائية رفعها مسؤولون في المؤسسة الأمنية، بعد انتقادهم لها، حيث تم وضعه في مركز شرطة الصالحية من دون مذكرة قبض أو استدعاء. ونقل بيان المرصد عن الذبحاوي «أنه عرض مقطع فيديو في إحدى حلقات برنامجه الذي تبثه قناة البغدادية، وتضمن شكوى مواطن ضد مؤسسة حكومية. وبعد اعتقال الذبحاوي علم إن هناك ثلاث دعاوى قضائية رفعت ضده».

اعتقال مدونين معارضين

وفي ملاحقة أخرى للمدونين والناشطين، قامت السلطات الأمنية العراقية، قبل أيام، باعتقال الناشط والمدون ياسر الجبوري لدى وصوله إلى العاصمة بغداد قادما من إيرلندا، على خلفية تناوله عبر حسابه على منصة «اكس» قضايا الفساد في العراق. وتبين وجود دعوى قضائية مرفوعة ضد المدون الجبوري من قبل رئيس الوزراء محمد السوداني بتهمة التشهير.
ونظرا لكون المدون يحمل الجنسية الإيرلندية وبعد اتصالات لوزارة خارجية إيرلندا مع وزارة الخارجية العراقية، فقد وجه السوداني بالتنازل عن القضايا المرفوعة ضد المدون ياسر الجبوري، وإطلاق سراحه من مركز الشرطة الذي كان يحتجز فيه. إلا أن الجبوري عندما راجع مركز الشرطة لاستلام جوازه وممتلكاته التي سبق مصادرتها منه تم إبلاغه بانه لن يُسمح له بمغادرة العراق وذلك لوجود قضيتين أخريين ضده بشأن منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي تتعلق بالفساد، أقامتها ضده مؤسستان حكوميتان.

تظاهرات ناشطين ضد الفساد

وفي أعقاب اعتقال ناشطين ونواب في عدة مدن مؤخرا، نظم الناشطون تظاهرات متعددة للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين المعارضين للفساد.
ففي مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار، خرجت تظاهرات ليلية وقطع طرق وجسور وسط تصادم بين المتظاهرين والقوات الأمنية عقب اعتقال ناشط. وقال ناشطون لقنوات محلية ومواقع تواصل اجتماعي، إن «قوة أمنية داهمت منزل الناشط كرار الازيرجاوي، وقامت باعتقاله ونقله إلى بغداد، بناء على شكوى مقدمة ضده من النائبة نيسان الزاير».
وعرضت القنوات المحلية، أفلاما عن المتظاهرين الغاضبين المطالبين بإطلاق سراح الازيرجاوي، وقيامهم بإشعال الاطارات المحترقة في تقاطع البهو وجسر النصر وسط الناصرية مركز المحافظة. وأعلن متظاهرون «انهم خرجوا احتجاجاً على اعتقال الناشط كرار الازيرجاوي، بسبب الدعاوى الكيدية المقامة ضده من قبل نائبة وصلت إلى البرلمان بفضل ساحات الاحتجاج». وذكرت المصادر أن توترا أمنيا يسود مناطق الناصرية، وأن شيوخ العشائر في المحافظة أصدروا بيانا دعوا فيه إلى التهدئة فيما أعطى المتظاهرون مهلة قصيرة للحكومة لإطلاق سراح الناشط، أو توسيع التظاهرات في المحافظة.
وفي أعقاب وقوع إصابات بين متظاهرين باشتباكات بين القوات الأمنية والمتظاهرين أكد سلام الفياض، عضو مجلس محافظة ذي قار، في بيان، أن «الناصرية فوق الجميع، لا نسمح بإراقة أي قطرة دم من أبناء الناصرية وفي نفس الوقت لا نسمح باعتقال الشباب العزل. أن قمع الشباب هو قمع الحرية ونحن معهم ومع القانون في نفس الوقت». وأشار إلى «تشكيل لجنة، للكشف عن من أطلق الرصاص الحي ضد المتظاهرين، ومستمرون وبقوة من أجل أمن وأمان المحافظة، ومن أجل خروج الأخ كرار الازيرجاوي، وكلنا أمل بالقضاء العادل أن ينصف الجميع».
ومن جهة أخرى، خرجت تظاهرات ليلة في بابل جنوب بغداد، لعدة أيام، أمام مبنى الحكومة المحلية للمطالبة بكشف ملابسات جريمة اغتيال الناشط أيسر الخفاجي. وأكدوا «يجب أن لا تمر هذه الجريمة من دون كشف المتورطين وإلا سيتمادى القتلة وتمتد أياديهم لاستهداف شخصيات أخرى». وفيما قام زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر باستقبال عائلة الناشط الشهيد، داعيا إلى الإسراع في كشف نتائج التحقيق في الجريمة، فإن سرايا السلام (التابعة للتيار) قاموا باستعراض بسيارات تحمل مسلحين في النجف وبابل، وطالبوا الحكومة بكشف مرتكبي الجريمة. وكان مسلحون مجهولون، اعتقلوا الناشط أيسر الخفاجي من بيته مؤخرا، وأخذوه إلى جهة مجهولة، ليتم العثور لاحقا على جثته وعليها آثار تعذيب.
وفي محافظة النجف وضمن ردود الأفعال الرافضة لقرار اعتقال النائب المستقل هادي السلامي، خرجت تظاهرات ليلية للناشطين، رفضا لقرار المحكمة بسجن النائب، ومطالبين بالإفراج عنه، حيث قطع المتظاهرون شوارع ومجسرات ساحة ثورة العشرين بالإطارات المحروقة. وتحدث المتظاهرون عبر وسائل الإعلام، بان النائب كشف قضايا فساد ارتكبتها وزارة التجارة منها مخالفات وفساد في الحصة التموينية التي توزعها الحكومة مهددين بتصعيد تظاهرات النشطاء في المحافظات إذا لم يتم إطلاق سراح النائب المعارض. وكان القضاء العراقي حكم مؤخرا، على النائب المستقل هادي السلامي بالسجن 6 أشهر مع التنفيذ، بذريعة «استخدامه وثائق مزورة لتشويه صورة وزير التجارة» بعد أن قدم النائب شكوى إلى الادعاء العام في قضية فساد وهدر بالمال العام تتعلق بعقد مشروع السلة الغذائية، كما خاطب السلامي رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وطالبه بسحب يد وزير التجارة.
ومن متابعة هذه القضايا وقضايا أخرى، يتضح أن الحكومة ومجلس النواب في العراق وبالرغم من تعهداتهم مرارا، بإتاحة المجال للعمل الصحافي وحرية وسائل الإعلام والرأي الحر وحق التظاهر، حسبما أقره الدستور، إلا أن الواقع بعيد عن ذلك، حيث يؤشر تدهورا وتقييدا متصاعدا لحرية الرأي والإعلام في العراق، حيث ما زال بعض المسؤولين الرسميين والمؤسسات الحكومية يلجأون إلى رفع الدعاوى القضائية، ضد إعلاميين وناشطين ونواب ومدونين، إضافة إلى إغلاق بعض القنوات والمواقع على شبكات التواصل الاجتماعي، بحجة التشهير بالمؤسسات الرسمية وكشف قضايا الفساد، وهو الأمر الذي عده المراقبون والناشطون ومنظمات حرية الرأي، حملة منظمة تهدف لتقييد حرية الرأي والصحافة والإعلام والتدوين الإلكتروني في العرا
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى تقارير