الوثيقة | مشاهدة الموضوع - حزب العمال الكردستاني بين دعم طهران ومطرقة أنقرة وسندان بارزاني : صادق الطائي
تغيير حجم الخط     

حزب العمال الكردستاني بين دعم طهران ومطرقة أنقرة وسندان بارزاني : صادق الطائي

مشاركة » الأحد نوفمبر 27, 2022 2:09 pm

لطالم كانت العلاقة معقدة ومتشابكة بين حزب العمال الكردستاني التركي «PKK» وطهران من جهة، وأنقرة والحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني من جهة أخرى. إذ ان عداء الحزب لحكومة أنقرة دفع مقاتليه للبحث عن ملاذات آمنة في المناطق المتاخمة للحدود التركية ليتسنى لهم الدخول وتنفيذ العمليات المسلحة ضد وجود القوات الحكومية التركية في كردستان تركيا، ومن ثم الانسحاب إلى قواعد آمنة وشبه دائمية في جبال شمال العراق وسوريا.
المعقد والإشكالي في هذه المعادلة هي تعاطي طهران مع سياسات أنقرة في هذا الملف، فبالرغم من أن حكومة طهران تقمع المعارضة الكردية المسلحة في كردستان إيران، إلا أنها تدعم ميليشيا حزب العمال الكردستاني التركي والتنظيمات القريبة منه في العراق وسوريا، كما إنها تستخدم هذه الميليشيات لضرب الوجود التركي في شمال العراق وشمال سوريا. وعلى الرغم من الضغط التركي وبعض التفاهمات بين أنقرة وطهران، لم تنخرط إيران في أي محاولة حقيقية لقمع حزب العمال الكردستاني. في المقابل، أستُهدف الحزب الديمقراطي الكردي الإيراني الموالي للحزب الديمقراطي الكردستاني بشدة من قبل قوات الأمن الإيرانية.
ويرى بعض المحللين إن العلاقة الإيرانية مع حزب العمال الكردستاني ليست جديدة. فالمعقل الرئيسي للـ «PKK» في شمال العراق هو سلسة جبال قنديل التي يقع جزء منها داخل إيران. وكثيرا ما نجا مقاتلو حزب العمال من الضربات الجوية التركية عبر اللجوء إلى الجانب الإيراني. لذلك يمكننا القول إن ايران كانت دائمًا متعاطفة مع حزب العمال الكردستاني ولم تشارك إلا في تعاون عسكري محدود مع تركيا في كل مرة كان مقاتلو الحزب يتعرضون فيها لضغوط تركية.
نحن نتذكر ما حدث مباشرة بعد أن بدأت تركيا عملية «مخلب النسر» 2 في شباط/فبراير 2021 في كردستان العراق، إذ شنت القوات التركية عملية عسكرية لإنقاذ 13 أسيرًا تركيًا وقعوا في أيدي حزب العمال الكردستاني، وعندما شرعت القوات التركية بعمليتها العسكرية، قلقت إيران من أن تنظف القوات التركية جبال غارا من حزب العمال الكردستاني، إذ أوشكت حينذاك ميليشيا «PKK» على الانهيار. دفع هذا القلق إيران إلى التكشير عن أنيابها ضد الوجود التركي في كردستان العراق عبر التلويح بالتهديد من قبل وكلائها في العراق، فقد نشرت ميليشيا حركة النجباء القريبة من طهران والمصنفة ضمن قوائم الإرهاب الأمريكية بيانًا يهدد بمهاجمة القوات التركية، تمامًا كما فعلت مع قوات الولايات المتحدة في العراق. ويشير التهديد الصريح من قبل ميليشيا النجباء ومقارنتها لتركيا بالولايات المتحدة إلى أن تركيا بالنسبة لإيران هي منافس مساو للولايات المتحدة في العراق. علاوة على ذلك، فإن هجوم الميليشيا الشيعية الأصغر والأقل شهرة على القاعدة العسكرية التركية هو محاولة إيرانية «لتحذير» تركيا للحفاظ على خطوط التوتر ضمن المديات المقبولة في صراع القوة الخفي بين طهران وأنقرة.
بعد فترة وجيزة، نشرت عصائب أهل الحق وهي ميليشيا شيعية أخرى مقربة من طهران، مقطع فيديو لإطلاق صاروخ استهدف القاعدة العسكرية التركية في بعشيقة في العراق. علاوة على ذلك، هاجمت الميليشيات الشيعية مطار أربيل وقتلت مقاولًا مدنيًا، وجرحت تسعة آخرين، من بينهم جندي أمريكي واحد. في غضون ذلك، أرسلت الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران تعزيزات إلى منطقة سنجار لنسف الاتفاق بين الحكومة المركزية العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق.
كل هذه الحوادث مثلت جزءا من استراتيجية إيران لحماية حزب العمال الكردستاني واستغلال الجماعة المصنفة ضمن قوائم الإرهاب الأمريكية ضد الوجود التركي في العراق. ويرى المراقبون أن الميليشيات الشيعية في العراق قد اكتسبت الكثير من القوة والنفوذ، وكان للسياسة الأمريكية المتذبذبة آثار جانبية تمثلت في تمكين إيران في العراق، والتي استخدمت الميليشيات الشيعية لتهديد الوجود التركي في كردستان العراق، وتقويض اتفاق سنجار، ومنع حزب العمال الكردستاني من الانهيار.
نقرأ في تقرير أمني أمريكي تناول العمليات التي جرت في الربع الأول من عام 2022 التأكيد على التعاون الواضح بين الميليشيات الشيعية العراقية القريبة من طهران وحزب العمال الكردستاني. وأشار التقرير إلى أن «سنجار كانت تاريخياً تحت سيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني، لكن منذ عام 2017 هيمن الحزب الديمقراطي الكردستاني على النصف الشرقي من سنجار فقط، بينما أسس حزب العمال الكردستاني قواعد لوجوده في غرب سنجار بمساعدة ميليشيا أيزيدية تعرف باسم وحدات حماية سنجار التي تحافظ على علاقات وثيقة مع الميليشيات الشيعية المقربة من إيران».
دعا اتفاق تشرين الأول/اكتوبر 2020 بين الحكومة المركزية العراقية وحكومة إقليم كردستان إلى إخراج مقاتلي حزب العمال الكردستاني وإنشاء قوة أمنية جديدة قوامها 2500 عضو في المنطقة. وقد فشلت محاولات عديدة لتنفيذ هذا الجزء من الاتفاقية حتى الآن، ووقعت اشتباكات متعددة بين الجيش العراقي وميليشيا حماية سنجار الايزيدية «YBS» في المنطقة. الواقع على الأرض ينبئنا بأن منطقة سنجار باتت معقلًا لحزب العمال الكردستاني بعد أن عجز العديد من الأيزيديين عن العودة إلى ديارهم وبقوا في معسكرات حكومة إقليم كردستان.

طرق إمداد حزب العمال

شنت الحكومة التركية هجمات عديدة بطائرات وبدون طيار ضد حزب العمال الكردستاني في سنجار في محاولة لكبح جماح «PKK» في المنطقة التي يتواجد فيها التنظيم. في غضون ذلك ، تمكنت تركيا من إغلاق طرق إمداد حزب العمال الكردستاني إلى تركيا بمساعدة حكومة بارزاني في أربيل وقضت على العديد من معسكرات حزب العمال بالقرب من الحدود التركية. ومن المعتقد أن هذه الخطوات ستقلل من وجود حزب العمال الكردستاني في سنجار وبالتالي سينحصر وجوده في جبال غارا وقنديل فقط. كل ذلك جعل الأمر أسوأ بالنسبة لإيران، وبالتالي «حذر» وكلاء إيران في العراق حكومة إقليم كردستان عبر مهاجمة مطار أربيل، وهو هجوم شنيع أدانته الولايات المتحدة وتركيا والعديد من الدول الأخرى.
تشير الأدلة المتزايدة إلى زيادة التعاون بين الجماعات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني العاملة في شمال العراق والفصائل المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، والتي لها أيضًا وجود في المنطقة. ولطالما هددت الميليشيات الموالية لإيران القواعد التركية في شمال العراق، وخاصة القاعدة التركية بالقرب من بعشيقة. هذا الأمر يعني أن إيران وتركيا تلعبان لعبة تجاذبات القوة في العراق، والأكراد هم المفصل الذي تقوم عليه سياسات التوتر لهاتين الدولتين، وأن هذا الصراع لابد وأن يمر عبر هذا المفصل.
وجاءت هجمات تركيا على حزب العمال الكردستاني في شمال العراق بعد اجتماعات مع مسؤول حكومة إقليم كردستان. تلعب تركيا لعبة قوة في كردستان العراق، إذ تدعي أنها تقاتل حزب العمال الكردستاني، لكنها تقيم قواعد عسكرية وتستخدم المجال الجوي العراقي وتتدخل بقوة في شؤون إقليم كردستان العراق. فتركيا لديها علاقات وثيقة مع حكومة إقليم كردستان. وتشمل مصالحها هناك تجارة الطاقة والاستثمار، وتريد أن تراقب عن كثب حزب العمال الكردستاني، الذي تقاتله تركيا منذ سنوات. وأشارت صحيفة «ديلي صباح» التركية إلى أن «أحد مجالات التعاون بين أنقرة وأربيل هو مكافحة الإرهاب، لا سيما أن جماعة حزب العمال الكردستاني الإرهابية لديها معاقل في أجزاء من شمال العراق تحت سيطرة حكومة إقليم كردستان».
كذلك الحال في الملف السوري المرتبط بالملف العراقي في هذا الشأن، فعندما أطلقت القوات التركية وفصائل الجيش السوري الحر عملية «غصن الزيتون» العسكرية في مطلع عام 2018 على مواقع قوات سوريا الديمقراطية «قسد» المدعومة من حزب العمال الكردستاني والمتواجدة في محيط مدينة عفرين السورية، أرسلت إيران ميليشيات شيعية وأسلحةً وذخيرة دعما للقوات الكردية في معركتها ضد الجيش السوري الحر والقوات المسلحة التركية. في ذلك الوقت، نفذت طائرات تركية بدون طيار ضربات ناجحة ضد الميليشيات الإيرانية التي كانت تحاول الوصول إلى عفرين.
يُنظر إلى تصور تركيا للتهديد الذي يشكله حزب العمال الكردستاني على أنه وشيك أكثر من الذي تشكله الميليشيات الشيعية. ومن الواضح أكثر من أي وقت مضى أنه إذا كانت أنقرة ترغب بالقضاء على تهديد حزب العمال الكردستاني، فعليها التركيز على وجود الميليشيات الشيعية التي تسيطر عليها إيران في العراق وسوريا. ويشير موقف الميليشيات المدعومة إيرانيا والهجمات المتزامنة ضد حكومة إقليم كردستان وتركيا والولايات المتحدة إلى أنه يتعين على الحكومات الثلاث العمل معًا للحد من التغول الإيراني في المنطقة.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات