الوثيقة | مشاهدة الموضوع - “الطنطورة”: أعدموهم وأخفوا القبر تحت موقف السيارات لتدوس عليه الأجيال دون علمها
تغيير حجم الخط     

“الطنطورة”: أعدموهم وأخفوا القبر تحت موقف السيارات لتدوس عليه الأجيال دون علمها

مشاركة » الاثنين يناير 24, 2022 6:28 pm

13.jpg
 
“أخفوا الأمر”، قال الجندي موشيه ديامينت في محاولة لاختصار الكلمات. “ممنوع التحدث. قد تكون فضيحة كبيرة. لا أريد التحدث عن ذلك، لكنه حدث. ما العمل؟ قد حدث”.

مرت 22 سنة على العاصفة التي ثارت حول احتلال قرية الطنطورة في حرب الاستقلال، في أعقاب بحث أكاديمي أجراه طالب اسمه ثيودور كاتس، الذي تضمن شهادات عن أعمال فظيعة نفذها لواء الكسندروني بالأسرى العرب. وأدى البحث إلى نشر مقال في “معاريف” بعنوان “مذبحة الطنطورة”. ولكن دعوى التشهير التي قدمها الجنود جعلت كاتس يتراجع عن أقواله.

لم يتم فحص جميع الشهادات التي جمعها كاتس عندما تفجرت القضية، وبقيت على مستوى نقاش مهني بين الطلاب. الآن وقد أصبحت أعمارهم 90 فما فوق، فإن عدداً من مقاتلي اللواء يعترفون بحدوث مذبحة في الطنطورة، التي هي الآن شاطئ قرب “كيبوتس نحشوليم”. يصف الجنود مشاهد قتل مختلفة، يتبين منها أن عدد القتلى في القرية أكبر بكثير من العدد الذي قيل في الوقت الذي حدثت فيه، حوالي 20 قتيلاً، إذ لم يتم إحصاء الأموات في نهاية الحرب، ولا وجود لاتفاق حول عدد الضحايا. الشهادات التي تجمعت خلال السنين تذكر أرقاماً مختلفة وعدداً قليلاً من القتلى، وحتى أكثر من 200 قتيل، حسب إحدى الشهادات.

حسب أقوال ديامينت، أطلقت النيران على سكان القرية وقتلوا في نهاية المعركة بواسطة رشاش نصف آلي، على يدي شخص متوحش. قال ديامينت إنه عندما تم تقديم دعوى ضد كاتس، تظاهر الجنود وكأنه لم يحدث أي شيء استثنائي بعد احتلال القرية. “قالوا: لم نعرف ولم نسمع. بالتأكيد عرفوا، جميعهم عرفوا”.

قال الجندي حاييم لفين، إن أحد الجنود تقدم من مجموعة تتكون من 15 – 20 أسيراً و”قتلهم جميعاً”. حسب قوله، أثارت فيه هذه الحادثة صدمة، وتوجه لأصدقائه بالسؤال عن سبب الموضوع. “ليست لديك فكرة كم قتل هؤلاء”، أجابوه.

ميخا فيتكون، وهو مقاتل آخر في اللواء، تحدث عن ضابط، وقال: “لقد أصبح بعد ذلك شخصية رفيعة في وزارة الدفاع، قتل بمسدسه الشخصي عربياً تلو آخر”. حسب قوله، “لقد كان مضطرباً قليلاً، وهذا كان أحد أعراض اضطرابه”. وقال فيتكون إنه فعل ذلك لأن الأسرى رفضوا الإفصاح عن مكان السلاح المخبأ الذي بقي في القرية.

أحد المقاتلين الآخرين وصف أحداثاً أخرى حدثت في القرية: “من غير اللطيف التحدث عن ذلك. لقد أدخلوهم في برميل وأطلقوا النار عليهم. أتذكر الدماء داخل البرميل”. وقال جندي آخر باختصار، إن الجنود لم يتصرفوا مثل بشر في القرية، وعاد إلى الصمت.

هذه الشهادات مثل شهادات أخرى تظهر في مشروع توثيقي مؤثر للمخرج ألون شفارتس، الذي تم بث فيلمه الوثائقي “الطنطورة”، الخميس الماضي، في مهرجان ساندينس في الولايات المتحدة. ويبدو أنه يقلب الصورة التي ترسخت لدى الجمهور الإسرائيلي في أعقاب دعوى التشهير واعتذار كاتس. على الرغم من أن شهادات الجنود في الفيلم قيلت بأجزاء جمل وشظايا اعترافات، إلا أن الصورة الشاملة واضحة: جنود في اللواء قتلوا شباباً غير مسلحين بعد المعركة.

فعلياً، عندما قدمت دعوى التشهير، لم يجر نقاش جدي للشهادات التي جمعها كاتس. يظهر الاستماع لهذه التسجيلات بأن لو تعمقت المحكمة فيها في حينه، لما اضطر كاتس للاعتذار. نعم، أكثر من مرة الأقوال التي قالها له الجنود كانت محملة بالإشارات وجزئية، لكنها تجمعت وشكلت حقيقة لا لبس فيها.

“ما الذي تريده؟”، سئل شلومو أمبر، الذي أصبح بعد ذلك عميداً ورئيس قسم الدفاع المدني، فأجاب: “أن أكون روحاً جميلة وأقول الشعر؟ لقد وقفت جانباً، هذا كل شيء، كفى”. أوضح أمبر بأن الأمور التي حدثت في القرية لم ترق له. “لكن لأنني لم أرفع صوتي في حينه، فلا سبب كي أتحدث عن ذلك الآن”، قال.

إحدى الشهادات القاسية في فيلم شفارتس تلك التي قدمها الجندي عميتسور كوهين، الذي تحدث عن أشهر الحرب الأولى. “كنت قاتلاً. لم آخذ أسرى”، قال. لو كان هناك فصيل من المقاتلين العرب وأيديهم مرفوعة لأطلق النار عليهم جميعاً. كم عربياً قتل خارج إطار المعركة؟ “لم أحص. كان معي رشاش مع 250 رصاصة. لا أستطيع الإحصاء”. شهادات جنود الكسندروني تنضم إلى الأقوال التي كتبها الجندي يوسف بن اليعيزر. “كنت أحد الجنود في احتلال الطنطورة”، شهد بن اليعيزر. “كنت أعلم عن القتل الذي يحدث في القرية. عدد من الجنود قاموا بالقتل بمبادرة شخصية منهم”.

وفق الشهادات والوثائق التي جمعها شفارتس من أجل الفيلم، يتبين أنه وبعد المذبحة، كان قد تم دفن القتلى في قبر جماعي هو الآن تحت موقف السيارات في “حوف دور”. قبر حفر خصوصاً لهذا الهدف، واستمرت عملية الدفن مدة طويلة. في نهاية أيار، بعد أسبوع على الاحتلال، وبخوا أحد القادة الذي كان في المكان لأنه لم يعالج دفن جثث العرب بصورة صحيحة. في 9 حزيران، كتب قائد القاعدة المجاورة ما يلي: “أمس، فحصت القبر الجماعي في الطنطورة ووجدت أن كل شيء على ما يرام”.

باستثناء الشهادات والوثائق، يعرض في الفيلم تحقيق خبراء قارنوا صوراً جوية من القرية قبل وبعد الاحتلال. مقارنة الصور والأشخاص ثلاثية الأبعاد، التي نفذت بمساعدة أدوات متطورة، تمكن من تحديد الموقع الدقيق للقبر، بل وقياس حجمه، 35 متراً طولاً و4 أمتار عرضاً. “اهتموا بإخفاء ذلك”، قال كاتس، “بصورة لا تعرف الأجيال اللاحقة على ماذا تدوس”.

اعتراف جنود الكسندروني يلقي ضوءاً جديداً على قضية الطنطورة والنضال من أجل الحقيقة التاريخية. في آذار 1998 قدم كاتس أطروحته في قسم تاريخ الشرق الأوسط في جامعة حيفا. كان عنوان بحثه “خروج العرب من القرى إلى سفوح الكرمل الجنوبي في 1948”. كاتس الذي كان في حينه في الخمسينيات، حصل على علامة 97. قُدم بحثه كالعادة لمكتبة الجامعة، وكان كاتبه ينوي مواصلة كتابة رسالة الدكتوراه. ولكن برنامجه تشوش.

كان هذا في كانون الثاني 2000 عندما قام الصحافي أمير غيلات باستعارة البحث من المكتبة ونشر مقالاً حول المذبحة في “معاريف”. هذا النشر أيقظ الشياطين مجدداً. باستثناء دعوى التشهير التي قدمتها جمعية الكسندروني، قررت الجامعة القيام بخطوات، وشكلت لجنة لإعادة فحص البحث. قررت اللجنة رفضه رغم أن الفحص الأصلي كان قد قرر استكمال كاتس أطروحته بامتياز.

صحيح أن بحث كاتس يتضمن عيوباً، لكن العنوان الذي يجب توجيه الانتقاد إليه هو في المقام الأول جامعة حيفا، التي رافقت البحث وكتابته بصورة معيبة، وانقلبت بعد ذلك وتخلت عن طالبها. هذا التنكر مكن من إسكات وإبعاد الأحداث الدموية في الطنطورة طوال سنوات. وكان يكفي كاتس جلسة واحدة في المحكمة للتوقيع على رسالة اعتذار، أعلن فيها بأنه لم تكن هناك مذبحة في القرية، وأن عمله مشوب بالإخفاقات. إن تراجعه عن الاعتذار بعد بضع ساعات، وعدم حضور محاميه، افيغدور فيلدمان، اللقاء الليلي الذي استخدم فيه الضغط على كاتس للتراجع، أمر طواه النسيان. وهذا الاعتذار دفن الوقائع التي تم كشفها في البحث. ولم تتعرض تفاصيل المذبحة لفحص شامل.

المؤرخون الذين تناولوا القضية، بدءاً بيوآف غلبر، ومروراً ببني موريس، وانتهاء بإيلان ببيه، توصلوا إلى استنتاجات مختلفة ومتناقضة. غلبر الذي شغل منصباً رئيسياً في النضال ضد بحث كاتس، قال إن بضع عشرات العرب قتلوا أثناء المعركة، وأنه لم تحدث قط مذبحة. واعتقد موريس أنه لا يمكن معرفة ما حدث بصورة صريحة، لكنه أشار إلى أنه عند سماع عدد من الشهادات يظهر شعور بـ “عدم الراحة العميق”. ببيه، الذي أجرى مع غلبر نقاشاً تم بثه في الإعلام حول البث، قال بحدوث مذبحة في الطنطورة بالمعنى البسيط للكلمة. والآن، تم حسم النقاش بعد نشر الشهادات في فيلم شفارتي.

في أحد مقاطع الفيلم الدراماتيكية تظهر درورا بلبل، التي كانت القاضية في دعوى التشهير ضد كاتس، وهي تستمع لتسجيل إحدى المقابلات التي أجراها. كانت المرة الأولى التي تتطلع فيها على التوثيق الذي جمعه كاتس، الذي سارع إلى الاعتذار وأنهى المحاكمة في بدايتها. “إذا كان هذا صحيحاً فهي خسارة”، قالت القاضية المتقاعدة لمخرج الفيلم بعد رفع السماعات. “إذا كانت لديه أمور كهذه، فقد كان عليه المضي حتى النهاية”.

قضية الطنطورة تمثل الصعوبة التي يواجهها جنود 1948 في تسليط الضوء على الممارسات السلبية التي تفشت فيها: أعمال قتل، وعنف ضد السكان العرب، وطرد وسلب. إن سماع شهادات الجنود الآن، إزاء الموقف الموحد الذي أظهروه عندما قدموا دعوى ضد كاتس، يدل أيضاً على قوة علاقة الصمت والاتفاق على وجود أمور لا يتم التحدث عنها. نأمل أن يتحدث اليهود الإسرائيليون عن هذه المواضيع. ويمكن تأييد ذلك وإيجاده بعد أن تناول الفيلم هذه القضية وتم تمويله من جهات مركزية مثل “هوت 8″ و”الصندوق الجديد للسينما والتلفزيون”.

الأحداث الدموية في الطنطورة تحتاج إلى استمرار البحث في القضية. الحقيقة في الواقع لم تعرف بالكامل. ولكن هناك أمراً واحداً يمكن قوله بدرجة كبيرة من اليقين، وهو أنه “تحت أحد مواقف السيارات في أحد مواقع الاستجمام في إسرائيل على شاطئ البحر المتوسط تم دفن ضحايا إحدى المذابح البارزة في حرب الاستقلال”.

بقلم: آدم راز

هآرتس 24/1/2022
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى تقارير

cron